لبنان يخفّف القيود عن عمل اللاجئين الفلسطينيين في عالم من جمود العمل

في خطوة وصفها مراقبون بالمرتجلة، قررت وزارة العمل اللبنانية تخفيف القيود عن عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في وقت تعاني فيه البلاد من بطالة مستفحلة في صفوف اللبنانيين أنفسهم، وصلت إلى 35 في المئة.
بيروت - أثار سماح لبنان لللاجئين الفلسطينيين بالعمل في مهن كانت محظورة عليهم في وقت سابق جدلا داخليا بشأن أهمية هذه الخطوة، خاصة وأنها تأتي في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، استفحلت معها نسب البطالة والفقر في صفوف اللبنانيين.
وتساءلت أوساط سياسية لبنانية عن أهمية هذه الخطوة، حيث ذهب البعض إلى القول بأنها تأتي في سياق مغازلة المانحين الدوليين وحثهم على مساعدة لبنان في تجاوز أزماته المستفحلة، فيما ذهب البعض الآخر إلى اعتبار القرار لا معنى له في ظل عالم من جمود العمل حتى للبنانيين أنفسهم.
واتخذ وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم الأربعاء قرارا بدمج الفلسطينيين في الاقتصاد الرسمي، وذلك من خلال رفع الحظر عن العمل في العديد من القطاعات، بينها الصيدلة والنقل العام والهندسة وأي مهن أخرى تتطلب عضوية نقابية.
وسيسمح المرسوم الجديد “للفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجلين بشكل رسمي لدى وزارة الداخلية”، بالعمل في المهن التي ظلت محظورة عليهم رسميا على مدى عقود.
وينتشر الفلسطينيون في اثني عشر مخيما للاجئين في شتى أنحاء لبنان، ويشكلون حوالي 10 في المئة من سكان البلد، أي حوالي 200 ألف لاجئ، لكن وضعهم أقل استقرارا من معظم اللاجئين الفلسطينيين الآخرين في المنطقة، إذ يخضعون لقيود على ملكية العقارات، كما ظلوا منذ عقود ممنوعين من العمل في حوالي عشرين مهنة.

محمد شمس الدين: وضع العمال اللبنانيين في أسوأ حال مع ارتفاع نسبة البطالة
ورحبت فصائل فلسطينية في لبنان بالقرار باعتباره خطوة مهمة إلى الأمام. وأعرب تحالف القوى الفلسطينية عن امتنانه لوزير العمل، وقال إن هذه الخطوة “توسّع هوامش فرص العمل المتاحة للعمال الفلسطينيين”.
وقالت لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني إن “هذا المرسوم من شأنه أن يبشر بتعديلات على القوانين التمييزية، ويضمن فرص عمل أكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويضمن لهم حياة كريمة”.
وشهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان في 2019 حراكا احتجاجيا واسعا، فيما قام وزير العمل الأسبق كميل أبوسليمان بتفعيل قوانين تحظر على اللاجئين الفلسطينيين العمل في بعض المهن.
ويمكن توزيع العمالة الفلسطينية في لبنان إلى ثلاث فئات: فئة أولى قليلة تتميز بالثراء، وهذه الفئة حملت معها من فلسطين الأموال والأعمال العقارية والمصرفية فانخرطت في الاقتصاد اللبناني، وتمكن قسم كبير منها من الحصول على الجنسية اللبنانية في مراحل مبكرة، وفئة متوسطة من أصحاب الخبرات المهنية التعليمية، تركت لبنان منذ الخمسينات بعد أن أغلقت في وجهها إمكانات العمل وتوجهت إلى أوروبا أو إلى الخليج العربي، وفئة ثالثة من العمال وهي الأكبر عددا تحوّلت إلى يد عاملة رخيصة في الأعمال الموسمية والشاقة.
وتقدّر قوة العمل الفلسطينية بحوالي 75 ألف عامل يتمركزون في مجالات العمل الصعبة والشاقة، كالزراعة والبناء والأفران ومحطات الوقود.
ويأتي القرار الجديد في وقت صعب، إذ يكافح لبنان في مواجهة أزمة اقتصادية حادة أدت إلى إفقار الكثير من السكان وإحالتهم على البطالة.وارتفعت معدلات البطالة في صفوف اللبنانيين بعد تزايد تسريح العمال والموظفين وإقفال المئات من الشركات والمؤسسات دون سابق إنذار، وذلك بذريعة الحد من الخسائر المالية بعد تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وإخفاق السلطات المعنية في الحد من الخسائر ونزيف القطاعات الإنتاجية وطرد العمال والموظفين.
وفاقم فقدان السيولة النقدية من السوق اللبنانية جبل الأزمات والتحديات الهائلة التي تواجه أغلب القطاعات الاقتصادية، بعد أن دخلت في ركود اضطراري، حيث أغلقت معظم الشركات أبوابها وألحقت المئات من الموظفين بجحافل العاطلين، في ظل القيود على عمليات السحب من المصارف وتخلّف الحكومة عن سداد ديونها.
وتعدّ الخسائر في الوظائف لطمة كبرى لسوق العمل، التي قدّرت منظمة العمل الدولية أنها مؤلفة من 1.59 مليون فرد.
ويؤكد الخبير الاقتصادي حسن مقلد أن لبنان في حالة انكماش وعلى بوابة الانهيار الاقتصادي، وهناك أشكال قد تكون أسوأ بكثير مما نراه الآن لو حصل الانهيار بشكل كامل، عندما تنتفي أي إمكانية لأي نشاط اقتصادي.
ومنذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في لبنان في أكتوبر 2019، بلغت نسبة المؤسسات التي أقفلت أبوابها وصرفت العاملين فيها 30 في المئة، في حين أن 20 في المئة من المؤسسات تدفع نصف راتب.
وحسب تقديرات وزارة العمل اللبنانية، وصل معدل البطالة عام 2020 إلى نحو 36 في المئة ويرجح أن يبلغ 41.4 في المئة نهاية 2021، في حين يؤكد مصدر في وزارة العمل أنه “لا توجد إحصاءات دقيقة تستطيع تحديد نسبة البطالة في لبنان، خصوصا أن الأزمة الراهنة على المستويين المالي والاقتصادي قد رفعت من منسوب البطالة بشكل كبير، وأن التطورات المتسارعة على هذا المستوى، تجعل أي جهة إحصائية عاجزة عن تحديد نسبة البطالة”.
وأكثر القطاعات التي شهدت عمليات صرف كبيرة للموظفين، هي قطاعات الخدمات، مثل القطاع المصرفي والقطاعات الفندقية وقطاع البناء والمقاولات، وأيضا قطاع الإعلام.
أما إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ مطلع 2020 وإلى غاية فبراير 2021، فتشير إلى أن صافي عدد الخارجين من سوق العمل بلغ 40 ألفا ممن كانوا مسجلين بالضمان.
ويقول الباحث في الشؤون الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إن “وضع العمال اللبنانيين في أسوأ حال، مع ارتفاع نسبة البطالة إلى 35 في المئة، وهو رقم مرشح للارتفاع في الأشهر المقبلة في حال استمرت الأزمة الاقتصادية”.
وأوضح شمس الدين أن “كل دول العالم تعاني من أزمة كورونا، أما لبنان فيعاني من أربع أزمات: أزمة كورونا وأزمة سياسية وأزمة اقتصادية، وأتى انفجار مرفأ بيروت ليضاعف المشاكل التي يعيشها اللبناني”.