لقاء نيودلهي يفك عقدة التواصل بين السيسي وأردوغان

توجس مصري يؤخر تفعيل التطبيع بين مصر وتركيا.
الاثنين 2023/09/11
اللقاء يمهد الطريق لمناقشة القضايا الخلافية

القاهرة- فك الاجتماع الذي عقد بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان عقدة التواصل بين الطرفين، لكنه أجل مناقشة القضايا الحيوية التي تسعى أنقرة للدخول فيها سريعا، إلا أن توجس السيسي وتخوّفه من مفاجأة تركية يعيقان تفعيل التطبيع بين البلدين.

وتقول أوساط سياسية عربية إن السيسي لا يريد أن يصدق أن أردوغان قد قلب صفحة الخلافات ولا يزال يعتقد أنه يخبئ مفاجأة، على عكس الإمارات والسعودية اللتين تعاملتا مع التطبيع بأريحية مع الأخذ بعين الاعتبار أن بلدا على حافة الإفلاس ليس بصدد المناورة.

ويقول محللون إن اللقاء الذي عقد على هامش قمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي كان من المفترض أن يناقش القضايا الملحة بين الطرفين، خاصة ملف الغاز في شرق المتوسط، لكنه اكتفى بفكّ العقدة بين الطرفين.

حسن هريدي: اللقاء لن يكون مقدمة لتسوية نهائية لبعض الأزمات المستعصية
حسن هريدي: اللقاء لن يكون مقدمة لتسوية نهائية لبعض الأزمات المستعصية

ورغم ذلك يرى هؤلاء أن اللقاء يمهد الطريق لمناقشة القضايا الخلافية من قبل كبار المسؤولين برؤية تتجاوز الكثير من التعقيدات التقليدية التي يمثلها موقف تركيا من جماعة الإخوان والأزمة الليبية وشرق البحر المتوسط، ومحاولة تجاوز العقبات التي تعتري كل منها من خلال البناء على القواسم المشتركة وتنحية التفاصيل المزعجة التي تعوق تطور العلاقات.

وقال مكتب الرئيس التركي في بيان إن أردوغان أكد للسيسي أن بلاده تبدي اهتماما بإعادة إحياء التعاون مع مصر في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية.

وتريد أنقرة أن تدخل مباشرة في عمق القضايا مع القاهرة دون العودة إلى الماضي والتباساته، حيث أدى الدخول في الكثير من تفاصيل الملفات الخلافية إلى تعطيل قطار المصالحة بعد أن شهد دفعة معنوية بلقاء أول عقده السيسي وأردوغان في الدوحة خلال نوفمبر الماضي، على هامش افتتاح فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم.

وجاء تبادل السفراء في يوليو الماضي ورفع مستوى التعاون الاقتصادي ليمنحا العلاقات دفعة مادية، ثم تجمدت فجأة على الصعيد السياسي من دون إعلان أي من الدولتين عن وجود أزمة حقيقية، بدت ملامحها ظاهرة من خلال عدم حدوث اللقاء المعلن عنه سلفا بين السيسي وأردوغان بأنقرة في يوليو الماضي.

وأزال لقاء نيودلهي الكثير من العراقيل، وتم على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، على أن تناقش القضايا الحيوية لاحقا في إطار رؤية تحقق المصالح المتبادلة؛ فقد وجدت تركيا أريحية كبيرة في تطوير العلاقات مع كل من السعودية والإمارات ولم تتوقف عند المحطات التي تعرقل نموها، ما وفر لها انفراجة اقتصادية لا تخلو من روافع سياسية مهمة.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي أن الرئيسين أعربا عن “الحرص على تعزيز التعاون الإقليمي، كنهج إستراتيجي راسخ، في إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والنوايا الصادقة، وبما يسهم في صون الأمن والاستقرار في منطقة شرق المتوسط”.

وتبحث أنقرة عن وسيلة ذات جدوى للتعاون مع القاهرة وتجاوز الفترة التي تردت فيها العلاقات منذ حوالي عشر سنوات بسبب دعمها جماعة الإخوان، وتريد التوصل إلى صيغة شبيهة بما توصلت إليه مصر مع قطر، لاسيما في ملف الإخوان؛ إذ وضعه الطرفان على الرف ولم يخضعا لتشعباته وتطرقا إلى القضايا الكبرى ذات الأولوية.

وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن لقاء السيسي – أردوغان عبّر عن رغبتهما في تطوير العلاقات بينهما ضمن الإطار الإقليمي، وأن هناك إرادة سياسية مشتركة للخروج من شرنقة المرحلة الماضية التي يريد كلاهما طي صفحاتها.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “اللقاء سوف يسفر عن المزيد من التقارب والتفاعل الإيجابي على صعيد العلاقات الثنائية، ويُعد الأول بين الرئيسين بالمعنى السياسي الشامل، لأنه ناقش بعض القضايا الحيوية لأول مرة منذ حدوث القطيعة بين البلدين، ذلك أن لقاء الدوحة طغى عليه الجانب الاستعراضي”.

◙ تركيا وجدت أريحية كبيرة في تطوير العلاقات مع كل من السعودية والإمارات ولم تتوقف عند المحطات التي تعرقل نموها، ما وفر لها انفراجة اقتصادية لا تخلو من روافع سياسية مهمة

واستبعد هريدي أن يكون اللقاء مقدمة لتسوية نهائية لبعض الأزمات المستعصية، مثل الأزمة الليبية، لأن المشهد العام فيها معقد جدا، ومن المرجح أن تترتب على اجتماع نيودلهي مواقف مصرية وتركية وفاقيّة؛ فقد وصل البلدان إلى مرحلة تطبيع العلاقات الدبلوماسية ولم يتوقف تبادل السفراء على ضرورة تصفية كل القضايا المعلقة.

وتنتاب القاهرة بعض الهواجس من مواصلة طريقها لتطوير العلاقات مع أنقرة بلا تصفية جادة للملفات المعلقة، وتخشى إمكانية أن تقوم أنقرة بتوظيف ورقة مثل الإخوان كأداة ضغط كلما استشعرت أنها لم تحصل على كل ما تريده، ولذلك تبحث مصر عن صيغة لضمان تحييد هذه الورقة طالما أن أنقرة لا تريد التخلي عنها.

ويقول مراقبون إن النظر إلى المستقبل أمر جيد بالنسبة إلى القيادة المصرية إذا تخلت عن حذرها واقتنعت بأن تركيا – أردوغان اليوم وغدا ليست هي تلك التي كانت مشغولة بإزعاج النظام المصري وحاولت جاهدة إسقاطه بطرق مختلفة، وتيقنت من أن العلاقات الهادئة تحقق مصالحها بصورة أفضل من الصخب الذي مارسته سابقا.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن أنقرة الآن ليست لديها رفاهية مضايقة القاهرة أو غيرها في المنطقة، لأن مشروع أردوغان أُدْخِلت عليه تعديلات عقب فوزه في انتخابات الرئاسة جعلته يطمح إلى تطوير العلاقات بدلا من توتيرها وما يحمله ذلك من ارتدادات سلبية على بلاده؛ إذ يريد التفرغ لتوسيع نطاق حركته عالميا.

1