لغز كوفيد الطويل يحيّر الجميع، لكن لا يجب مواجهته بالهلع

التعب وصعوبة التنفس وفقدان حاسة الشم صارت أعراضا دائمة.
الثلاثاء 2021/10/05
الغموض مازال يحيط بالوباء

أقر علماء وباحثون بأن مرض كوفيد – 19 طويل الأمد لا يزال لغزا عصيا على الحل؛ حيث مازالوا يواجهون صعوبة في تعريفه، فيما يثير استمرار أعراضه -مثل التعب والتنفس وفقدان حاسة الشم- عدة أشهر قلق المرضى.

باريس - تهدد أزمة كوفيد – 19 بإصابة بعض المرضى بما يُسمى “كوفيد الطويل” الذي تبقى أعراضه ظاهرة على مدى عدة أشهر، وبالرغم من أن الأطباء يعرفون المزيد عنه اليوم ما زال الغموض يحيط بطبيعته الحقيقية.

وقالت الطبيبة السويسرية ميسم نعمة خلال مؤتمر نظمه معهد باستور في سويسرا خلال نهاية سبتمبر “يجب إجراء المزيد من الأبحاث على مرض كوفيد طويل الأمد والمرضى المصابين به”.

ومثل عدة باحثين آخرين في جميع أنحاء العالم تعمل الطبيبة على إعطاء تعريف أفضل لمرض كوفيد الطويل الذي يتمثل في استمرار الأعراض لدى مريض أصيب قبل أشهر بالفايروس المسبب لكوفيد – 19.

وإثر بداية الأزمة الصحية في عام 2020 أفاد الكثير من المرضى بأنهم ما زالوا يعانون بعد فترة طويلة من إصابتهم بالمرض من أعراض مثل التعب وصعوبة التنفس وفقدان حاسة الشم.

واليوم ثمة إجماع على وجود هذه الظاهرة؛ إذ يدرك أغلب الباحثين والكثير من السلطات الصحية أن الأعراض طويلة الأمد تستمر لدى بعض المرضى، بمن فيهم أولئك المصابون بكورونا إصابة خفيفة.

وقدرت نعمة، إثر معاينة عدة مئات من المرضى، أن أكثر من ثلثهم يستمرون في المعاناة من عرض واحد على الأقل بعد سبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر من الإصابة.

لكن هذه ليست سوى نقطة انطلاق؛ فمن غير المعروف ما الذي يمكن أن يتسبب في استمرار هذه الأعراض: هل تبقى كمية صغيرة من الفايروس في الجسم؟ هل يستمر الضرر الذي يسببه لبعض أعضاء الجسم، سواء كان الضرر مرتبطًا بالفايروس نفسه أو برد الفعل المناعي؟ هل هناك مكون نفسي بحت؟

أغلب الباحثين يدركون أن الأعراض طويلة الأمد تستمر لدى بعض المرضى، بمن فيهم المصابون بأشكال خفيفة من كوفيد - 19

لكن السؤال عن السبب يؤدي إلى سؤال آخر: هل هناك كوفيد واحد طويل؟ أم أننا نصنف تحت المصطلح نفسه وقائع مختلفة، بين مرضى يعانون أشكالا خفيفة من كورونا وغيرهم ممن أصيبوا بمضاعفات استدعت دخولهم المستشفى أو حتى وضعهم في أقسام العناية المركزة؟

وفي مقال نشر في صحيفة “نيويورك تايمز” كتب طبيب الرئة الأميركي آدم غافني في أغسطس أن “كوفيد الطويل يعني الآن أشياء مختلفة في سياقات مختلفة ولأشخاص مختلفين”.

ولئن كان غافني لا ينكر الحاجة إلى أخذ حالة كل مريض يعاني من أعراض طويلة الأمد على محمل الجد، فقد عبر عن تخوفه من شكل من أشكال الذعر الإعلامي؛ ففي مواجهة تنوع الحالات التي تدخل ضمن تعريف كوفيد الطويل، أعرب عن أنه يشك في وجود مرض مرتبط فقط بالإصابة بفايروس كورونا.

ولكن منذ بضعة أسابيع تذهب الكثير من الدراسات -مثل دراسة نعمة- في اتجاه يتحدث عن وجود خصوصية لكورونا؛ فعلى عكس الدراسات التي أجريت بسرعة في بداية الوباء تقارن الدراسات المتأخرة تواتر الأعراض لدى مرضى لم يصابوا بهذا الفايروس أو أصيبوا بأمراض أخرى.

هذه هي حالة الدراسة التي نشرها فريق بريطاني في نهاية سبتمبر في مجلة “بلوس وان”؛ فاستنادًا إلى بيانات جُمعت من نحو 300 ألف مريض، لاحظ الباحثون أن الأعراض النموذجية لكوفيد الطويل أكثر تواترًا لدى مرضى كورونا السابقين مقارنة بمرضى الأنفلونزا الموسمية.

وذكرت الدراسة أن هذا “يشير إلى أن أصل الأعراض يمكن أن يكون مرتبطًا جزئيًا بالعدوى بفايروس سارس – كوف – 2″، وهو الفايروس المسبب لكوفيد – 19.

ورغم ذلك ما زال من الصعب الخروج باستنتاجات لأن الدراسة وجدت مجموعة متنوعة من الأعراض اعتمادًا على شدة المرض الأصلي وعمر المرضى.

في هذا الصدد يُطرح سؤال واحد حساس بشكل خاص وهو: ما مدى التهديد الذي تمثله إصابة الأطفال بمرض كوفيد الطويل؟

فالإجابة عنه يمكن أن تغير طريقة فهم الحاجة الملحة إلى تطعيم الصغار؛ فهم ليسوا معرضين تقريبًا لأي خطر للإصابة بنوع حاد من كورونا، لكن الشكل الطويل من المرض قد يكون معوِّقًا.

هنا أيضًا يحذر بعض الباحثين من الهلع؛ فقد قدر تحليل نُشر في نهاية سبتمبر في مجلة “أمراض الأطفال المعدية”، استنادًا إلى حوالي خمس عشرة دراسة سابقة، أن هذه الدراسات تعاني غالبًا من التحيز وتضخيم تواتر كوفيد الطويل لدى الأصغر سنًا.

وكتب أحد المؤلفين الرئيسيين، الباحث في طب الأطفال نايجل كورتيس، على تويتر “الخطر الحقيقي ربما يكون أقرب إلى واحد في المئة من واحد في سبعة، وهو رقم يتم الاستشهاد به في الكثير من الأحيان”.

لكنه يذكر أن هذه النسبة، وإن بدت صغيرة، تمثل الكثير من الحالات وتتطلب التفكير في كيفية التعامل معها بطريقة سليمة.

وفي الوقت الذي ما زال فيه الغموض يحيط بمرض كوفيد الطويل يؤكد باحثون على ضرورة التطعيم بنسبة 90 في المئة لمواجهة خطر انتشار المتحورة دلتا.

وتعتقد العديد من السلطات الطبية في الولايات المتحدة أن معدل تطعيم السكان يجب أن يتجاوز نسبة 90 في المئة للوصول إلى المستوى الأمثل من الحماية ضد الوباء.

وذكر مسؤولون لصحيفة “يو أس إيه توداي” في تقرير نُشر الأحد أن بروز السلالة دلتا من فايروس كورونا فاقم الحاجة الملحة إلى تطعيم الناس.

واستنتج توم مكارثي من دائرة رود آيلاند الصحية أن “ما تعلمناه من السلالة دلتا والنظر إلى ما وراء دلتا هو: لمنح السكان حماية حقيقية يجب أن تكون نسبة التطعيم أكثر من 90 في المئة”.

17