لقاح جديد للسرطان مصمم لعلاج سرطانات الأورام الصلبة

يعمل الخبراء في المملكة المتحدة على اختبار لقاح جديد ضد الأورام السرطانية الصلبة مثل سرطان الجلد الميلانيني، ويحتوي اللقاح على جزيء جيني يسمى “إم أر إن إيه” يعمل على إنتاج بروتينات معينة. ويوجه اللقاح الخلايا إلى صنع البروتينات الموجودة عادة في الأورام الصلبة السرطانية، لتقديمها إلى جهاز المناعة في الجسم ومحاربة الخلايا السرطانية.
لندن ـ تلقى أول مريض في المملكة المتحدة عمره 81 عاما جرعة من لقاح جديد للسرطان مصمم لعلاج سرطانات الأورام الصلبة، مثل سرطان الجلد الميلانيني.
وتعمل لقاحات السرطان العلاجية كنوع من العلاج المناعي، حيث تساعد في تدريب جهاز المناعة على محاربة الخلايا السرطانية. وتختلف عن اللقاحات التي تمنع السرطان، مثل لقاح فايروس الورم الحليمي البشري الذي يعتبر فعالا في الوقاية من سرطان عنق الرحم.
وكشف بيان صادر عن صندوق إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، إحدى المؤسسات التي تجري التجربة العالمية، أن اللقاح الجديد الخاضع للاختبار في المملكة المتحدة وأماكن أخرى حول العالم، وهو “إم أر إن إيه ـ 4359″، يحتوي على جزيء جيني يسمى “إم أر إن إيه” ينقل التعليمات إلى أساس بناء البروتين في الخلايا، ما يدفعه إلى إنتاج بروتينات معينة.
ويوجه اللقاح الخلايا إلى صنع البروتينات الموجودة عادة في الأورام الصلبة السرطانية، لتقديمها إلى جهاز المناعة في الجسم ومحاربة الخلايا السرطانية. وتختبر تجربة “إم أر إن إيه ـ 4359” ما إذا كان اللقاح آمنا ومقبولا لدى المرضى من البشر. وكإجراء ثانوي سيدرس منظمو التجربة أيضا قدرة العلاج على تقليص أورام مرضى سرطان الرئة والجلد.
ويقول الدكتور ديفيد بيناتو، العالم السريري في قسم الجراحة والسرطان في إمبريال كوليدج لندن، “مازال هذا البحث في مراحله الأولى وقد يستغرق عدة سنوات حتى يصبح متاحا للمرضى. لكن هذه التجربة تضع الأساس الحاسم الذي يقربنا نحو علاجات جديدة من المحتمل أن تكون أقل سمية”.
اللقاح يختلف عن اللقاحات التي تمنع السرطان، مثل لقاح فايروس الورم الحليمي البشري الذي يقي من سرطان عنق الرحم
يذكر أن شركة الأدوية “موديرنا” ترعى التجربة، ومن المقرر أن تستقطب المرضى من جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الثلاث المقبلة. من جهة أخرى طور علماء دواءً لعلاج السرطان يقتل جميع الأورام السرطانية الصلبة بينما لا تصاب الخلايا الأخرى بأذى.
ويستهدف الجزيء الجديد بروتينا موجودا في معظم السرطانات التي تساعد الأورام على النمو والتكاثر في الجسم. وكان اعتقد سابقا أن هذا البروتين -وهو مستضد الخلية النووية المتكاثر”بي سي إن إيه”- لا يمكن التخلص منه. وتم اختبار الدواء على 70 خلية سرطانية مختلفة في المختبر، بما في ذلك تلك المشتقة من سرطان الثدي والبروستات والدماغ والمبيض وعنق الرحم والجلد والرئة، وكان فعالا ضدها جميعا.
يأتي العلاج تتويجا لـ20 عاما من البحث والتطوير من قبل مستشفى مدينة الأمل في لوس أنجلس، أحد أكبر مراكز السرطان في أميركا. وأُطلق على الدواء اسم “إيه أو ايتش 1996” تيمنا بآنا أوليفيا هيلي، التي توفيت في عام 2005 بسرطان طفولي مميت عن عمر تسع سنوات. والتقت الدكتورة ليندا مالكاس، التي تقود فريق البحث، بوالد آنا قبل وفاتها مباشرة واستلهمت إيجاد علاج في ذاكرتها.
ويتزامن ذلك مع ما أثير من أن السرطان سيكون قابلا للشفاء خلال العقد المقبل، وهو ادعاء أدلى به العلماء الذين اخترعوا لقاح فايزر ضد كوفيد – 19. وكشفت الدراسة الأخيرة، التي نُشرت في مجلة “سل كيميكل بيولوجي”، أن العقار الجديد قد تم اختباره على أكثر من 70 سلالة من الخلايا السرطانية والعديد من الخلايا البشرية الطبيعية التي لم تكن مصابة بالسرطان والتي تم استخدامها فقط كعنصر احتكام.
ويقتل الجزيء بشكل انتقائي الخلايا السرطانية عن طريق تعطيل دورة التكاثر الطبيعية، ومنع الخلايا ذات الحمض النووي التالف من الانقسام، ووقف تكرار الحمض النووي المعيب. وتسبب هذا المزيج من العوامل في موت الخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة في هذه العملية. ويخضع العقار حاليا للاختبار على البشر في المرحلة الأولى من التجربة السريرية.
وقالت الدكتورة ليندا مالكاس، الأستاذة في قسم التشخيص الجزيئي والعلاجات التجريبية بمدينة الأمل، “تركز أغلبية العلاجات المستهدفة على مسار واحد، والذي يمكّن السرطان الماكر من التحور ويصبح مقاوما في النهاية. يشبه ‘بي سي إن إيه’ مركزا رئيسيا لمحطة طيران يحتوي على عدة بوابات للطائرة. وتشير البيانات إلى أن ‘بي سي إن إيه’ قد تغير بشكل فريد في الخلايا السرطانية، وهذه الحقيقة سمحت لنا بتصميم دواء يستهدف فقط شكل ‘بي سي إن إيه’ في الخلايا السرطانية. إن أقراصنا القاتلة للسرطان تشبه عاصفة ثلجية تغلق مركزا رئيسيا لشركات الطيران، وتغلق جميع الرحلات الداخلية والخارجية فقط في الطائرات التي تحمل الخلايا السرطانية”.
وقالت مالكاس إن النتائج حتى الآن كانت واعدة حيث يمكن للجزيء أن يثبط نمو الورم بمفرده أو بالاشتراك مع علاجات السرطان الأخرى “دون التسبب في تسمم”. وكخطوة تالية سيتطلع الباحثون إلى فهم آلية العمل بشكل أفضل لزيادة تحسين التجارب السريرية الجارية على البشر. كما قد يكون أول لقاح لعلاج سرطان الأمعاء متاحا خلال عامين فقط، ما قد ينهي الحاجة إلى الجراحة.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، يقوم الأطباء في مؤسسة “رويال ساري” التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية بتجربة اللقاح على المرضى في المملكة المتحدة وأستراليا.
ويأمل العلماء أن يؤدي العلاج، الذي يعطى على ثلاث جرعات بفارق أسبوعين، إلى تدريب جهاز المناعة على محاربة السرطان وتقليص حجمه. وإذا نجح هذا العلاج، فقد يلغي الحاجة إلى العلاج القياسي الحالي، وهو عملية جراحية لإزالة الورم، مع منع تكرار أي سرطان في المستقبل.
وطوّر اللقاح كل من الدكتور توني ديلون، استشاري الأورام الطبية في رويال ساري، والبروفيسور تيم برايس من جامعة أديلايد. ويستهدف اللقاح، الذي تصنعه شركة التكنولوجيا الحيوية “إيموجين”، البروتين الذي يسبب كسرا في جهاز المناعة، ما يؤدي بشكل أساسي إلى تنشيط الاستجابة المناعية للجسم.
وستتم تجربته أولا على 44 مريضا في المرحلة الثانية أو الثالثة من المرض قبل أن ينتشر السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم، في عشرة مواقع بالمملكة المتحدة وأستراليا. وسيتم إجراء تنظير داخلي للمرضى مع اختبار عينة من الأنسجة لمعرفة ما إذا كانوا مؤهلين أم لا. وسيخضعون بعد ذلك لفحوصات قبل إعطائهم الحقن الثلاث، بفارق أسبوعين.
وسيجرى فحص إضافي قبل خضوعهم لعملية جراحية لإزالة أي سرطان متبقّ. وتتم إدارة التجربة من قبل وحدة التجارب السريرية في ساوثهامبتون التابعة لأبحاث السرطان في المملكة المتحدة، مع مواقع في رويال سيري ومانشستر كريستي. وفي حالة نجاح اللقاح يصبح الباحثون واثقين من إمكانية ترخيصه للاستخدام في غضون عامين، مع إجراء المزيد من التجارب على مرضى المرحلة الرابعة وأنواع مختلفة من السرطان.