لبنان يلاحق المتورطين في تبييض الأموال

قاضي التحقيق يستجوب 18 صرافا غير شرعيين من بينهم موظف في مجلس النواب بتهمة مخالفة قانون الصرافة والمضاربة على العملة الوطنية، والعمل من دون ترخيص قانوني.
الأربعاء 2023/02/22
المضاربة بالعملة المحلية أدت إلى تدهورها

بيروت – تسعى السلطات اللبنانية إلى ملاحقة المتورطين في قضايا الفساد وتبييض الأموال في ظل تنامي هذه الظاهرة في البلاد، خصوصا من طرف المضاربين بالعملة المحلية ما أدى إلى تدهورها سريعا، عبر المشاركة في ألعاب القمار والمراهنات الرياضية غير القانونية التي جنوا منها أرباحا خيالية.

واستجوب قاض لبناني 18 من الصرافين غير الشرعيين من الموقوفين على ذمة التحقيق ومدعى عليهم بجرائم "تبييض الأموال" ومخالفة قانون الصرافة والإساءة إلى مكانة الدولة المالية والمضاربة على العملة الوطنية، والعمل من دون ترخيص قانوني.

وذكرت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية على موقعها الإلكتروني اليوم الأربعاء أنّ من بين الموقوفين موظف برتبة رئيس دائرة في مجلس النواب، مشيرة إلى أن قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبوسمرا أجرى الاستجواب الثلاثاء .

وقالت مصادر قضائية مطلعة لـ"الجمهورية" إن التحقيقات انتهت إلى صدور قرار بتوقيف اثنين منهم وجاهيا، وثلاثة غيابياً.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ إخلاءات السبيل التي أحيلت إلى النيابة العامة الاستئنافية للبَت بها قد تمّت بسندات إقامة ولقاء كفالات مالية كبيرة بلغت حدود الـ600 و800 مليون ليرة لبنانية.

وجاء تحرك القضاء بعد إصدار المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، في 30 يناير الماضي، قرارا بملاحقة الصرافين غير الشرعيين والتحقيق معهم، إثر مشاهدته لإحدى البرامج التلفزيونية التي عرضت أسماء "بعض الصرافين غير الشرعيين المضاربين على الليرة اللبنانية".

فجهز القاضي علي ابراهيم النائب العام المالي، لائحة تضم أسماء الصرافين غير الشرعيين، وعممها على الأجهزة الأمنية لمداهمتهم، غير أنها تسربت إلى معظمهم، فهرّبوا أموالهم وسلّموا أنفسهم للأجهزة الأمنية.

وبعد انتهاء التحقيقات الأولية مع حوالي 40 صرافا، تم إخلاء سبيل بعضهم بكفالة 50 مليون ليرة لبنانية، فيما أدعي على 22 صرافا بتهمة تصريف الأموال بطريقة غير شرعية، وتمت إحالة ملف 18 صرافا إلى قاضي التحقيق.

ويرى لبنانيون أن ملف الصرافين غير الشرعيين لن يقفل بعد هذه الاستجوابات، مرجّحين أنه سيتحول إلى كرة ثلج ستستمر في الدحرجة وتنذر بتوقيفات جديدة، من شأنها أن تسهم في ضبط تفلّت سعر الدولار الذي يواصل ارتفاعه الصاروخي.

وظاهرة تبييض الأموال تنامت في لبنان بسبب غياب معايير الامتثال والتدقيق من قبل أجهزة المصارف لمعرفة مصادر تلك الأموال، وذلك إثر تراجع المعاملات المصرفية والتحول باتجاه التعاملات النقدية الورقية، وهي واحدة من تداعيات الأزمة المالية التي تضرب بيروت منذ 2019.

وفي ظل عملية تجفيف السوق من الكتلة النقدية، بات المودع غير قادر على الحصول على أمواله بالليرة اللبنانية أسوة بما جرى بالدولار.

ويعاني الاقتصاد اللبناني من الشح في السيولة النقدية بالعملات الأجنبية والمحلية، ويرجع خبراء اقتصاد لبنانيون ذلك إلى إحجام المستثمرين عن الاستثمار في لبنان، وضعف تصدير المنتجات، وإلى سياسة مصرف لبنان المركزي التي اتجهت إلى تقليص التضخم من الأسواق، عبر سحب الكتلة النقدية الحارة التي يتداولها الصرافون، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار.

وخلال أسبوعين فقط، تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق السوداء من 60 ألفا مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ألفا.

و تراوح سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء اليوم الأربعاء بين 81500 ليرة و82000 ليرة، وهي نفس أسعار الثلاثاء، حسب منصة "ليراتات".

والأسبوع الماضي حطم العشرات من المحتجين واجهات مصارف وأحرقوا إطارات. كما قطعوا بعض الطرق اعتراضا على القيود غير الرسمية المفروضة على عمليات السحب والقائمة منذ سنوات، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الآخذة في التدهور بسرعة.

وتفرض المصارف اللبنانية منذ بدء الانهيار الاقتصادي في خريف 2019 قيودا مشددة على سحب الودائع تزايدت شيئا فشيئا، حتى بات من شبه المستحيل على المودعين التصرّف بأموالهم، خصوصا تلك المودعة بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج.

ومنذ بدء الأزمة، شهدت المصارف إشكالات متكررة بين مواطنين غاضبين وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم، كما تعرضت لعدة عمليات اقتحام من مودعين يطالبون بأموالهم.

ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءا، في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة.