"لفت نظر" يشعل أزمة حريات، من يسائل الإعلام على تجاوزاته

نقابة الصحافيين في تونس تعلّق شراكتها مع هيئة الانتخابات.
الاثنين 2024/02/12
ثم ماذا بعد؟

بدأت أزمة جديدة بين نقابة الصحافيين التونسيين وهيئة الانتخابات، بسبب اعتراض الأخيرة على معلومات وردت في مقال وإصدارها "لفت نظر" للموقع الذي نشره، الأمر الذي اعتبرته النقابة تضييقا على الحريات، بينما يرفض صحافيون أن تكون النقابة طرفا في الصراع السياسي.

تونس - أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين تعليق تنسيقها مع هيئة الانتخابات، على خلفية إشعار “لفت نظر” صدر من الأخيرة، بخصوص مقال نشره موقع إخباري تناول “توظيف القضاء خدمة للسلطة السياسية”. ما أشعل موجة جدل واسعة بشأن حدود الحريات ومن يحاسب وسائل الإعلام على مخالفاتها.

ويعتبر متابعون أن نقابة الصحافيين التونسيين تصر على أن تكون طرفا في المشهد السياسي ولعب دور حزب معارض بالتماشي مع عودة المعارضة التونسية إلى الشوارع، التي لها حساباتها السياسية في صراعها مع السلطة، حيث خرج خلاف جديد بين نقابة الصحافيين وهيئة الانتخابات، وذلك قبل أشهر على الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية السنة.

وفي شهر يناير الماضي، نشر موقع "نواة" مقالا بعنوان "قضايا التآمر على أمن الدولة: وظيفة القضاء خدمة للسلطة السياسية"، وذلك في إطار سلسلة المحاكمات التي طالت عدة معارضين بتهم تتعلق بما تصفه لوائح الاتهامات ضدهم بـ“التآمر على أمن الدولة".

واعتبرت هيئة الانتخابات أن المقال "خرق واجب الحياد، وأورد أخبارًا زائفة قد تضلل الناخبين"، ليرد فريق تحرير نواة موضحًا أن المقال كان “مقال رأي يهدف إلى فتح النقاش وليس له علاقة بالانتخابات المحلية أو التشريعية، وأن الهيئة تتبع تفسيرًا خاصًا للقراءة السياسية قد يؤثر على حرية التعبير".

وردا على "لفت النظر" الذي أرسلته هيئة الانتخابات، أصدرت هيئة تحرير موقع "نواة" بيانا نددت فيه بـ"التضييق على المؤسسات الإعلامية". واعتبرت النقابة أنّ المقال يندرج في صميم العمل الصحفي لفتح النقاش وإثارة الجدل حول قضايا تهم الشأن الوطني ولتكريس مبدأ حرية الرأي والتعبير على أرض الواقع.

سرحان الناصري: الإعلام السياسي في تونس اليوم ليس في أحسن الأحوال
سرحان الناصري: الإعلام السياسي في تونس اليوم ليس في أحسن الأحوال

وأضافت في بيان أن ما قامت به هيئة الانتخابات يُعدّ تدخلا سافرا في المضامين الإعلامية ورقابة غير مبرّرة على الصحافيين في تجاوز واضح لصلاحياتها، كما أنّ تهديدها باللجوء للمرسوم 54 يُعدّ توجها ممنهجا لضرب حرية الصحافة والتعبير واستقلالية وسائل الإعلام.

ويعتبر متابعون للشأن الإعلامي في تونس أن اتهام مؤسسات الدولة بمختلف هيئاتها والقضاء بالتضييق على الحريات الإعلامية بات رائجا على المنابر الإعلامية عند اتخاذ أي خطوة رسمية تتعلق بمخالفات نشر مثل نشر معلومات غير دقيقة إلى السب والشتم، وأكثرها إثارة للجدل هي تلك التي تتعلق بعمليات إرهابية أو أمنية، حيث تم مقاضاة صحافيين بسبب كشف معلومات تضر بسير التحقيق.

وينتقد هؤلاء موقف النقابة التي باتت بمثابة حزب سياسي معارض يدخل في صراعات متتالية مع السلطة، مؤكدين أن هناك مواقف حقيقية تستدعي وقوف النقابة إلى جانب الصحافيين وقد قامت بها فعلا في العديد من المرات، إلا أنها في أحيان أخرى انزلقت نحو التدخل في الشأن السياسي ومناصبة السلطات العداء.

وقد جددت نقابة الصحافيين تمسّكها بموقفها المبدئي في تكريس إعلام حر تعدّدي ومستقل عن كل الضغوطات، ومطالبتها بإحالة كلّ قضايا النشر حصريا على المرسوم 115، ومطالبتها بسحب المرسوم عدد 54 الذي ينسف جوهر حرية الصحافة والتعبير كأهم مكسب للثورة.

ويتعلق الجدل حول القضاء بشأن اعتقال عدد من المعارضين تم سجنهم بتهمة "التآمر على أمن الدولة". ومن بينهم راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة المعارض البالغ 82 عاما، وجوهر بن مبارك، المؤسس المشارك لجبهة الخلاص الوطني. وحُكم على الغنوشي بالسجن لمدة عام بتهم تتعلق بالإرهاب في مايو 2023، ثم في الأول من فبراير الجاري، حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد إدانته بتهمة تلقي حزبه تمويلات بشكل غير قانوني.

كما يواجه عدد من الصحافيين التونسيين محاكمات حاليا، بحسب وسائل إعلام محلية، بموجب مرسوم يعاقب على "نشر الأخبار الكاذبة" بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات. ويرى رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، بأن "الإعلام السياسي في تونس اليوم ليس في أحسن الأحوال"، وأن هناك "شبه قطيعة بين المؤسسات الإعلامية والسلطة السياسية".

وقال في مقابلة تلفزيونية مع قناة "الحرة" أنه من الضروري تعاون الإعلاميين ممثلين بنقابة الصحافيين والسلطة السياسية، وقال "للأسف اليوم هناك بعض وسائل الإعلام، قنوات ومواقع إخبارية، مثل موقع نواة، يعملون ضمن أجندات سياسية". وأضاف "لا يجب أن نغض الطرف عن بعض وسائل الإعلام التي نرى فيها بعض المرات نوعا من تدني لمستوى العمل الصحفي، خاصة الصحافة الاستقصائية" متهما موقع "نواة" بأنه "كانت له توجهات سياسية منذ نحو عشرة أعوام.. في بعض الأحيان ضد مصلحة الدولة، وضد مصلحة البلاد".

ومؤخرا، تواصل الجدال خاصة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبين الهياكل المهنية الإعلامية خاصة بعد توجيه هيئة الانتخابات لخطابي “تنبيه” و“لفت نظر” إلى موقع بزنس نيوز وإلى إذاعة “صن.إف.إم” التابعة لمنظمة “أنا يقظ” بسبب “نشر أخبار زائفة". وقد أدانت النقابة ما اعتبرته “الانحراف الخطير لدور هيئة الانتخابات”، واعتبرت أن ممارساتها تدخل ضمن خانة “الضغط بهدف توجيه التغطية الإعلامية والحد من موضوعية وسائل الإعلام”. لكن هيئة الانتخابات أكدت أن ما تمّ توجيهه إنما هو لفت نظر وليس شكوى أو قضية، وجاء بناء على تقرير من وحدة الرصد المكلفة بمراقبة الفضاء المفتوح، ويتعلق باتهام الهيئة بعدم الحياد.

◙ اتهام مؤسسات الدولة بالتضييق على الحريات الإعلامية بات رائجا على المنابر الإعلامية عند اتخاذ أي خطوة رسمية تتعلق بمخالفات نشر

وردت نقابة الصحافيين في بيان لها أن “الهيئة تواصل منهج محاولة الانفراد بتنظيم عمل وسائل الإعلام وحصرها ضمن صلاحياتها، حيث تواترت محاولات التضييق على الأصوات الناقدة للمسار الانتخابي وللهيئة ولمدى نجاعة عملها، إذ وجهت الهيئة مراسلتي للفت نظر لوسائل الإعلام لما اعتبرته نشر أخبار زائفة من شأنها أن تنال من صفو النظام العام إثر انتقاد استقلاليتها ونجاعة عملها وحدود ولايتها على المسار الانتخابي”.

وجهت الهيئة “تنبيها” إلى موقع “بزنس نيوز” على خلفية نشره لمقال انتقد فيه الولاية الكاملة لهيئة الانتخابات و“السطو على صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري”. واعتبرت الهيئة محتوى مقال الرأي المنشور على الموقع بعنوان “هيئة الانتخابات في تونس – ولاية كاملة دون سواها… ثم ماذا بعد؟”، “بثا للأخبار الزائفة”، ملوحة بالملاحقة الجزائية استنادا إلى الفصل 24من المرسوم 54 سيء الذكر المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والفصل 54 من المرسوم 115 في حال العود.

كما وجهت الهيئة “لفت نظر” إلى إذاعة “صن.إف.إم” التابعة لمنظمة “أنا يقظ” حول محتوى برنامج حواري بث في 30 نوفمبر 2022 يعتبر أن للهيئة تأثيرا سلبيا على المسار الديمقراطي. ولوحت بالملاحقة الجزائية للإذاعة. وتقول النقابة إنه “لا يجوز مساءلة أي صحافي على رأي أو معلومة ينشرها طبق أعراف المهنة وأخلاقياتها”، وأن مثل هذه الممارسات تمكن الصحافيين من ملاحقة الهيئة جزائيا على خلفية التضييقات التي تمارسها عليهم.

وأعلنت هيئة الانتخابات أنّ المحكمة الإدارية، أصدرت يوم 12 ديسمبر الماضي، حُكمها القاضي برفض طلب وقف التنفيذ المرفوع من قبل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) والمتعلّق بقرارها الخاص بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية. وذكّرت في بيان جميع وسائل الإعلام، خاصة منها السمعية البصريّة، بضرورة التقيّد بمقتضيات القرار المذكور المنشور في الرائد الرسمي دون سواه، واحترام ما جاء به من قواعد ومبادئ منظّمة لتغطية الحملات الانتخابيّة، وعدم اعتبار ما يصدر عن غير هيئة الانتخابات في هذا الإطار.

5