لعبة المسميات مستمرة في العراق: الجندر ممنوع ولا شيء اسمه مثلية جنسية

تعمد منظومة الحكم في العراق في كل مرة إلى إثارة قضايا جانبية من أجل إشغال الشارع وحرف أنظاره عن القضايا التي تمس مصالحه بشكل مباشر، وآخر القرارات منع بعض المصطلحات من التداول مثل الجندر والمثلية، بدعوى أنها مصطلحات دخيلة وجب التصدي لها.
بغداد – انشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بالتغييرات التي استحدثتها هيئة الإعلام والاتصالات على بعض المسميات من قبيل استبدال مصطلح “المثلية الجنسية” بـ”الشذوذ الجنسي”، وحظر مصطلحي “النوع الاجتماعي” و”الجندر”.
ويرى نشطاء أن الخطوة تندرج في سياق مسلسل إلهاء الشارع العراقي عن القضايا الحقيقية، كما هو الشأن بالنسبة إلى إثارة قضية الحدود البرية مع الكويت مؤخرا، والمفروض أنها طويت منذ عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
وجاء قرار هيئة الإعلام بعد جدل بدا مفتعلا فجرته تغريدة قديمة لزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم تحدث فيها عن الجندر، أعيد نشرها مؤخرا على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثارت تلك التغريدة غضبا واسعا وفجرت سجالا انخرطت فيه قوى سياسية لدواع خاصة بها.
وقالت الهيئة الثلاثاء إنها أمرت جميع وسائل الإعلام وشركات التواصل الاجتماعي العاملة في الدولة بعدم استخدام مصطلح “المثلية الجنسية” واستخدام المفردة الحقيقية “الشذوذ الجنسي”.
وأضافت الهيئة في بيان أنها قررت “منع استخدام مفردات النوع الاجتماعي والجندر والمثلية في كافة المخاطبات الخاصة بالهيئة لما لهذه المصطلحات من مدلولات سلبية في المجتمع العراقي”.
وقالت في البيان إنه تقرر منع جميع الشركات الحاصلة على ترخيص من الهيئة لخدمات الهاتف المحمول والإنترنت وغيرها من الترويج لهذه المفردات من خلال استخدامها في تطبيقاتها وبرامجها.
وكان ائتلاف دولة القانون الذي يمتلك الأغلبية النيابية ضمن التحالف الشيعي “الإطار التنسيقي” قد أعلن في وقت سابق عن تحرك لتمرير مشروع قانون يجرم المثلية، داعيا إلى ضرورة التصدي لبعض المصطلحات التي تحيل على الشذوذ ومنها “الجندر”.
واعتبرت الهيئة أن قراراتها تهدف إلى “حماية المجتمع وقيمه الأصيلة من المصطلحات الدخيلة التي أصبحت لها مدلولات مخالفة للنظام العام والآداب العامة”.
وأثار قرار هيئة الإعلام والاتصالات تفاعلا كبيرا على منصة “أكس”، حيث اختلف الرواد حول استبدال مصطلح المثلية الجنسية بالشذوذ الجنسي.
وقال أحد المغردين:
deenabuhussain@
كلاهما يحملان المعنى نفسه.
وأضاف آخر:
واعتبر مغرد عراقي آخر:
فيما رأى مغرد:
ورأت إحدى المغردات:
ولا يجرم العراق صراحة المثلية الجنسية ولكنه يستخدم بنودا تتعلق بالأخلاق معرّفة بشكل فضفاض في قانون العقوبات وعدّت استهدافا لأفراد مجتمع الميم.
وكثفت الأحزاب العراقية الرئيسية في العراق انتقاداتها لحقوق مجتمع الميم في الشهرين الماضيين، إذ نظمت الفصائل الشيعية الغاضبة من حرق نسخ من المصحف في السويد والدنمارك احتجاجات شملت إحراق رايات المثليين التي تحمل ألوان قوس قزح.
ويعتقد كثيرون أن تركيز تلك الأحزاب على هذه القضية، هو محاولة من قبلها لحرف الأنظار عن الصراعات الدائرة في ما بينها، والتي اتخذت نسقا تصاعديا مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية.
ويرى محللون أن قرار هيئة الإعلام والاتصالات من شأنه أن يخلق بلبلة في صفوف الإعلاميين والباحثين، معتبرين أن الهيئة لا تملك صلاحية التدخل في هكذا مضامين.
وقال مدير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة مصطفى ناصر إنه ليس من صلاحيات هيئة الإعلام والاتصالات أن تفرض على وسائل الإعلام ما تعتقده، لأن مهمة هيئة الإعلام والاتصالات هي تنظيم البث ومنح ترددات البث الفضائي وليس فرض وصاية على وسائل الإعلام.
وأضاف ناصر في تصريحات صحفية أن القرار يؤكد أن الهيئة مسيسة وليست مستقلة وأن هذا خرق فاضح للدستور الذي ألزم النظام السياسي بحماية استقلالية الهيئات في الدولة العراقية.
واعتبر أن قرار الهيئة هذا يخالف التزامات العراق الدولية بمواضيع حقوق الإنسان ويجعل منه “بلدا ذا نظام فوضوي غير ملتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية”.
وقال مدير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة إن “مما يثير الحرج أيضا أن مصطلح الجندر ليس له أي علاقة بالمثلية أو الترويج للمثلية”.
هيئة الإعلام والاتصالات تمنع استخدام مفردات النوع الاجتماعي والجندر والمثلية في كافة المخاطبات الخاصة بالهيئة
وظهر مصطلح “الجندر” في السبعينات مِن القرن الماضي. و”الجندر” (Gender) كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وتعني في الإطار اللغوي “جنس”، أي الجنس من حيثُ الذكورة والأنوثة، وكانت آن أوكلي هي التي أدخلت المصطلح إلى علم الاجتماع، وتوضح أوكلي أنّ كلمة “سكس” أي “الجنس” تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع “الجندر” إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعيًّا إلى الذكورة والأنوثة.
ويعرف “الجندر” في الموسوعة البريطانية بأنه “شعور الإنسان بنفسه كذَكر أو أنثى.. ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية، إنّ الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة؛ بل تؤثّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وتتغيّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، كلما نما الطفل”.
وقالت الباحثة الاجتماعية العراقية رند الفارس في وقت سابق إن هناك خلطا بين “النوع الاجتماعي” والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، وموضوع مختلف آخر هو “الهوية الجنسية”، والتي تعني “التجربة الشخصية العميقة” للفرد، والتي “قد تتوافق أو لا تتوافق مع جنسه البيولوجي” أو جنسه المحدد عند الولادة.
ووفق الفارس، يثير الخلط سوء فهم يهدد الباحثين والناشطين المطالبين بالمساواة بين الجنسين، الذين يستخدمون مصطلح “الجندر” بتعريفه العلمي لتسليط الضوء على القيود الاجتماعية التي تعيق تنمية الأفراد من النساء والرجال.
وتابعت بالقول إن “مصطلح الجندر، أو النوع الاجتماعي، يستخدم في الدراسات التي تنظر في تأثير الظروف والتقاليد الاجتماعية على الرجال والنساء”.
وأضافت الفارس في تصريحات صحفية “على سبيل المثال، ينظر المجتمع إلى مهن معينة على أنها محصورة بنوع اجتماعي واحد، إما للرجال أو النساء”، وبالتالي سيتعرض الرجل الذي يعمل في مهنة “نسائية” إلى التمييز وأحيانا الاعتداء، وكذلك المرأة.
ورأت الباحثة العراقية أن هذا “يخلق حالة تمييز لا تنحصر فقط في الفرص الاقتصادية، وإنما يمتد التمييز القائم على النوع الاجتماعي إلى مجالات أخرى: قانونية مثل حضانة الأطفال والإعالة، واجتماعية مثل تركيبة الأسرة وديناميكيتها، بل وحتى إدارية، حيث أثبتت البحوث أن النساء والرجال يتلقون معاملة مختلفة عند مراجعة دوائر الدولة”.
وحذرت من أن “شيطنة” مصطلح النوع الاجتماعي أو الجندر بهذه الطريقة قد تؤدي إلى عرقلة التقدم الذي حققه العراق، ولو كان نسبيا، على طريق تحقيق المساواة بين الرجال والنساء.