لبنان يكافح لفك عقدة الودائع العالقة في البنوك

كشف صناع القرار النقدي في لبنان أنهم بصدد طرح طريقة جديدة لتقسيم أموال المودعين العالقة منذ تفجر الأزمة المالية في ظل الضغوط المسلطة لحل هذه المشكلة التي أعاقت السحب من البنوك، وقوضت حياة الناس، وجعلتهم في دوامة معيشية قاسية.
واشنطن - قال القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين المنعقدة حاليا في واشنطن إن "المطلوبات من البنوك التجارية في البلاد سجلت نحو 88 مليار دولار".
ومن باب المقارنة، فإن المطلوبات من البنوك كانت في نهاية العام 2022، حوالي 130.4 مليار دولار على أساس سعر صرف 1507 ليرة للدولار، وفقا لجمعية المصارف اللبنانية.
ويئن البلد منذ منتصف شهر أكتوبر 2019 تحت وطأة أزمة مالية خانقة بسبب سوء إدارة دواليب الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، والمحاصصة الحزبية وفساد الطبقة السياسية، التي ضيعت فرص النهوض بلبنان.
ومنذ ذلك الحين خسرت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها، في حيت منعت البنوك بعض المودعين من سحب مدخراتهم، حيث يقتصر المبلغ المسموح بسحبه بالعملة الأجنبية حاليا في المتوسط على 300 دولار شهريا.
وجراء الانهيار الاقتصادي، الذي اعتبره البنك الدولي بأنه من بين الأعنف في العالم منذ قرن ونصف القرن، فقد تراجع سعر صرف العملة المحلية بقوة، ليصل سعر الدولار إلى حوالي 100 ألف ليرة في السوق الموازية بعدما كان 1500 ليرة قبل أربع سنوات.
ويبدو البلد الآن في وضع أسوأ مع احتمال تضرر سياحته، التي تشكل أحد مصادر الدخل التي ظلت تعمل دون تأثيرات بعد الوباء مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط بعد الهجوم النادر لإيران على إسرائيل والذي انجر عنه تحذير العديد من الدول زيارة لبنان.
وقال منصوري في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الشرق مساء الأربعاء الماضي إن "مصرف لبنان يحضر لطرح أفكار جديدة تتعلق بطريقة تقسيم أموال المودعين".
وكشف أنه كلف مديرية الإحصاء في البنك المركزي لدراسة هذه الودائع وتقسيمها بشكل أفضل يتناسب مع كل فئة من الفئات.
ولم يتطرق منصوري إلى تفاصيل الفئات، لكنه أشار إلى أن إحداها سيُعامل أصحابها بصفتهم مستثمرين بدلا من كونهم مودعين، وبالتالي ستتم “إعادة أموالهم على أساس طرق مالية يفهمونها ويقبلون بها”.
وفي مطلع هذا الشهر اتهمت جمعية المصارف، الحكومة بتبديد أكثر من 121 مليار دولار من أصل قرابة 124 مليار دولار كانت في شكل ودائع بالبنوك قبل تفجر الأزمة الاقتصادية في أواخر العام 2019 بسبب فساد الطبقة السياسية.
وشكلت هذه الاتهامات، التي وجهها الأمين العام للجمعية فادي خلف للسلطات أحدث جولة في المعركة الطويلة بين القطاع المصرفي والدولة، في الوقت الذي يعاني فيه اللبنانيون من قيود على سحب أموالهم من البنوك جراء الأزمة المالية الحادة.
ورفع مودعون دعاوى قضائية أمام المحاكم المحلية وفي الخارج متهمين البنوك بالإهمال والاحتيال وسط مخاوف من تبدد مدخراتهم، لكن أغلب البنوك نفت ارتكاب أي مخالفات وأكدت مرارا أن الودائع في أمان.
وتتبادل البنوك والحكومة الاتهامات حول تبديد الاحتياطات النقدية لدى المركزي وأموال المودعين وسط خلافات مستمرة حول كيفية مقاربة حجم الخسائر وتوزيعها، والذي لا يزال تحت المناقشات العقيمة رغم ضغوط صندوق النقد الدولي.
◙ 121 مليار دولار من أصل 124 مليار دولار بددتها البنوك منذ بداية الأزمة أواخر 2019
وتملك البنوك العاملة بالسوق المحلية أكثر من 70 في المئة من مجموع ودائع البنوك لدى البنك المركزي. وأدى فشل النظام المصرفي وانهيار العملة إلى تنامي دولرة الاقتصاد النقدي والذي يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي.
وفي خضم الأزمة، لجأ المركزي إلى إصدار تعميمين للسحب من الودائع العالقة، الأول يسمح بسحب ما بين 300 إلى 400 دولار، والثاني يسمح بسحب 150 دولاراً فقط.
ومع ذلك، شدد منصوري على أن الظروف الاقتصادية الحالية وخاصة في ظل تبادل القصف بين حزب الله وإسرائيل في جنوب البلاد وتأثيراته على الاقتصاد، لا تسمح بتوسيع إطار المستفيدين أو القيمة، ولكنها "مرشحة للتغيير حسب تطور الأمور".
ورأى أن الخروج من أزمة الودائع يتطلب أربعة عوامل رئيسية، الأول يتمثل في المحاسبة عبر “القضاء اللبناني فقط”، والثاني يتمثل في وضع خطة واضحة لإعادة أموال المودعين.
أما العنصر الثالث، بحسب القائم بأعمال المركزي، فهو إعادة بناء القطاع المصرفي ليلعب دورا في التسليف كحد أدنى، وأخيرا إعادة هيكلة الدولة وبنائها. وشدد منصوري على أنه "لا خيار للبلد إلا بتنفيذ كل هذه العوامل".
عوامل الخروج من أزمة الودائع
• المحاسبة عبر القضاء اللبناني فقط
• وضع خطة واضحة لإعادة أموال المودعين
• إعادة بناء القطاع المصرفي ليلعب دورا في التسليف كحد أدنى
• إعادة هيكلة الدولة وبنائها
وزادت التوترات الجيوسياسية في المنطقة، مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مطلع أكتوبر الماضي، من الاضطرابات في بلد كان يراهن على الموسم السياحي لدعم الاقتصاد وتحقيق النمو.
منصوري ذكر أن الاستقرار النقدي الحاصل نتيجة ضبط الكتلة النقدية بالليرة، وعدم ضخ الدولار إلا من خلال الدولة، وخلق توازن بين الاقتصاد المدولر والاقتصاد بالعملة المحلية، لا تكفي لبناء الاقتصاد،
وأشار إلى أن العمل كان قد بدأ على بناء الاقتصاد حسب الإمكانات المتاحة، ولكن “الظروف الإقليمية أثرت” على هذه العملية، خصوصاً أن “إمكانية توقع ما سيحصل في المستقبل غائبة”.
وأضاف أن تطور الأوضاع الجيوسياسية سيحتم على الحكومة البحث عن مصادر تمويلية أكبر لتغطية أي مصاريف إضافية، "لأنني لن أمول هذه المصاريف الإضافية".
ولكنه نبه في الوقت نفسه أن قدرة الحكومة محدودة، لأن نصف الموازنة الموضوعة مخصص للرواتب، “ما يعني أن النصف الآخر هو ما يمكن التحكم به".
ونتيجة الأزمة، انخفض حجم الاقتصاد اللبناني من حوالي 55 مليار دولار، إلى نحو 20 مليار دولار، كما انخفضت موازنة الدولة من 17 مليار دولار إلى نحو 3.2 مليار دولار، وفق منصوري.
وكان البنك المركزي قد كشف في سبتمبر الماضي أنه يسعى إلى تدشين منصة للعملات الأجنبية تديرها بلومبرغ بعد الإلغاء التدريجي لمنصته صيرفة التي تعرضت لانتقادات بسبب الافتقار إلى الشفافية والحوكمة.
ووقع لبنان مع صندوق النقد اتفاقا أوليا في أبريل 2022 للحصول على تمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ومنذ ذلك الحين لم تفعل بيروت شيئا يبرهن على أنها جادة في برنامج الإصلاح.