لبنان يحشد الدعم الدولي للجيش كـ"ضامن" لتطبيق القرار 1701

تراهن الحكومة اللبنانية على الجيش كضامن مقبول من جميع الأطراف لتطبيق القرار 1701 والتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتسعى لإقناع المجتمع الدولي بدعمه وتدريبه، في مهمة ليست سهلة في ظل خلافات بين القوى اللبنانية بشأن القرار الأممي نفسه إضافة إلى إسرائيل.
باريس - يسعى المؤتمر الدولي لدعم لبنان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى حشد الدعم لجيش بلاده، للانتشار في الجنوب باعتباره السبيل الوحيد لتطبيق القرار الأممي 1701 على الأرض وإنهاء القتال، وهي المهمة التي لن تكون بالسهلة نظرا لأنها لا تتوافق مع مصالح حزب الله.
ويحاول ميقاتي إقناع الدول المشاركة في المؤتمر بقدرة الجيش على حل النزاع، مشيرا إلى أنه “بدأ عمليات التجنيد، لكنه يحتاج إلى دعم مالي وتدريب دولي”، كاشفا أنه “يمكن أن ينشر 8 آلاف جندي إضافي في الجنوب، في إطار وقف إطلاق النار”.
ويبلغ عدد عناصر الجيش اللبناني المنتشرة حاليا في جنوب لبنان 4500 جندي تقريبا. وتسعى هذه القوات بالتنسيق والتعاون مع القوات الدولية اليونيفيل لتطبيق القرار الدولي 1701.
لكن إنفاذ القرار الذي يُفترض أن يستبدل الوجود العسكري لحزب الله جنوبي الليطاني بالجيش اللبناني واليونيفيل، يستدعي وفق تقديرات الحكومة اللبنانية تجنيد ضعف العدد المنتشر حاليا في الجنوب تقريبا أي ما بين 7 و11 ألفا.
ووضع الجيش خططا لتعزيز انتشاره جنوبا، تتضمن نشر 10 آلاف جندي، مما يستوجب تجنيد نحو 6 آلاف عنصر إضافي بتكلفة تصل إلى مليار دولار وتشمل التجهيزات اللوجستية والأسلحة.
ويهدف المؤتمر إلى تكثيف الدعم للقوات المسلحة اللبنانية، التي تعتبر الضامن للاستقرار الداخلي، والتي لها كذلك دور محوري في تنفيذ القرار 1701.
وقال مصدر دبلوماسي إيطالي إن “الهدف النهائي هو تجنيد وتدريب وتسليح 6 آلاف وحدة جديدة في القوات المسلحة اللبنانية”، مضيفا أن روما “سترتب قريبا مؤتمرا خاصا بها يركز على تلك النقطة”.
وتمتلك إيطاليا نحو ألف جندي يشاركون في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).
وشهدت فعاليات المؤتمر في العاصمة الفرنسية الخميس الإعلان عن مساعدات دولية للبلد الذي انجر إلى حرب، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستدعم لبنان بمئة مليون يورو، ودعا إلى ضرورة وقف الحرب الدائرة في أسرع وقت ممكن.
وقال في كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذي يهدف إلى جمع حوالي نصف مليار يورو لدعم النازحين بفعل الصراع بين إسرائيل وحزب الله “يجب أن تتوقف الحرب في أسرع وقت ممكن”، موضحا أن الهدف هو “دعم سيادة لبنان” وبالتالي “إظهار أن الأسوأ ليس حتميا، وإفساح المجال أمام اللبنانيين لاستعادة التحكم بمصيرهم”.
كما أعرب عن أسفه من أن “إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية في لبنان في الجنوب وفي بيروت وفي مناطق أخرى وأن عدد ضحايا المدنيين يزداد”. وقال إن “هناك ضرورة بأن يوقف حزب الله هجومه على إسرائيل مهما كانت الذرائع. ونحن ندين هذه الهجمات، كما ندين استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي أو الضربات العشوائية”.
وتعهدت ألمانيا بتقديم 96 مليون يورو (103 ملايين دولار) لمساعدة لبنان خلال المؤتمر، وقالت وزارة الخارجية في بيان “إن الأموال ستتدفق إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بما في ذلك الصليب الأحمر الألماني والصندوق الإنساني اللبناني للوصول إلى النازحين داخليا وضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسي في لبنان”.
كما قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن التكتل سيقدم دعما للجيش اللبناني بقيمة 20 مليون يورو عام 2024 و40 مليونا في 2025 ودعما إنسانيا بقيمة 80 مليونا.
نفاذ القرار يستدعي وفق تقديرات الحكومة اللبنانية تجنيد ضعف العدد المنتشر حاليا في الجنوب
ودعا ميقاتي في كلمته خلال المؤتمر المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل وقف لإطلاق النار، وقال إن لبنان يدعو “المجتمع الدولي إلى التكاتف ودعم الجهود التي من شأنها إنهاء الاعتداءات المستمرة، وفرض وقف فوري لإطلاق النار”.
وأوضح أن “حكومة لبنان لا تزال تدعم مبادرة أميركا وفرنسا لوقف إطلاق النار 21 يوما”، مشددا على أن قرار الأمم المتحدة رقم 1701 بصيغته الحالية يبقى “حجر الزاوية للاستقرار والأمن في جنوب لبنان”.
ويثير القرار 1701 نفسه جدلا واسعا فبينما يعول عليه لبنان لوقف الحرب بتأكيده أن الجيش قادر على ضمانه، لا تكتفي إسرائيل بإبعاد حزب الله، وتقترح حسب الورقة التي حملها المبعوث الأميركي عاموس هوكستين “التعديل على القرار الأممي 1701 بالسماح بتدخل عسكري إسرائيلي للتأكد من خلو الجنوب من سلاح حزب الله، والتدخل الجوي الدائم للمراقبة والإنذار المبكر”، غير أنها تدرك أن هذه الشروط لن يقبلها أحد، خصوصا في ظل حكومة تصريف أعمال ولن يغامر ميقاتي بالقبول بهذا المقترح بعد تاريخ سياسي طويل.
وأشارت مصادر لبنانية إلى أن هوكستين لم يخرج برد لبناني واضح يقبل الشروط الإسرائيلية، ونُقل عن رئيس الحكومة قوله لهوكستين إن ما يعرضه “لن يقبله أحد في لبنان”. ويؤكد أن الحل يكمن في تطبيق القرار الأممي 1701 الذي ينص على منطقة عازلة من نهر الليطاني إلى شبه الحدود الجنوبية.
ويرى مراقبون أنه إذ أعلنت الحكومة اللبنانية تطبيقا كاملا للقرار 1701 كجزء من الالتزمات الدولية، فإن القوى السياسية اللبنانية تتباين آراؤها حول تطبيق القرار، فهناك من تطالب بتعزيز وجود قوات اليونيفيل في جنوب البلاد، مثل أحزاب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وعدد من النواب المستقلين، في حين تعارض أطراف أخرى، مثل كتلة حزب الله النيابية وحلفائها في البرلمان، “أي تقليص لسيادة لبنان” أو ما تصفه بـ”القدرات العسكرية للمقاومة”.

ويزيد هذا التباين في وجهات النظر من تعقيد المشهد بين القوى السياسية اللبنانية، ويرى المراقبون أن البعض يستخدمه كأداة سياسية لدعم مواقفهم، أو ورقة ضغط ضد خصومهم.
وعملت باريس للإعداد للمؤتمر على عجل، في مسعى لإظهار أنها لا تزال تتمتع بنفوذ في دولة كانت تحتلها في الماضي، لكن رغم مشاركة 70 وفدا و15 منظمة دولية في المؤتمر، فإن عدد الوزراء المشاركين من الدول ذات الثقل، قليل.
وحسب وثيقة إطارية أرسلت إلى الوفود، فإن المؤتمر يهدف إلى التأكيد على ضرورة وقف الأعمال القتالية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الصادر عام 2006، الذي يدعو إلى أن يكون جنوب لبنان خاليا من أي قوات أو أسلحة غير تلك التابعة للدولة اللبنانية.
وقال بيان صادر عن تحالف يضم 150 منظمة غير حكومية قبل اجتماع باريس إن “الحكومات يجب أن تبذل كل ما بوسعها لإنهاء هذه الكارثة المتفاقمة ودورة الإفلات من العقاب.. الإخفاق في التحرك الآن هو خيار.. خيار لن يؤدي إلى وقف ومنع الفظائع في المستقبل”.
وتربط فرنسا علاقات تاريخية مع لبنان، وتعمل مع الولايات المتحدة في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار. لكن نفوذها أصبح محدودا منذ شنت إسرائيل هجوما واسع النطاق على جماعة حزب الله في سبتمبر، وما أعقبه من نزوح الآلاف ومقتل أكثر من ألفي شخص.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن غاراته على لبنان “تستهدف مواقع لحزب الله”، مؤكدا أنه يسعى للقضاء على الجماعة المدعومة من إيران، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، وإعادة عشرات الآلاف من النازحين الذين تركوا مناطقهم شمالي إسرائيل بسبب الاشتباكات مع حزب الله.