لغو فارغ
غالبا ما تأخذنا لغة الشعر إلى غموضه ونحن نسعى إلى وصف علاقتنا بالجمال وتأثيره علينا، جمال امرأة وجمال قطعة فنية وجمال مشهد طبيعي على حد سواء.
ولكن ما ينبغي أن تكون على حذر منه هو أن الكلام الجميل لن يكون نافعا حين يتعلق الأمر بمشكلات الفن وأزماته، ذلك الأمر في حاجة إلى أن يُعالجه بلغة واضحة لا يخالطها الغموض.
ومن غير لغة واضحة يضيع الهدف من الكتابة عن الفن، وهو هدف يمزج بين المعرفة وإطلاق مواقع التذوّق التي يقترحها الخيال الفني. يمكن للفنان أن يقول ما يشاء في مجال التعبير عن طريقته في التفكير الفني، غير أنه ملزم في الوقت نفسه بتوضيح ما التبس على مشاهدي أعماله حين يتعلق الأمر بسوء الفهم.
وإذا ما كان الفنان عاجزا عن الوصول السلس إلى حقائق عالمه وهو ما يجب أن نحذر من الوقوع فيه، فإن مهمة الناقد الفني تكمن في الإحاطة بتلك الحقائق وتقديمها بطريقة مريحة بغية تمتين الصلة الضرورية بين المتلقي والعمل الفني.
ما ينتظره القراء من النقد الفني هو أن يكون دليلا يقود إلى مواقع القوة والتأثير في العمل الفني، أن يعينهم على العثور على أسباب شعورهم بالمتعة، ذلك ما تفتقر إليه معظم الكتابات العربية التي تتعلق بالفن التشكيلي اليوم، فنحن لم نعد نقرأ إلاّ أُحجيات ورقى غامضة وألغازا.
وحين تقول لمَن كتبها “لا أفهم شيئا” يدير لك ظهره غاضبا كما لو أنك قد سخرت منه، أعترف أنني لا أفهم ما يكتبه الكثيرون عن الفن. قرأت رسائل ماجستير ودكتوراه في الفن من غير أن تعلق في ذهني فكرة واضحة واحدة، فشعرت أن كتابها يمارسون نوعا من التجهيل أو التضليل من أجل أن يبدو كل شيء معقدا.
ولقد انتهيت إلى خلاصة مفادها “إن كاتبا لا يفهم المادة التي يعالجها لا بد أن يحمي نفسه بالكتابة المعقدة التي هي في حقيقتها لغو فارغ”.
