لبنان يتهيأ لحرب وكأنها قادمة لا محالة مع إسرائيل

يشهد لبنان حالة من الاستنفار تحسبا لاتساع نطاق المواجهات الجارية مع إسرائيل وتحولها إلى حرب لا يمكن التكهن بمآلاتها، يأتي ذلك في حين تتواصل دعوات الدول لرعاياها إلى مغادرة لبنان، في ظل الوضع الأمني الصعب والمعقد.
بيروت - يعيش لبنان أجواء حرب بأتم ما للكلمة من معنى، وقد بدأت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، الاثنين، في تلقي إمدادات طبية طارئة لتجهيز المستشفيات لاستقبال إصابات الحرب المحتملة، بينما ازدحم مطار بيروت بمسافرين يحاولون مغادرة البلاد.
وتصاعد التوتر في المنطقة خلال الأسبوع الماضي بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في أثناء تواجده في طهران، ومقتل فؤاد شكر القائد العسكري الكبير في حزب الله في هجوم إسرائيلي استهدف حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وتعهد حزب الله وإيران بالرد على إسرائيل بسبب عمليتي الاغتيال مما أثار مخاوف إزاء تصاعد المواجهات الجارية في عدة جبهات بالتوازي مع الحرب المستمرة في قطاع غزة وتطورها إلى حرب إقليمية شاملة.
ووقعت معظم الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي حتى الآن في جنوب لبنان حيث تواجه المستشفيات حالة إنهاك جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات وتعمل جاهدة للتعامل مع الجرحى على مدى الأشهر العشرة الماضية.
وسلمت منظمة الصحة العالمية الاثنين 32 طنا من الإمدادات الطبية إلى وزارة الصحة اللبنانية، تشمل ما لا يقل عن ألف مجموعة لوازم طبية للعلاج تحسبا لاستقبال جرحى حرب محتملين.
وقال وزير الصحة فراس الأبيض للصحافيين في مطار بيروت حيث وصلت المساعدات “الهدف… توزيع هذه المستلزمات والأدوية على المستشفيات والقطاع الصحي في لبنان وبخاصة في المناطق التي هي أكثر عرضة (للاستهداف) حتى نكون أكثر جهوزية للتعامل مع أي طارئ”.
وأضاف الأبيض أن “لبنان لا يريد أي حرب ونحن نطالب منذ اليوم الأول بوقف إطلاق النار يمتد من غزة إلى لبنان وجنوبه، ولكن في الوقت نفسه نرى الاعتداءات الإسرائيلية التي تحدث يوميا ليس فقط في غزة إنما في لبنان، وغيره في المنطقة ونحن كقطاع صحي لا يمكننا إلا أن نكون على أكبر قدر من الجهوزية في حال حدوث أي طارئ، لذلك كانت الإجراءات وخطة الطوارئ الصحية التي وضعتها وزارة الصحة بالتعاون مع شركائنا وبخاصة منظمة الصحة العالمية، أمرا مهما جدا والتي بدأت منذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة”.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعرفها لبنان منذ العام 2019 يخشى اللبنانيون أن تعجز الدولة عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الصمود من مواد طبية وغذائية لمواجهة الحرب المحتملة.
وأطلقت نقابة مستوردي المواد الغذائية في وقت سابق نداء عاجلا للوزارات والإدارات المعنية، حثتها فيه على “اتخاذ إجراءات استثنائية وسريعة في ظل الظروف الدقيقة والاستثنائية التي يمر بها لبنان لتعجيل تخليص معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة في مرفأ بيروت وتسليمها لأصحابها، تمهيدا لتخزينها في المخازن داخل لبنان بعيدا عن أي مخاطر، من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين“.
وقالت النقابة إن مطالبتها ليست شكوى ضد الوزارات والإدارات المعنية بشأن التقصير في معاملات وإخراج البضائع، بل هي لفت انتباه المسؤولين لضرورة اتخاذ تدابير سريعة لنقل السلع الغذائية التي وصلت مرفأ بيروت إلى أماكن آمنة.
دول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا وغيرها حثت رعاياها على مغادرة لبنان طالما أن الرحلات الجوية التجارية ما زالت تعمل
واستجابة لهذا النداء، أعلن رئيس مجلس إدارة ومدير عام مرفأ بيروت عمر عيتاني، في بيان، أن المرفأ وضع طاقمه في جهوزية تامة للعمل على مدار الساعة لتسهيل كل ما يتطلبه إنجاز معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة داخل المرفأ.
ووفق المدير العام لوزارة الاقتصاد اللبناني محمد أبوحيدر، فإن مخزون المواد الغذائية الحالي في لبنان يكفي لمدّة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، فيما يغطي مخزون الطحين حاجة البلاد لمدة شهرين على الأقل.
وأوضح أبوحيدر في تصريحات صحفية أنه تم اتخاذ جملة من الإجراءات الاحترازية للتعامل مع أي طارئ، ولفت إلى أن “العمل جار على توزيع المخزونات الغذائية والوقود بشكل عادل على مختلف المناطق اللبنانية عبر الشركات والمستوردين، وتسريع الإجراءات الجمركية من خلال إصدار تعليمات إلى مكاتب الوزارة في المعابر والمرافئ لتسريع إجراءات إدخال البضائع إلى السوق اللبنانية“.
وأشار المسؤول اللبناني إلى أن “بعض محطات المحروقات عملت تخصيص مخزون إستراتيجي لتلبية احتياجات القطاعات الحيوية كالمستشفيات والأفران والمصانع وفرق الإطفاء”.
وفي غمرة الاستعدادات الحكومية في لبنان لحرب محتملة مع إسرائيل، غصت صالة المغادرة بمطار بيروت بالمغادرين، واصطفت عائلات من أصل لبناني جاءت لقضاء الصيف للتسجيل في رحلات الطيران وسط حالة حزن لاضطرارهم إلى المغادرة قبل الموعد المتوقع.
الحرب المحتملة لن تكون كسابقاتها في حال اندلعت، بل ستكون أشد تدميرا ووطأة، لكن جزءا كبيرا من اللبنانيين، بات متعايشا مع الوضع
وحثت دول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا وغيرها رعاياها على مغادرة لبنان طالما أن الرحلات الجوية التجارية ما زالت تعمل.
وقالت شيرين ملّاح، وهي لبنانية تعيش في إيطاليا جاءت إلى لبنان لزيارة والدتها واضطرت إلى العودة مبكرا، “لبنان عم يخرج من أزمة ويدخل في غيرها“.
وتحث الولايات المتحدة رعاياها الراغبين في مغادرة لبنان “على حجز أي تذكرة متاحة” بينما تطالب الأمم المتحدة عائلات موظفيها بمغادرة لبنان، ونقلت السفارة السويدية موظفيها مؤقتا إلى قبرص.
بدورها دعت السفارة الصينية في لبنان الاثنين المواطنين الصينيين إلى توخي الحذر عند السفر إلى لبنان، مشيرة إلى الوضع الأمني الصعب والمعقد.
وجاء في بيان أن السفارة حثت أيضا المواطنين والمؤسسات الصينية في لبنان على توخي أقصى درجات الحذر وتعزيز إجراءات السلامة.
ويرى متابعون أن على الرغم من كل المؤشرات السلبية فإن إمكانية تجنب اندلاع حرب واسعة النطاق تبقى قائمة.
وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي الاستمرار في العمل لتجنيب لبنان أي مخاطر.
وقال ميقاتي، في كلمة خلال رعايته حفل في بعبدا في جبل لبنان الاثنين، “نحن مصرون على الحياة لأن اليأس ممنوع، وسنستمر في تحمل مسؤولياتنا والعمل لتجنيب البلد أي مخاطر”.
ويرى مراقبون أن الحرب المحتملة لن تكون كسابقاتها في حال اندلعت، بل ستكون أشد تدميرا ووطأة، لكن جزءا كبيرا من اللبنانيين، بات متعايشا مع الوضع.
وعلى طول الساحل الرملي لمدينة صور اللبنانية، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل، يلهو الأطفال في المياه بينما كانت أعمدة من الدخان الأسود تتصاعد من التلال خلفهم نتيجة قصف إسرائيلي في المناطق الجنوبية.
وقال غالب بدوي أحد سكان صور “زي ما أنتم شايفين الوضع. كل الناس على الشاطئ. هاي الأرض أرضنا وما راح نسيبها“.