لعبة أرقام تسمّم أجواء العلاقة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان

تراشق بالاتهامات بين الطرفين بشأن المسؤولية عن تعطيل حصول موظفي الإقليم على رواتبهم.
الخميس 2025/01/16
رواتب لجزء فقط من الشعب العراقي

قضية رواتب موظفي إقليم كردستان العراق الملقية بظلالها على أجواء العلاقة بين حكومة الإقليم والسلطات الاتحادية العراقية ليست مجرّد خلاف مالي، بل لها امتدادات سياسية إذ أنّ أصل المسألة يعود إلى رغبة قوى متنفذة في الدولة العراقية في استخدام الورقة المالية للضغط على الإقليم وقيادته الأمر الذي يجعل رئيس الوزراء العراقي أمام مسؤولية تطويق المشكلة والحدّ من تداعياتها.

بغداد- دفعت قضية رواتب موظفي إقليم كردستان العراق العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية نحو حالة من الفتور الشديد، ووضعت رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني أمام مسؤولية حماية العلاقة مع القوى السياسية القائدة لسلطات الحكم الذاتي في كردستان العراق من تأثيرات القوى الشيعية المتنفذة والتي وقفت أصلا وراء تعقيد القضية من خلال تشدّدها في تحويل المستحقات المالية للإقليم رغبة في الضغط على سلطاته والتضييق على بعض قياداته غير الصديقة لحليفتها إيران.

ويقع استقرار الإقليم وتوفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية الملائمة لسكّانه ضمن مسؤوليات السوداني، ويشكّل الحفاظ على علاقة جيّدة مع  قيادته اختبارا آخر لقدرة رئيس الوزراء على النأي بالبلد، ولو نسبيا، عن تأثيرات السياسات الإيرانية والتي من ضمنها استخدام الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة في الضغط على إقليم كردستان لتحجيم تجربته في الحكم الذاتي والتي ما تزال طهران تنظر إلى أبرز قادتها باعتبارهم أعداء لها وأصدقاء لمنافسيها على النفوذ في العراق وفي مقدّمتهم الولايات المتّحدة وتركيا.

وشهدت الأيام الأخيرة تصاعدا في حدّة التجاذبات بشأن قضية الرواتب بعد أن أصبحت سلطات إقليم كردستان تستشعر وجود خطر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطقها جرّاء إصرار حكومة السوداني على تشدّدها في المسألة المالية.

وأصدرت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كردستان بيانا وصفت فيه نظيرتها الاتحادية بعدم العدالة في معاملة الإقليم وسكانه، واتهمتها بمخالفة قرارات المحكمة الاتحادية بشأن صرف الرواتب.

وتحوّلت لعبة الأرقام إلى جزء من التجاذبات حيث قالت الوزارة في بيانها إنه وبحسب كشف الحساب في البنك المركزي العراقي فرع أربيل لم ترسل وزارة المالية العراقية ما يكفي لتغطية رواتب موظفي إقليم كردستان للأشهر الاثني عشر لسنة 2024 وأنّ النقص في الأموال المرسلة من بغداد يتجاوز ما مقداره ثلاثة وستين مليون دولار.

وتطالب حكومة كردستان العراق السلطات الاتّحادية العراقية بتمكينها من حصة الإقليم من موازنة الدولة العراقية والبالغة نسبة اثني عشر في المئة من الموازنة، بينما تقول حكومة بغداد إن على أربيل أن تحوّل إليها ما مقداره ثلاثة مليارات دولار من الإيرادات غير النفطية التي تحصّلها محليا، فيما هي لم تقم بتحويل سوى قرابة ربع مليار دولار عن السنة المذكورة.

◄ الضغوط المالية المسلّطة على الإقليم تمثّل عاملا منفّرا لقياداته وقواه السياسية ودافعا لها إلى البحث عن حماية دولية مستخدمة شبكة علاقاتها مع العديد من الدول داخل الإقليم وخارجه

وجاء بيان وزارة المالية لإقليم كردستان ردّا على بيان مماثل كانت وزارة المالية الاتحادية العراقية قد أصدرته وأكّدت فيه أنّها استكملت “تمويل رواتب موظفي الإقليم حسب ما جاء بجدول التخصيصات الواردة بقانون الموازنة الاتحادية والمصادق عليها من قبل مجلس الوزراء والذي تم التصويت عليه من قبل مجلس النواب،” وذلك “أسوة بموظفي الحكومة الاتحادية”.

وجاء في بيان المالية الاتحادية أنها “التزمت بإرسال التمويلات إلى حكومة الإقليم ولكافة الفئات من متقاعدين وحماية اجتماعية وموظفين مدنيين وعسكريين على الرغم من عدم التزام الإقليم بإرسال الإيرادات غير النفطية التي أظهرتها موازين المراجعة، خلافا لما جاء بقرار المحكمة الاتحادية الذي ألزم حكومة الإقليم بتسليم الإيرادات غير النفطية”.

واتهمت الوزارة الاتّحادية سلطات الإقليم بعدم “توزيع الرواتب بصورة شهرية بالرغم من استكمال تمويلها،” معتبرة أنّها لا تتحمل مسؤولية عدم صرف تلك الرواتب في مواعيدها المحددة و”تأخر صرفها نتيجة عدم التزام حكومة الإقليم بقرار المحكمة الاتحادية بتوطين رواتب موظفي الإقليم وتوزيعها عليهم”.

ويقصد بالتوطين تحويل رواتب موظفي الإقليم إليهم بشكل مباشر عبر مصارف اتّحادية، رغم وجود عائق فنّي يتمثّل في كون غالبية تلك المصارف لا تمتلك فروعا لها في كردستان العراق، ما دفع بحكومة الإقليم برئاسة مسرور بارزاني إلى تأسيس نظام بديل لصرف الرواتب أطلق عليه اسم “حسابي” لكنّ الشريك الآخر في الحكومة، الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني رفض تطبيق ذلك النظام في مناطق نفوذه بمحافظة السليمانية الأمر الذي أدخل تعقيدا آخر على قضية الرواتب.

ويعتبر الاتّحاد مقرّبا من القوى الشيعية المتحكّمة في زمام الدولة العراقية، الأمر الذي جعله في موقف مرتبك إزاء مسألة الرواتب التي تؤثّر أيضا على مناطق نفوذه وأوضاع سكانها.

ويراوح الاتحاد في مواقفه بين تأييد رواية الحكومة الاتحادية بشأن عدم التزام حكومة بارزاني بتوزيع الرواتب، وبين إعلانه بذل جهود لحلّ القضية.

ومن شأن الإخفاق في حلّ المسألة ومنع تصعيدها أن يحسب كنقيصة في عمل رئيس الوزراء العراقي وقدرته على إدارة الشأن العام في البلاد والحفاظ على وحدته والعناية بشؤون جميع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الجغرافية والدينية والطائفية والقومية.وعلى مستوى سياسي مباشر يحتاج محمّد شياع السوداني إلى القيادات الكردية وما خلفها من أحزاب وقواعد جماهيرية. ويشكّل الحزبان الرئيسيان في كردستان العراق، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني جزءا من تحالف إدارة الدولة الذي ساهم بتشكيل الحكومة ويمثّل مظلة سياسية موسّعة لها إلى جانب مظلّتها المباشرة الإطار التنسيقي المشكّل من أحزاب وفصائل شيعية.

◄ حكومة كردستان العراق تطالب السلطات الاتّحادية بتمكينها من حصة الإقليم من موازنة الدولة العراقية والبالغة نسبة اثني عشر في المئة من الموازنة

وتمثّل الضغوط المالية المسلّطة على إقليم كردستان العراق عاملا منفّرا لقياداته وقواه السياسية ودافعا لها إلى البحث عن حماية دولية مستخدمة شبكة علاقاتها مع العديد من الدول داخل الإقليم وخارجه.

وأثار مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان أثناء لقاء جمعه الأربعاء بوفد أميركي برئاسة فيكتوريا تايلر نائب مساعد وزير الخارجية قضية الحقوق المالية للإقليم بما فيها مخصصات الرواتب، حيث جدّد بارزاني التأكيد على أنّ حكومته أوفت بجميع التزاماتها في إطار الموازنة العامة للعراق وأنّ على بغداد أن ترسل مستحقات الإقليم ككيان اتحادي ودستوري.

ولا يخدم “تدويل” قضية محلية تقنية بالأساس مثل قضية الرواتب صورة السوداني الراغب في ممارسة دور رجل الدولة البراغماتي غير الطائفي وغير الخاضع لسياسة المحاور.

3