لجان المقاومة" السودانية في خط المواجهة الأول مع الإسلاميين

الخرطوم – يحاول إسلاميو السودان تحت يافطات مختلفة، ضرب السلطة الانتقالية في السودان ومحاولة زعزعة الثقة الهشة بين شقيها المدني والعسكري، فيما تبدو الأخيرة مرتبكة إزاء كيفية التعاطي معهم، في المقابل يحاول الظهير الشعبي للسلطة ممثلا في “لجان المقاومة” التحرك وصد هؤلاء.
وتقول أوساط سياسية سودانية إن سياسة السلطة المرتعشة أعادت للإسلاميين الذين شكلوا العمود الفقري لحكم الرئيس المعزول عمر البشير الثقة في أنفسهم، ولوحظ تطور على مستوى تكتيكاتهم سواء في التواصل مع الشارع السوداني أو في استغلال وجود موالين لهم في مراكز الدولة.
وتظاهر المئات من المحسوبين على نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، في الخرطوم الخميس، مستخدمين شعار الحراك الشعبي الموحد (حشد) كغطاء بديل عن مسيرات الزحف الأخضر التي فشلت في حشد دعم الشارع.
وركز هجوم الإسلاميين في مظاهرات الخميس على حكومة عبدالله حمدوك، متجنبين توجيه أي انتقاد للمؤسسة العسكرية فيما سياق سيناريو مخطط لبث الفتنة بين الطرفين.
وفي مقابل حالة السلبية التي طبعت سلوك الحكومة تحاول لجان المقاومة التدارك، من خلال حشد الشارع مجددا للتصدي لمخططات الإسلاميين.
وكان خرج الثلاثاء المئات من أعضاء لجان المقاومة للتظاهر بالقرب من مقر منظمة أسر الشهداء في الخرطوم، وطالبوا السلطة الانتقالية بتسريع إجراءات محاسبة رموز النظام السابق وتفعيل لجنة إزالة التمكين.
وتصر لجان المقاومة على ضبط حركة الشارع السياسية خوفا من انفجاره، وتوصيل رسالة تؤكد على إدراكها أن هناك نيرانا خامدة تحت الرماد، نتيجة تلكؤ السلطة الانتقالية في التعامل مع القضايا المرتبطة بالثورة، والتي قد تكون لها انعكاسات سلبية في المستقبل القريب.
وتلعب اللجان منذ الإطاحة بالبشير أدوارا سياسية واجتماعية فاعلة، وتحاول تذويب الهوة مع الحكومة الانتقالية بشأن التباين في وجهات النظر حيال التعامل مع بعض القضايا، كي تظل ظهيرا شعبيا مهمّا لها، ورافعة تمكنها من صد أي حراك مضاد في الشارع.
ولجان المقاومة هي تنظيمات شعبية في المدن والقرى السودانية لتعبئة الناس وتنظيم صفوفهم، وتأسست بشكل غير مركزي قبيل عزل البشير، وكل لجنة تتخذ القرارات في المنطقة المعنية.
لجان المقاومة نجحت في كشف الكثير من قضايا الفساد وداهمت العديد من الاجتماعات التي عقدتها القوى المضادة
واستطاعت أن تكون بمثابة حائط صد أمام محاولات فلول البشير الانقضاض على السلطة الجديدة، بعد أن أجهض الجيش السوداني العديد من المؤامرات للانقلاب عليها، ولعبت دورا أساسيا في توعية المواطنين بمخاطر الإصغاء للمحاولات الفتنوية المستمرة، التي تستغل تدهور الوضع الاقتصادي الذي يعود جذوره لنظام البشير.
وقال عضو لجان المقاومة في منطقة الجريف شرق الخرطوم، شكرالله عبدالله، إن دورهم منذ الإطاحة بنظام البشير يهدف إلى إعادة بناء الوطن عبر ما يسمى بـ”لجان الخدمات والتغيير” التي تقوم بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في كل حي، من مياه وكهرباء، ومساعدتهم في الحصول على الغذاء، وتوعيتهم بالتغيير الحاصل في السودان.
وأضاف لـ”العرب”، أن اللجان تحاول خلع ثياب الخوف عن المواطنين ليكونوا أكثر قدرة على التعبير عن آرائهم ومنع استغلالهم، والتأسيس لوضع ديمقراطي يمارسون فيه السياسة بحرية، وتهيئة البيئة المواتية لصد المحاولات الرامية لعودة رموز النظام السابق.
ويعمل شكرالله موظفا حكوميا، ويتفرغ عقب انتهاء عمله للمرور على المساكن داخل الحي الذي يقبع به للتوعية بقضايا سياسية واجتماعية محل اهتمام المواطنين، وتوفير المساعدات الاقتصادية وتسهيل الحصول على الخبز والوقود.
وتعمل لجان المقاومة، وغالبية عناصرها من الشباب، وفق ميثاق ينظم عملها، ومن شروط الانتساب أن يتمتع الشخص بسيرة ذاتية طيبة، ولم يرتبط سياسيا بالنظام السابق، وليس متهما في جريمة تمس الشرف والأمانة، ما يجعلها تحظى بشعبية واسعة.
وتنشط اللجان في متابعة المخابز ومحطات الوقود وأماكن توزيع الدعم لتسهيل وصول المواد الأساسية إلى المواطنين، وسد ثغرات الفساد والتلاعب بالمستلزمات الأساسية، وتمكنت مرات عدة من ضبط عمليات تهريب سلع عبر أشخاص محسوبين على نظام البشير.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي)، سليمان سري، إن صنع القرار داخل هذه اللجان يكون من القاعدة إلى الرأس، وقد تجاوزت الحزبية وأضحت معبرة عن الألوان السياسية داخل الأحياء المختلفة، وهي أقرب إلى تجمع المهنيين الذي يضم أحزابا مختلفة ولعب دورا حيويا داخل قوى الحرية والتغيير، غير أن اللجان تنشط على المستوى الاجتماعي بشكل كبير.
وأشار إلى أن لجان المقاومة نجحت في كشف الكثير من قضايا الفساد وداهمت العديد من الاجتماعات التي عقدتها قوى الثورة المضادة للتآمر على الحكومة الانتقالية، واستفادت، بقصد أو دون قصد، من عدم قيام الأجهزة الأمنية بأدوارها نتيجة بقاء بعضها تحت هيمنة عناصر النظام السابق، وبالتالي حظيت المهام التي تقوم بها بدعم شعبي واسع.
وتبدو لجان المقاومة المقابل العملي للجان الشعبية التابعة للنظام السابق التي تراجع دورها بعد سقوطه، وحلت محلها منظمات المجتمع المدني وحصلت على تمويلات قطرية لتقوم بأدوارها الخدمية، في وقت ضيقت فيه الحكومة الخناق على تلك التمويلات وأغلقت بعضها.
ونظمت اللجان في فبراير الماضي مظاهرات حاشدة طالبت الحكومة باستكمال هياكل السلطة الانتقالية وتعيين الولاة المدنيين، وانتقدت اهتمام الأحزاب المدنية بالمحاصصة واعتبرت أنها شغلتها عن أولويات المرحلة بما أدى لتراجع ملف السلام.
ويرى متابعون أن ممارسات بعض القوى المدنية وسعت الهوة بينها وبين قوى الحرية والتغيير، وقد يشكل ذلك مشكلة تضاف إلى أزمات المرحلة الانتقالية، لكنها يمكن أن تمثل نقطة بداية لتحول اللجان إلى كيان جديد يظهر دوره في الانتخابات المقبلة.
ولفت سليمان سري إلى أن غياب التعامل الثوري مع رموز النظام السابق يفرض على لجان المقاومة القيام بأدوار سياسية مهمة، لأن شعبيتها وسط المواطنين في تزايد، وقد تجعلها هشاشة الوضع الراهن مهيأة لقيادة موجة ثورية تصحيحية.
وطالب المحلل السياسي الفاتح وديدي بضرورة وضعها في إطار تنظيمي، سواء كان ذلك تحت إطار قوى الحرية والتغيير، أو تجمع المدنيين، بما يحصّنها من الاختراق، بجانب تنظيم كوادرها وتدريبهم بما يمنع حماسهم الزائد من ارتكاب أخطاء تؤثر على صورتهم الشعبية.
وأضاف أن الاحتياطات الصحية حرمت لجان المقاومة من التعبير عن قوتها الحقيقية في الشارع، إذ كان من المقرر تنظيمها مواكب مليونية جرى تأجيلها لحين استقرار الأوضاع، لكن في كل الحالات سوف تلعب دورا فاعلا في تصحيح أوضاع المرحلة الانتقالية، وصوتها سوف يكون مرتفعا في مرحلة ما بعد انصراف وباء كورونا.