للتوغل الإسرائيلي في العمق السوري أهداف إستراتيجية بعيدة المدى

نظرا للأهمية الإستراتيجية للمناطق التي تتوغل فيها القوات الإسرائيلية جنوب سوريا، فإن أهدافها تبدو بعيدة المدة وغير محددة بفترة زمنية كما تقول، إذ تتيح لها السيطرة على جبل الشيخ موقعا إستراتيجيا لن تتنازل عنه على المدى القريب.
دمشق- يواصل الجيش الإسرائيلي التوغل في جنوب سوريا ووصل الأربعاء إلى عمق تسعة كيلومترات داخل ريف درعا، بعد سيطرته على مرتفعات الجولان، ورغم أن إسرائيل تقول إنها ستبقى في موقع جبل الشيخ الإستراتيجي إلى حين التوصل لترتيب مختلف، إلا أن المخاوف تتزايد من احتلالها للموقع المطل على سوريا ولبنان والأردن.
وتصاعدت العمليات الإسرائيلية في جنوب سوريا، مع تحركات مستمرة على الأرض في المناطق الحدودية مع الجولان المحتل، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الأربعاء إن “القوات الإسرائيلية دخلت الكتيبة 74 في محيط قرية صيدا، على الحدود الإدارية بين محافظتي القنيطرة ودرعا، في خطوة تمثل اختراقا جديدا ضمن منطقة جنوب سوريا.”
وذكر المرصد في وقت سابق أن القوات الإسرائيلية كانت طلبت من الأهالي في المناطق التي توغلت إليها حديثا بالقرب من الجولان السوري المحتل بتسليم السلاح. وذلك بعد أن احتلت قوات إسرائيلية جبل الشيخ عندما دخلت المنطقة منزوعة السلاح بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد قبل أيام.
وتشير هذه التحركات إلى محاولة إسرائيل السيطرة على أراض سورية جديدة رغم وصف مسؤولين إسرائيليين الخطوة بأنها محدودة وإجراء مؤقت لضمان أمن الحدود، خاصة أنهم لم يشيروا إلى موعد محدد لاحتمال انسحاب القوات. وأمر وزير الدفاع يسرائيل كاتس القوات الأسبوع الماضي بالاستعداد للبقاء في جبل الشيخ خلال فصل الشتاء.
كما أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للجيش بالاستعداد لاستمراره في احتلال المنطقة العازلة السورية حتى نهاية عام 2025 على أقل تقدير.
وقالت القناة “12” العبرية الخاصة أن سبب تحديد هذا التاريخ هو التقييم بأنه بحلول ذلك الوقت سيستقر الوضع السياسي الأمني في سوريا وسيكون ممكنا معرفة ما إذا كان سيكون هناك كيان في البلاد يحترم اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وفرض تفاصيله ومنع النشاط المعادي ضد إسرائيل، وفق تعبيراتها.
وتابعت أن الآثار المترتبة على بقاء الجيش في هذه المنطقة هائلة، خاصة في ما يتعلق بنشر القوات، ففي الواقع، تتم إضافة جبهة جديدة إلى الجيش بجانب القوات المنتشرة في قطاع غزة ولبنان.
ويقول محللون إن قمة جبل الشيخ البالغ ارتفاعها 2814 مترا ذات أهمية إستراتيجية وأمنية كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل التي استغلت الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب الجيش السوري بعد سقوط الأسد للسيطرة عليها.
ويطل جبل الشيخ على مدينة دمشق، ومن خلاله يمكن مراقبة مناطق شاسعة وخاصة في سوريا ولبنان.
ويوفر نقطة مراقبة متقدمة تُشرف على مناطق واسعة في سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل. وهذا الموقع يُمكّن إسرائيل من تعزيز قدراتها في جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة التحركات العسكرية في المنطقة.
كما أن السيطرة على الجبل تسمح لإسرائيل بنشر أنظمة دفاعية واستخباراتية متقدمة، مما يُعزز من أمن المستوطنات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان ومناطق الجليل الأعلى.
وتنشر إسرائيل في مواقعها بالجليل وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا أجهزة بث وتشويش وأعمدة إرسال واتصالات وتجهيزات تجسسية متقدمة. ومن المرجح أن تبني محطة رادار بعيد المدى على جبل الشيخ.
وتؤمّن محطة الرادار عمليات التجسس والرصد، لذلك فإن خروج إسرائيل منه لن يكون سهلا في أي مفاوضات مستقبلية.
والثلاثاء، زار نتنياهو الموقع للاستماع إلى إفادة بشأن العمليات مع قادة للجيش ومسؤولين أمنيين.
وقال في بيان صدر عن مكتبه في وقت متأخر من مساء الثلاثاء “نجري هذا التقييم من أجل اتخاذ قرار بشأن نشر جيش الدفاع الإسرائيلي في هذا الموقع المهم إلى حين التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل.”
وانتقدت الأمم المتحدة وعدد من الدول توغل إسرائيل في المنطقة العازلة التي أعلن عنها بعد حرب 1973 ووصفته بأنه انتهاك للاتفاقات الدولية ودعت لسحب القوات.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال كلمة أمام البرلمان الأربعاء إن احتلال هضبة الجولان ينتهك القانون الدولي.
وجاءت الكلمة بعد أن قررت الحكومة الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الأسبوع زيادة عدد سكان إسرائيل في هضبة الجولان المحتلة إلى المثلين.
وتبلغ مساحة هضبة الجولان 1200 كيلومتر مربع وتطل أيضا على لبنان وتتاخم الأردن، وتطمع إسرائيل بشدة في الموارد المائية والتربة الخصبة فيها.
واحتلت إسرائيل القسم الأكبر من مرتفعات الجولان عام 1967 وأعلنت ضمها عام 1981، وبعد احتلالها بشهر فقط، تم تأسيس مستوطنة “مروم جولان” أول مستوطنة فيها. وبحلول العام 1970 تمت إقامة 12 مستوطنة إضافية في هضبة الجولان.
وإثر حرب أكتوبر 1973 بين إسرائيل وسوريا، تم التوصل إلى اتفاق هدنة استمر العمل به على مدار الخمسين عاما الماضية. وكجزء من الاتفاق، أقيمت منطقة عازلة بطول 80 كيلومترا وتخضع لمراقبة الأمم المتحدة.
واليوم، يعيش في مرتفعات الجولان نحو 30 ألف مستوطن يهودي في أكثر من 30 مستوطنة بالإضافة إلى نحو 23 ألف درزي موجودين هناك من قبل احتلال الهضبة في العام 1967 ويحملون الجنسية السورية.
كما توجد العديد من القواعد العسكرية بما في ذلك نقطة أممية على قمة جبل الشيخ.
وفي عام 2019 وخلال ولايته الرئاسية الأولى، اعترف دونالد ترامب، رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة، فكانت الولايات المتحدة الدولة الأولى والوحيدة التي تعترف بذلك.
وتتمركز قوات من الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في معسكرات ونقاط مراقبة في الجولان يدعمها مراقبون عسكريون من هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة.
ونددت قطر والسعودية والإمارات بقرار إسرائيل، ووصفته الإمارات التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 بأنه “إمعان في تكريس الاحتلال وخرق وانتهاك للقوانين الدولية.”
جبل الشيخ يؤمّن عمليات التجسس والرصد، لذلك فإن خروج إسرائيل منه لن يكون سهلا في أي مفاوضات مستقبلية
وتقول إسرائيل إنها تنفذ المئات من الضربات على مخزونات الأسلحة الإستراتيجية والبنية التحتية العسكرية في سوريا لمنع المعارضة التي أطاحت بالأسد من استخدامها.
وقال أحمد الشرع القائد الفعلي لسوريا السبت، إن إسرائيل تستخدم ذرائع واهية لتبرير هجماتها على سوريا، لكنه غير مهتم بالانخراط في صراعات جديدة وسط تركيز بلاده على إعادة الإعمار.
ويقود الشرع، المعروف باسم أبومحمد الجولاني، إدارة العمليات العسكرية التي أطاحت ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر منهية بذلك حكم العائلة الذي دام خمسة عقود.
وأضاف أن الحلول الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار “بعيدا عن أي مغامرات عسكرية غير محسوبة.”