لبنان ينفتح على شغور جديد والمزيد من الضبابية

سيتعين على قادة مصرف لبنان الجدد التعامل مع فجوة في النظام المالي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار ودعم سياسي غير مؤكد في دولة منقسمة للغاية وغضب شعبي جامح من تبدد الثروة الوطنية والخاصة.
الجمعة 2023/07/28
فوضى مالية واجتماعية جديدة تطرق بقوة أبواب لبنان

بيروت - ينفتح لبنان خلال أيام قليلة على شغور جديد في منصب حاكمية مصرف لبنان حيث يستعد حاكم مصرف المركزي رياض سلامة لمغادرة منصبه في ظرف سياسي واجتماعي مشحون على خلفية أزمة هي الأسوأ في تاريخ البلد المحكوم بالمحاصصة الطائفية والذي يعاني من استفحال الفساد وظاهرة الإفلات من المحاسبة والتدخلات السياسية.

ويعاني لبنان منذ ما يقل قليلا عن عام من شغور في منصب الرئاسة وسط انقاسامات وخلافات حالت دون إنهاء هذه الأزمة. ويتلوى عادة رئيس البلاد تعيين حاكم المصرف المركزي ولا تملك حكومة تصريف الأعمال بقيادة نجيب ميقاتي صلاحيات دستورية تخول لها تعيين من سيخلف سلامة وأي تحرك فيها الاتجاه تنظر له قوى مسيحية على أنه محاولة للاستيلاء على صلاحيات الرئيس.

ويغادر سلامة الملاحق محليا ودوليا في قضايا فساد مالي تشمل غسيل أموال ونهب المال العام، وهي تهم ينفيها، منصبه فيما تخيم حالة من الضبابية على الوضع العام في لبنان والوضع المالي بشكل خاص.

واعتبارا من الاثنين المقبل سيكون المصرف المركزي بلا قيادة عندما يتنحى الحاكم رياض سلامة بدون تعيين خليفة له، مما ينذر بخلل وظيفي جديد في دولة تعاني بالفعل من شلل سياسي وانهيار مالي منذ سنوات.

ويترك سلامه منصبه بعدما قضى فيه 30 عاما وشُوّهت سمعته بفعل عوامل الانهيار المالي الكارثي الذي بدأ في عام 2019 وتوجيه اتهامات له بالفساد في فرنسا وألمانيا ولبنان، رغم نفيه ارتكاب أي مخالفات.

وتعكس أزمة القيادة الانقسامات بين النخبة الحاكمة التي لم تتمكن من الاتفاق على رئيس أو حكومة كاملة الصلاحيات منذ أكثر من عام، مما جعل الأزمة المالية تتفاقم بدون جهود تُذكر لمعالجتها منذ عام 2019.

وكان من المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء أمس الخميس لاختيار خليفة لسلامة، لكن الاجتماع أُلغي بعد خلافات سياسية وليس في الأفق ما يشير إلى حل على المدى الطويل.

وبموجب القانون اللبناني، يفترض أن يحل أقدم نواب سلامة وهو وسيم منصوري، محله مؤقتا، لكنه والنواب الثلاثة الآخرين لن يقبلوا إلا على مضض وسيضغطون من أجل الحصول على ضمانات سياسية.

ويعارض الثنائي الشيعي: حزب الله وحركة أمل تولي منصوري (شيعي) ولو مؤقتا قيادة المصرف المركزي بسبب مخاوف من أن يقع تحميلهما المسؤولية عن تفاقم حالة الاضطراب المالي وأيضا لتفادي أي حساسيات مع أي من أطراف المكون المسيحي، قد تثار إذا تولى منصوري منصب الحاكمية.

ويعمل حزب الله وحركة أمل على استقطاب الدعم المسيحي لمرشحهما للرئاسة زعيم تيار المردة سليمان فرنجية ويحاولان قدر الممكن عدم الدخول في سجالات ومماحكات مع القوى المسيحية المعارضة التي يقودها حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع.

وسيتعين على قادة مصرف لبنان الجدد التعامل مع فجوة في النظام المالي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار ودعم سياسي غير مؤكد في دولة منقسمة للغاية وغضب شعبي جامح من تبدد الثروة الوطنية والخاصة.

وبالنسبة للبنان، يعني هذا أن منصبا رئيسيا آخر سيبقى شاغرا بشكل رسمي ورهينة انهيار نظام سياسي قائم على أساس تقاسم السلطة بين الطوائف والذي أدى بالفعل إلى تفشي الفوضى في معظم وظائف الدولة.

وحاول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع بعد شهور لم يتم فيها إحراز أي تقدم بشأن العثور على خليفة لسلامة.

لكن جماعة حزب الله الشيعية المسلحة وحليفها المسيحي حزب التيار الوطني الحر، وكلاهما جزء من الحكومة الائتلافية الحاكمة، يرفضان هذه الخطوات ويقولان إن حكومة تصريف الأعمال لا تملك السلطة لاتخاذ قرار التعيين.

وألغي اجتماع مجلس الوزراء أمس الخميس بشكل مفاجئ بسبب عدم حضور الوزراء المرتبطين بهذين الحزبين.

ومنصب حاكم المصرف المركزي، مثل منصب الرئاسة الشاغر، يشغله مسيحي من الطائفة المارونية. واتهم التيار الوطني الحر ميقاتي بمحاولة الاستحواذ على صلاحيات للرئيس عن طريق محاولة تعيين حاكم للمصرف من قبل مجلس الوزراء بينما تعود هذه الصلاحية إلى رئيس الجمهورية.

وهدد منصوري ونواب حاكم المصرف الثلاثة الآخرون الشهر الماضي بالاستقالة إذا أجبروا على تولي المنصب. ويريدون صلاحيات لإقراض المزيد من الأموال للحكومة إذا لزم الأمر والإلغاء التدريجي لمنصة صرف معقدة لليرة التي تراجعت قيمتها كثيرا.

والتقى ميقاتي بنواب حاكم المصرف أمس الخميس وقال مكتبه إنه يعتبر مطالبهم مشروعة وإن مقترحاتهم تتفق مع خطة الحكومة، في محاولة على ما يبدو للحفاظ عليهم.

لكن ليس من الواضح ما إذا كان بوسع ميقاتي تنفيذ هذه التغييرات في ظل المأزق السياسي في لبنان. وأحجم منصوري عن التعقيب لكن نائبا آخر هو سليم شاهين قال إنه يتوقع أن يتولى منصوري إدارة البنك المركزي ابتداء من الأسبوع المقبل.

وقال لرويترز إن نواب حاكم المصرف يمنحون النخبة السياسية ستة أشهر لإجراء إصلاحات بناءة، لكنه لم يفصح عما إذا كانوا سيهددون مجددا بالاستقالة إذا لم يتم إجراء تغييرات، مضيفا "شرطنا أن تكملوا الإصلاحات المطلوبة، بدءا بقانون ضوابط رأس المال".

وقال مايك عازار الخبير في الشؤون المالية في لبنان، إن نواب الحاكم في مأزق، مضيفا "السؤال هو هل سيفعلون الشيء الصحيح ويتصرفون باستقلالية كما يسمح لهم القانون، حتى في مواجهة ما سيكون بالتأكيد ضغوطا سياسية شديدة".