لبنان يتجه للأمم المتحدة لحلّ مشكلة تمويل المحكمة الدولية

حسان دياب يناشد أنطونيو غوتيريش التدخل لإيجاد وسائل بديلة لتمويل المحكمة الخاصة بلبنان بشكل عاجل.
الجمعة 2021/06/04
أزمة التمويل تحول دون استكمال المحاكمات

بيروت – ناشد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الأمم المتحدة إيجاد "وسائل بديلة" لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر في جرائم اغتيال عدة شهدتها البلاد، بعد إعلانها أنها "تواجه أزمة مالية غير مسبوقة" ستمنعها من مواصلة عملها.

وجاءت مناشدة دياب، وهي أول تعليق رسمي بعد يومين على إعلان المحكمة أنها "من دون تمويل فوري، لن تتمكن من مواصلة عملها بعد يوليو" المقبل، في وقت صنّف البنك الدولي أزمة لبنان الاقتصادية والمالية من بين أشدّ عشر أزمات، وربما من بين الثلاث الأسوأ في العالم، منذ منتصف القرن التاسع العشر.

وينص نظام المحكمة، التي تأسّست بطلب لبناني وبموجب قرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع الملزم في مايو 2007، للنظر في جرائم اغتيال أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، على أن يساهم لبنان في تمويلها بنسبة 49 في المئة، فيما تؤمن الدول المانحة نسبة 51 في المئة المتبقية بموجب مساهمات طوعية.

وقال دياب في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة، "بالنظر للتحديات التي تواجه المحكمة الخاصة بلبنان، ومع الأخذ في الاعتبار الأزمات الحادة المستمرة التي يعاني منها لبنان (..)، فإن حكومة لبنان ستكون ممتنة لسيادتكم لاستكشاف الوسائل المختلفة والبديلة لتمويل المحكمة بشكل عاجل، مع مجلس الأمن والدول الأعضاء، لمساعدتها في إنجاز مهمتها".

واعتبر أنّ "العواقب الأشدّ إيلاما" عن توقف عمل المحكمة "تكمن في انعكاس صورة لعدالة متجزأة وناقصة لدى جميع المطالبين بالعدالة والأشخاص الذين يثقون بسيادة القانون ومنع الإفلات من العدالة"، مشددا على أن "الصعوبات المالية يجب ألّا تعرقل إنجاز عملها حتى النهاية".

وغداة إعلانها عن "أزمة مالية غير مسبوقة" قد تمنعها من مواصلة عملها، أفادت المحكمة في بيان الخميس بأن الغرفة الأولى أصدرت "قرارا ألغت به بدء محاكمة" سليم عياش، المدان الوحيد في جريمة اغتيال رئيس الحريري، والتي كانت مقررة في 16 يونيو للنظر بقضية تتعلق باعتداءات استهدفت ثلاثة سياسيين لبنانيين بين العامين 2004 و2005.

وقالت إن قرارها يشمل أيضا تعليق "جميع القرارات المتعلقة بالمستندات المودعة حاليا أمامها، وبأي مستندات تودع مستقبلا وذلك حتى إشعار آخر".

وبدأت المحكمة ومقرها في لايدسندام قرب لاهاي، العمل مطلع مارس 2009، ومدد غوتيريش في فبراير تفويضها لمدة سنتين.

وبعد تحقيقات استمرت 15 عاما وكلفت أكثر من 800 مليون يورو، أدانت المحكمة في 18 أغسطس 2020 سليم عياش، العضو في حزب الله، بتهمة "القتل العمد"، في قضية اغتيال الحريري بتفجير استهدف موكبه في وسط بيروت وأسفر عن مقتل 21 شخصا آخر وإصابة 226 بجروح. وبرأت ثلاثة متهمين آخرين. وتم استئناف الحكم الصادر في حق الأربعة بعد محاكمة غيابية.

وخفّضت المحكمة، وفق ما أعلنت في وقت سابق، ميزانيتها لعام 2021 بنسبة 37 في المئة تقريبا مقارنة مع السنوات السابقة، نظرا إلى "الظروف الصعبة الناتجة عن جائحة كوفيد - 19 العالمية والوضع المقلق في لبنان".

ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهيارا اقتصاديا متسارعا هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس وإجراءات مواجهة فايروس كورونا. ومنذ أشهر يحول الصراع بين القوى السياسية على الحصص والنفوذ دون تشكيل حكومة.

وأوضحت المحكمة الخميس أنها تواصل "جهودها المكثفة لجمع الأموال اللازمة من أجل إكمال عملها الهام، وتكرّر نداءها العاجل إلى المجتمع الدولي مناشدة إياه الاستمرار في دعمها ماليا".

وفي موازاة إبداء المحكمة "أساها الشديد إزاء تأثير هذا الوضع على المتضررين من الاعتداءات"، أعرب متحدثون باسم عائلات ضحايا في بيروت عن خشيتهم من أن يكرّس وقف المحكمة لعملها سياسة "إفلات" المرتكبين للجرائم من العدالة.

وكان من المقرر أن تنظر جلسة المحاكمة المقبلة التي جرى إلغاؤها في ما يعرف بقضية عياش، الملاحق في ثلاث جرائم أخرى تبين أنها متصلة بجريمة الحريري، وهي اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي في 21 يونيو 2005، ومحاولتا اغتيال الوزير السابق مروان حمادة مطلع أكتوبر 2004، ووزير الدفاع السابق إلياس المر في 12 يوليو 2005.

وعقد ممثلو عائلات ثلاث ضحايا قضوا في الاعتداءات المذكورة مؤتمرا صحافيا الجمعة في مقر نقابة الصحافيين في بيروت، ناشدوا خلاله المجتمع الدولي التدخل لتوفير تمويل للمحكمة.

وقالت متحدثة باسم عائلة حاوي "نحن نُقتل مرتين: المرة الأولى جراء اغتيال الشهداء والمرة الثانية جراء اغتيال المحاكمة عمدا".

وأضافت "إن أقفلت المحكمة أبوابها، فعائلة الشهيد جورج حاوي ستقاضي كل مسؤول في المحكمة أو الأمم المتحدة، تسبب في تأخير النظر في قضيتنا".

وأكدت متحدثة باسم عائلة غازي بوكروم، وهو عسكري قتل في الاعتداء على حمادة، "16 عاما ونحن ننتظر العدالة الدولية بعدما فقدنا الأمل في عدالة الوطن".

وحذّرت من أن توقف المحكمة الدولية عن النظر في قضية عياش هو "اغتيال ثان لنا ولشهدائنا… وضرب لآمالنا في العدالة".