لبنان يستأنف رحلات العودة للاجئين السوريين عشية مناقشة مساعدات أوروبية

بيروت - استأنف لبنان الثلاثاء بعد توقّف لنحو عام ونصف العام عملية إعادة لاجئين سوريين إلى بلدهم، عشية مناقشة البرلمان مساعدات بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، أجج الاعلان عنها مخاوف جهات سياسية ودينية تطالب بحل جذري للملف.
وفي منطقة عرسال في شرق لبنان، تجمّعت منذ ساعات الصباح الأولى حافلات وشاحنات صغيرة، يحمل بعضها لوحات تسجيل لبنانية وأخرى سورية، قبل بدء انطلاقها تدريجاً الى الأراضي السورية بإشراف الأمن العام اللبناني. وحمل لاجئون معهم حاجياتهم من أمتعة شخصية ومقتنيات وحتى دواجن وحيوانات، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلن الأمن العام عن تنظيم إعادة نحو 330 لاجئاً عبر معبرين حدوديين في عرسال وبلدة القاع كما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، في إطار "تأمين العودة الطوعية" التي بدأها الأمن العام منذ 2017.
ومن بين العائدين الثلاثاء رجل (57 عاماً) يتحدّر من قرية رأس المعرة في القلمون. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية في عرسال، مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه، "عائد الآن بمفردي لأقوم بتهيئة الوضع لعودة عائلتي".
وأضاف "سعيد بالعودة بعد عشر سنوات، إلى بيتي ووطني وأرضي".
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) من جهتها عن "وصول دفعة جديدة من المهجرين السوريين العائدين من لبنان عبر معبر الزمراني بريف دمشق"، من دون تحديد العدد.
ويقول لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ خريف 2019، إنه يستضيف نحو مليونَي سوري، أقلّ من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة، وهو أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.
وتنظر السلطات إلى الملف بوصفه عبئاً لم تعد تقوى على تحمّله بعد أربع سنوات من انهيار اقتصادي مزمن. وتصاعدت مؤخراً النبرة تجاه اللاجئين، وسط إجماع من قوى سياسية رئيسية على ضرورة إيجاد "حل جذري" بإعادتهم الى بلدهم.
ودعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الاثنين السلطات اللبنانية الى "فتح البحر" أمام اللاجئين السوريين، بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمساعدة على إعادتهم الى بلدهم وتقديم المساعدات لهم هناك.
وقال في خطاب عبر الشاشة بثّته قناة المنار التابعة للحزب "لنكن أمام قرار وطني يقول 'فتحنا البحر'، أيها النازحون السوريون، أيها الإخوة كل من يريد أن يغادر إلى أوروبا، إلى قبرص هذا البحر أمامكم. اتخذوه سفناً واركبوه".
وأوضح "لم نطرح يوماً أن نجبر النازحين السوريين على أن يركبوا السفن ... نقول أعطوهم هذا الهامش ... هم الآن ممنوعون ولذلك يذهبون عبر التهريب وفي قوارب مطاطية ويغرقون في البحر لأن الجيش اللبناني ينفذ قراراً سياسياً بمنع الهجرة".
وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي طلب نهاية الأسبوع الماضي "عدم الرضوخ للضغوط الأوروبية والدولية وأساليبها المغرية بهدف تجنّب" إعادة اللاجئين.
ويناقش البرلمان الأربعاء حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو مقدمة للبنان حتى العام 2027، أعلن عنها الاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الحالي، معولاً على "تعاون" السلطات لضبط الحدود ومكافحة عمليات تهريب اللاجئين، بعد ازدياد عدد القوارب المتجهة إلى أوروبا.
وفي كلمة لها الأسبوع الماضي، أوضحت سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال أن الحزمة ستسمح "بمواصلة تمويل قطاعات رئيسية مثل الحماية الاجتماعية والصحة والمياه والتعليم"، مضيفةً أن ذلك "لا يشمل اللاجئين السوريين فحسب، بل أيضاً العديد من اللبنانيين الذين يستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية الممولة من الاتحاد الأوروبي".
وتقول قبرص إنها تشهد تدفقاً متزايداً للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي، على وقع التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، والذي أضعف جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين.
وأثار الإعلان عن المساعدة الأوروبية توجّس أحزاب كبرى ورجال دين، أعربوا عن مخاوفهم من وجود توجه غربي لإبقاء السوريين في لبنان.
وأبدت ثماني منظمات من المجتمع المدني، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، في بيان مشترك خشيتها من أن تؤدي مساعدة الاتحاد الأوروبي إلى "العودة القسرية للاجئين، ما يجعل لبنان والاتحاد الأوروبي متواطئين في انتهاكات مبدأ القانون الدولي العرفي بشأن عدم الإعادة القسرية، الذي يُلزم الدول بعدم إعادة الأشخاص قسرًا إلى دول يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة".
وحذّرت الأمم المتحدة في فبراير الماضي من أن الكثير من اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدهم يواجهون "انتهاكات جسيمة" لحقوقهم ويتعرضون خصوصا "للتعذيب" و"العنف الجنسي".