لبنان يتطلع إلى القادم بأمل

بيروت – ينظر الكثير من اللبنانيين إلى مستقبل بلادهم نظرة تفاؤل بعد انتخاب جوزيف عون رئيسا في يناير الماضي عقب عرقلة استمرت عدة أشهر من قبَل حزب الله الذي قادته الهزيمة في حرب “إسناد غزة” إلى دور هامشي يجعل من الصعب عليه أن يستعيد تأثيره القديم، في ظل مراقبة إسرائيلية دقيقة للوضع في لبنان ورفض الولايات المتحدة السماح للحزب بأي مناورة تمكنه من العودة إلى المؤسسات الرسمية والتحكم فيها.
وتبعث هذه المؤشرات الأمل في نفوس اللبنانيين الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل، خاصة إذا نجح الجيش في السيطرة على السلاح والحدود وتَحكّم في الأمن الداخلي، ما من شأنه أن يطمئن المستثمرين ويشجعهم على العودة إلى البلد للاستثمار فيه، وبذلك يتدفق المال وتتم إعادة إعمار ما دمرته الحرب وإنقاذ الاقتصاد الذي خربته الطبقة السياسية.
ونجح لبنان في تقديم قيادة جديدة لم تتورط في الفساد المالي والسياسي الذي هيمن على المرحلة الماضية.
التحولات في المنطقة تصب في صالح لبنان، وميزان القوى أصبح لصالح السعودية مع هزيمة حزب الله وسقوط نظام الأسد وتعرض إيران لضغوط من إسرائيل والولايات المتحدة
ويحظى الرئيس عون بدعم دولي قوي من بلدان مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول الخليج. وتعدّ خبرته العسكرية قيّمة بشكل خاص الآن، في خضم التحديات الأمنية التي يواجهها لبنان، ما يجعله شخصية موحدة خلال مرحلة متغيرة. كما أن خلفيته العسكرية مفيدة، إذ يواجه لبنان بعض التحديات الأمنية أيضا. ومن الجيد أن يتولى شخص مثل جوزيف عون مسؤولية البلاد في هذه المرحلة الحرجة.
وعيّن لبنان أيضا رئيس الوزراء نواف سلام الذي يُلبّي تطلّع اللبنانيين إلى الشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة. وأصبح للبنان لأول مرة رئيس ورئيس وزراء ملتزمان بالتعاون للحدّ من الفساد وإعادة تشكيل النظام السياسي.
وتقول لينا الخطيب، الخبيرة في شؤون بلاد الشام بمعهد تشاتام هاوس، إن الرئيسين عون وسلام يتشاركان في تمثيل تطلع الشعب إلى مستقبل مزدهر للبنان، وإن توافقهما يعد أمرا بالغ الأهمية، إذ يحتاج لبنان إلى تعاون قوي على مستوى القيادة للسير في الاتجاه الصحيح.
وقبل حزب الله نواف سلام رئيسا للوزراء على مضض. وصوّت لجوزيف عون لأنه شخصية محايدة لا يُمكن أن يعارضها.
وتشير الخطيب في حوار عبر بودكاست لموقع العرب دايجست إلى أن الحزب تغيّر بعد الحرب مع إسرائيل، حيث أضعفت هزيمته العسكرية مكانته السياسية، ولم يعد يعتمد على سوريا بصفتها حليفة رئيسية لدعم نفوذه في لبنان. كما تُعاني إيران ماليا، ما يعني تراجع تمويل حزب الله مقارنة بالماضي. ويعني هذا أن الجماعة لم تعد تتمتع بالسلطة نفسها التي كانت تحظى بها قبل الحرب.
وفيما تعمل قيادة الحزب على تخفيف التوتر بينها وبين القادة الجدد في البلاد، تعيد الاحتجاجات التي قام بها أنصاره قبل فترة انطباع أن الحزب ما زال يفكر بأسلوب الهيمنة، وأن خطابه الحالي عن التهدئة والتوافق مؤقت إلى حين إعادة ترتيب بيته. وتعمل إسرائيل على منع الحزب من إعادة تنظيم صفوفه، حيث تتولى باستمرار تنفيذ غارات تستهدف أنشطته أو قادته الميدانيين.
وبعد غارات إسرائيلية كرد فعل على إطلاق صواريخ بدائية من الجنوب، جدد حزب الله التأكيد على التزامه باتفاق وقف إطلاق النار، والوقوف خلف الدولة اللبنانية في معالجة هذا “التصعيد الصهيوني الخطير”
وتعتقد الخطيب أنه من غير المرجح أن يتعافى حزب الله من حيث التمويل أو القوة العسكرية أو النفوذ السياسي. لكنه لم يُهزم تماما في لبنان. ولا يزال يتمتع ببعض النفوذ، وهو ما تجلى في التنازلات التي اضطر رئيس الوزراء إلى تقديمها عند تعيين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وكذلك أثناء تشكيل الحكومة. ومع ذلك لا تشمل الحكومة الجديدة حزب الله أو حلفاءه، أو بالأحرى حلفاءه السابقين.
حزب الله تغيّر بعد الحرب مع إسرائيل، حيث أضعفت هزيمته العسكرية مكانته السياسية، ولم يعد يعتمد على سوريا بصفتها حليفة رئيسية لدعم نفوذه في لبنان
كما ألغى البيان الوزاري الصادر عن حكومة سلام المكانة الخاصة التي كان يتمتع بها حزب الله. ففي السابق كان مُعترفا به رسميا ضمن الركائز الدفاعية اللبنانية. أما الآن فيُعلن البيان أن الجيش اللبناني وحده المسؤول عن الدفاع الوطني. إضافة إلى ذلك، ولأن حزب الله ليس عضوا في الحكومة، خسر حق النقض (الفيتو) الذي كان يتمتع به سابقا. وأصبح هذان التغييران الرئيسيان يُضعفان سلطته.
ويعتقد الكثير من اللبنانيين أن استمرار القصف الإسرائيلي يرتبط بمدى التزام حزب الله بوقف إطلاق النار. وينص الاتفاق على منع حزب الله من استلام الأسلحة أو نقلها ونقل المقاتلين. لكنه يواصل هذه الأنشطة ولو بشكل محدود، وهو ما تعتمده إسرائيل مبررا لمواصلة غاراتها.
وترى الخطيب أن التحولات في المنطقة باتت تصب في صالح لبنان، وأن ميزان القوى في الشرق الأوسط أصبح لصالح السعودية مع هزيمة حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد وتعرض إيران لضغوط شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة.
وتضيف الخطيب أن لبنان يعد جزءا من هذا التحول، وهو ما تجلى خلال الانتخابات الرئاسية اللبنانية في يناير. فبينما كان أعضاء البرلمان يصوتون، كان السفير السعودي وليد البخاري والسفيرة الأميركية ليزا جونسون حاضرين في البرلمان، يراقبان العملية. وبعد ذلك بوقت قصير زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لبنان وأعلن دعمه للحكومة الجديدة.
وترى الرياض اليوم فرصة تاريخية لإخراج لبنان من فلك طهران بعد عقود من النفوذ الإيراني. وهذا ما يعني أنها تدعم هذه التغييرات في لبنان والحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام. لكن هذا لا يعني أن المملكة ستقدم مساعدات مالية فورية كما فعلت سابقا، بل ستنتظر لترى كيف سيتعامل لبنان مع هذا التغيير. وهي ترغب في رؤية الإصلاحات السياسية والاقتصادية قبل تقديم أي تمويل.
اقرأ أيضا:
• اختيار كريم سليم حاكما لمصرف لبنان رغم تحفظات رئيس الوزراء