لصوص يخدمون المعرفة وناشرون يلجأون إلى الفتاوى الدينية

انتشرت أخيرا ظاهرة قرصنة الكتب التي وإن كانت تمثل ما يشبه الكابوس للناشرين الذين عجزوا عن إيقافها، فإنها تعرف ترحيبا ولو خفيا من الكتاب الطامحين إلى مردود معنوي يتمثل في قراءة مؤلفاتهم، إذ لا ينالون حقوقهم من الناشرين. تباينت الآراء، ولكن قد يتفق الطرفان على ضرورة وجود حلول وسطى تزيد المقروئية وتدخل عالم التكنولوجيا دون ضرر بأي طرف.
"أرحب بكم لتحميل كتبي مجانا فإن أعجبتكم يمكنكم شراء النسخة الورقية منها، وهكذا سنخبر دور النشر أن الجشع لن ينفعها". هكذا خاطب البرازيلي باولو كويلو قراصنة الكتب الذين أتاحوا أعماله للتحميل المجاني عبر تحويلها إلى صيغ تصلح للقراءة الإلكترونية، ولدى كويلو قناعة بأن النشر المجاني لأعماله عبر الإنترنت زاد من توزيع نسخها الورقية بنسبة تصل إلى 20 بالمئة بحسب تقديره، وهو يرى في قراصنة الكتب لصوصا من نوع خاص لا يضرون أحدا، بل يقدمون فوائد جمة للكاتب والناشر والقراء، فإذا كان الناشر سيكسب من زيادة المبيعات الورقية، فإن ربح الكاتب يتمثل في إتاحة أعماله لأكبر عدد ممكن من القراء، وهم بدورهم يستفيدون من المتاح مجانا، فإن أعجبه الكتاب واشتراه ورقيا لن يندم على ثمنه.
سلاح التحريم
زادت ظاهرة قرصنة الكتب وإتاحتها إلكترونيا بالمجان، وقد فشل الناشرون في مواجهتها فلجأوا إلى سلاح الدين لتحريمها، وهكذا نشرت دار الإفتاء المصرية على موقعها فتوى بتحريم نشر الكتب على المواقع الإلكترونية مجانا، من دون موافقة من صاحب الكتاب ودار النشر الصادر عنها، وكثرت فتاوى مشابهة من جهات دينية في دول مختلفة، وتباينت الفتاوى بين كلمة “يجوز” وكلمة “حرام” لكن
الأغلبية منها اتخذت موقفا وسطا مثل الرأي المنشور بموقع إسلام ويب بأن “الذي يرى أن الإنسان إذا نسخها لنفسه فقط، فلا بأس، وأما إذا نسخها للتجارة، فهذا لا يجوز؛ لأن فيه ضررًا على الآخرين”. والعجيب في الأمر أن ممارسي القرصنة الإلكترونية يفتتحون مواقعهم بطلب الدعاء من المستفيدين، ويؤكدون أنهم يبتغون بعملهم هذا مرضاة الله.
ما يدفع القراء إلى شراء الكتب المزورة أو انتظار نشرها مجانا من خلال مواقع الإنترنت هو ارتفاع سعر الكتب الأصلية
ووصف سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين القرصنة الإلكترونية للكتب بأنها “سرقة للمؤلف والناشر”، ومع تأكيده على أن الكتاب الورقي لا يزال هو الأكثر رواجًا، بدليل الإقبال الكبير من القراء على معارض الكتب، وقال “في ظل عدم وجود قوانين تحرم ذلك فلم يعد أمام الناشرين إلا تكرار مخاطبة غوغل لمنع ظهور المواقع المقرصنة على محركها مع أنها سابقا لم تستجب لنا، وذلك بمناشدة ضمير القارئ حتى لا يستخدم سلعة لم يدفع ثمنها، ويرى أن انتهاك الحقوق الفكرية والأدبية هي ثقافة، فالقارئ العربي لديه فكرة أن الناشر يسرق المؤلف وبالتالي تصح سرقته”.
أما الدكتور خالد عزب فيرى أن انتشار هذه الظاهرة يكشف للناشر العربي عن متطلبات الباحثين، مما اضطرهم إلى تشكيل مجموعات عبر الفيسبوك لتبادل رسائل جامعيّة حول موضوعات يصعب العثور على مصادر عنها بالطرق التقليدية، كذلك تقوم بإتاحة الكتب بصيغ رقمية، وبصورة مجانيّة، وهو ما يراه الناشر الأصلي إهداراً لحقوقه، ويرى الحل في ضرورة وجود قنوات للتوزيع الرقمي المنخفض التكلفة، إضافة إلى ضرورة صدور قوانين في الدول العربية للتعامل مع تلك الظاهرة، بحيث تقوم وزارات الاتصالات بحجب المواقع التي لا تحترم حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر.
الوصول إلى القارئ
تباينت مواقف الكُتّاب من ظاهرة القرصنة، فالقاص المصري شريف صالح لا ينكر التأثير السلبي لنشر الكتب مجانا عبر الإنترنت، لكنه يضيف “قبل أن نلوم من يفعل ذلك فعلى الناشر أن يسأل نفسه هل هو أساسا يحاسب الكاتب بما يرضي الله وفق العقد؟” وعن سبب رواج الظاهرة يضيف “ما يدفع القراء إلى شراء الكتب المزورة أو انتظار نشرها مجانا من خلال مواقع الإنترنت هو ارتفاع سعر الكتب الأصلية، ودور النشر تستطيع وقف سوق التزوير من خلال تقديم طبعات متفاوتة الجودة وبالتالي متفاوتة السعر”.
ويقول الروائي السوداني أمير تاج السر”الكاتب في الوطن العربي لا يتضرر من نشر كتبه عبر منصات النشر الإلكتروني لأنه في الأصل لا يتلقى حقوقا من الناشر عن كتابه، وإن انتشر الكتاب إلكترونيا، فإنه يزيد من عدد القراء حين يتم إنزاله مجانا، وتتم قراءته بلا تكلفة من أي نوع. ويمثل ذلك ربحا معنويا للكاتب. وأنا لا أؤيد قرصنة الكتب بلا وجه حق، ونشرها كأنها عمل مشروع، وفي نفس الوقت أتمنى لو خفضت دور النشر من أسعار الكتب نسبيا، أو أصدرت طبعات شعبية رخيصة”.
تشكل الكتب المصورة والمنشورة إلكترونيا فتحا علميا وتكنولوجيا لم يكن متاحا من قبل، لهذا السبب يتم الإقبال عليها
أما الباحث المغربي عبدالغني عمراني، وهو حاصل على الماجستير في الأدب العربي، وله نشاط في إتاحة الكتب المتخصصة مجانا عبر العديد من الغروبات على الفيسبوك، فيلفت إلى أن أغلب من يشاركونه هذا النشاط يقصدون تيسير الحصول على المعرفة للباحثين والمثقفين، وهم يتطوعون بجهدهم الخيري وغرضهم فقط المساهمة في نشر المعرفة، بإرشاد الناس إلى روابط كتب موجودة فعلا.
ويقول عمراني “أما أصحاب مواقع تصوير الكتب ورفعها، فربما يعززون مكانة مواقعهم لأهداف ما. وأغلب الظن أنهم يجنون الأموال تبعا لكثرة المستعملين، فهذه المثابرة على تصوير الكتب وفق أحدث التقنيات وإدارة الموقع تحتاج أطرا وعاملين ورواتب تدفع. وربما يعوضون هذه التكلفة عن طريق الحصول على نسبة من الإعلانات التي تنشرها غوغل على مواقعهم، وعموما تشكل الكتب المصورة والمنشورة إلكترونيا فتحا علميا وتكنولوجيا لم يكن متاحا من قبل، لهذا السبب يتم الإقبال عليها، وكذلك لأنها توفر سيلا معرفيا كبيرا غير معهود قبلا، بالإضافة إلى سهولة الولوج إليها دون الحاجة إلى الذهاب للمكتبة للقراءة، لأنه لا يمكن للأشخاص كلهم أن يتوفروا على مكتبات ضخمة في منازلهم، إلى جانب العامل الاقتصادي لأنها تتوفر مجانيا على النت، فاقتناء كتاب ذي جودة أصبح مكلفا اقتصاديا، كما أن توفرها على جهاز الحاسوب يوفر حيزا في المكان والجهد”.
ويضيف عبدالغني عمراني “لكن في المقابل تطرح قضية حقوق المؤلف والنشر والطباعة، لأننا لا نملك في العالم العربي قوانين مهيكلة للنشر الإلكتروني، وأنا أرى أن هذا لا يضر كثيرا لأنه مازال للكتاب الورقي زبائنه، وهذا ما يلاحظ في معارض الكتاب”.