لبنان: مرشح المرحلة الانتقالية ومرشح الحرس الثوري

السبت 2015/12/12

سليمان فرنجية ليس المرشح الممانع المثالي، فهو لا يعدو كونه كما يقول شقيقا لأسد على وشك التقاعد والركون إلى متطلبات مرحلة انتقالية تبدأ برحيله عن السلطة. درجة الممانعة المطلوبة تقتضي أن يكون المرشح الرئاسي جزءا من حالة حرب مستمرة، ومصمما بارعا لرقصات الانتصارات الإلهية الدموية المستمرة. لا تتوفر هذه الشروط في فرنجية الذي وإن كان حاملا لتاريخ ممانع لا غبار عليه، ولكن رصيده توقف عند حدود أسديته التي باتت مجرد فرع ممانع مضارب في وجه إيران، التي لا تريد مجرد رئيس ممانع، بل تريد رئيساً إيرانيا نقيا.

لم تنس إيران أن الأسد استدعى روسيا تحت عنوان التخلص من سطوتها التي لم تترك له أي دور أو سلطة. لم تبعه إيران أي شيء مجانا بل بفوائد باهظة، كان أقلها إحكام السيطرة الأمنية والسياسية وحتى العقارية على سوريا. تعاملت إيران مع الأسد كموظف بدوام كامل، يقبض راتباً ينحصر في مجرد بقائه على قيد الرئاسة الصورية.

بعد أن كشفت التسويات الزائفة في لبنان عن عوراتها، اتضح أن ترشيح فرنجية الذي كان تنازلا غير مسبوق من قبل سعد الحريري، ويمثل الحد الأقصى الذي يمكنه بما يمثله طرحه، لا يناسب الفريق الإلهي.

تبين أن الطرف الآخر لا يريد مرشحاً يمكنه تأمين الحدود الدنيا من التوافق، بل كان يضمر الدخول إلى مقايضة ما يسميه بـ”السلة المتكاملة” بشروط، عبر عنها نائب رئيس المجلس النيابي السابق مؤخرا، تتضمن الاتفاق المسبق على القانون الانتخابي، واعتبار ميشال عون مرشحا وحيدا ونهائيا. يضاف إلى ذلك ما كان قد رشح سابقاً من مطالب تتضمن تشكيلة حكومية تقدم ضمانات، يقصد بها طبعا الثلث المعطل، مقابل السماح للحريري بالعودة، وتوليه رئاسة حكومة محاصرة من الجو برئاسة عون، ومن البحر برئاسة نبيه بري للمجلس، ومن البر بلغم الثلث المعطل الدائم.

ممانعة فرنجية الناقصة لم تستطع أن تؤمن له إجماعا ممانعا حوله، في حين أن ممانعة الجنرال مكتملة الأركان، والمدموغة بمباركة الحرس الثوري الإيراني، كانت كافية لتكريسه بطل الممانعة الواحد والوحيد، وإحالة فرنجية إلى مقاعد الاحتياط.

المواقف المتطابقة والمتعارضة التي صدرت عن روسيا وإيران في هذه الفترة، تشير إلى أن موضوع الرئاسة في لبنان، قد وضع في ثلاجة الانتظار التي قد تدوم طويلا. روسيا أعلنت مؤخرا، بالتزامن مع توصيات مؤتمر المعارضة في الرياض القاضية برحيل الأسد مع الشروع في تنفيذ صيغة المرحلة الانتقالية، أن مستقبل الأسد يحدده الشعب السوري. إيران بدورها أطلقت موقفا مماثلا بشأن التسوية الرئاسية في لبنان، تقول فيه إن مستقبل الرئاسة في لبنان يحدده المسيحيون.

من السهل تفسير معنى “الشعب السوري” في القاموس الروسي، ومعنى”المسيحيون” في القاموس الإيراني. الشعب السوري بنظر روسيا هو آخر غير ذلك الذي يهدد بوتين في سياق حربه الكاريكاتورية على الإرهاب بإبادته باستخدام السلاح النووي. الشعب السوري محصور في الأسد نفسه ووحده، حيث أن روسيا لازالت تحمل وعيا جغرافيا وسياسيا وسيكولوجيا لسوريا انطلاقا من توصيف “سوريا الأسد”. المسيحيون اللبنانيون في قاموس الحرس الثوري الإيراني هم عون حصرا، وليسوا جمهور العونيين أو التيار العوني. تؤكد شبكة المعاني الروسية والإيرانية على وجود صراع لم يعد بالإمكان إخفاؤه بينهما. يرتبط هذا الصراع بعناوين كبرى، تتعلق بالنفوذ في سوريا بشكل خاص وفي العراق. الملف الرئاسي اللبناني يأتي كانعكاس هامشي للألعاب الدموية في هذين البلدين.

روسيا تسعى إلى انتزاع دور أساسي في المنطقة، وتعلم أن دورها في سوريا يعني أنها باتت الجهة التي ينبغي الرجوع إليها بشأن الملف الرئاسي اللبناني. فرنجية يرتدي ثوب المرشح الروسي الأسدي المقبول دوليا ضمن التسويات الشاملة، التي يجري التنسيق بشأنها بين الدول الكبرى والسعودية وتركيا، دون أن تكون إيران شريكا فاعلا فيها.

إيران تعي هذه المعطيات تماما. مسار الأمور أظهر أن فرنجية لم يكن مرشحها في أي لحظة ولا مرشح حزب الله. ما تريده إيران هو رئيس مواجهة يخوض معركة إقصاء المكون السني من المعادلة، وحصولها على السلطة المطلقة في لبنان الذي بات يمثل ساحة أخيرة لها، بعد خسارتها في سوريا واليمن، وبداية انحسار نفوذها في العراق.

مشكلة عون أنه لا يستطيع الوصول إلى الرئاسة إلا على صهوة انتصار حاسم لإيران في المنطقة، أي أن تنتصر في سوريا وفي اليمن والعراق إضافة الى لبنان. تعلم إيران أن عون لن ولم يكن يوما مرشحا يمكن أن يقترن اسمه بالتسويات، ولعل عشق الحرس الثوري له نابع من هذا العنوان. لم ينجح عون في كسب تأييد أي طرف في لبنان غير حزب الله، لذا يمكن أن نعتبر أن لا طرف في لبنان يريده رئيسا.

اتضح أن الأقطاب المسيحيين الثلاثة لا يريدونه، بل يعتبرون وصوله أزمة سياسية عامة ومسيحية خاصة. فرنجية كان قد عبر أنه مع ترشيح الجنرال إذا كان هناك أمل ما في وصوله، أما رفض الجنرال لترشيحه تحت عنوان شخصي فهو غير مقبول. جعجع لا يريد عون ويعلم الجميع أنه لن يقبل به، وكذلك أمين الجميل. بكركي لم تتخذ موقفا داعما للجنرال، وبدا فرنجية الأقرب إلى منطق التسويات الذي تنادي به. نبيه بري كان من المشاركين في طبخة تسوية سليمان فرنجية وهناك خلافات حادة بينه وبين عون تجعل من وصول عون خطا أحمر بالنسبة إليه.

تيار المستقبل هو الخصم المباشر لعون، فمن يبقى له إذا أضفنا أن الوضع الدولي الميال إلى التسويات لا يميل إلى المضي قدما في التسويق لرئيس حربي في لبنان. أجمل ما في طبخة الرئاسة اللبنانية أنها كشفت عن وجود جناحين للممانعة، واحد أسدي مرتبط بالتسويات يمثله فرنجية، وآخر إيراني حربي مرتبط بنزعة التصعيد الإيرانية، يمثله عون الذي يتمسك به حزب الله صارخا في وجه الجميع “هنا الممانعة ليس لدينا فرع آخر”.

كاتب لبناني

9