لبنان بين المواجهة والاعتدال

حزب الله يتمسك برئيس على مقاسه لأنه يريد أن يضع في قصر بعبدا إمعة جديدة على غرار ميشال عون ليفصل الحكومة على مقاسات حزب الله ويغطي على نشاطات دولته الموازية.
الجمعة 2023/06/09
حزب الله يتذرع بـ"الميثاقية" لكي يعقد صفقة بين الحق والباطل

لا يوجد شيء معتدل في لبنان. هذه حقيقة يدركها الناس حتى في طعامهم. ما يجعل كل بحث عن “رئيس معتدل” للبنان، كلاما لا معنى له، على الأقل لجهة السعي لإنقاذ البلاد من الانهيار التام.

قضايا الإصلاح الاقتصادي لا يوجد فيها متسع لـ”الاعتدال”. استخدام الكلمة غير مناسب أصلا، لأن المعنى من ورائها هو “إصلاح الإصلاح” لكي لا يكون إصلاحا حقيقيا. أو ليكون بمثابة تسوية بين “الصح” و”الخطأ”، ليعود الفساد فيتسرب من ثنايا “صفقة الاعتدال”.

لا يوجد ما يمكن ابتكاره فيما يخص قواعد الإصلاح التي حددها صندوق النقد الدولي. وبدلا من إعادة تكييفها لتأتي على مقاس حزب الفساد، فإن حزب الفساد هو الذي يجب أن يتكيف مع تلك القواعد. على الأقل من أجل أن يعود لبنان قادرا على الوقوف على قدميه.

◙ حزب الله لا يعاني ما يعانيه اللبنانيون. هم بالنسبة إليه ليسوا سوى رهينة. وهو يعيش في عالمه الخاص. لديه تمويلات تأتيه من أعمال النهب التي تمارسها ميليشيات الولي الفقيه في العراق، ومن تجارة المخدرات

حزب الله، والثنائي الشيعي إجمالا، ينظر إلى ترشيح جهاد أزعور على أنه “مرشح تحد”. في البداية كان ميشال معوض “مرشح تحدّ”، ليتضح، من ناحية المعنى، أن كل مرشح في مقابل مرشحه الخاص سليمان فرنجية، هو “مرشح تحدّ”.

لا تحتاج أن تعيد تعريف التحدي، أمام مرشح واحد، وخيار واحد، يقول: إما أن تقبلوا به، أو أن يكون أيّا مَنْ تقترحون هو “تحدّ”.

هذا هو المنطق الذي يتعامل به حزب الله مع أزمة لبنان. لا تحتاج حتى أن تصفه بأي صفة. فضيحته منه وفيه. وعاره يعم على البلاد والعباد، وصولا إلى مائدة الطعام.

النظام اللبناني ليس “رئاسيا” على أيّ حال. بمعنى أن الرئيس لا يملك صلاحيات مطلقة. و”الشراكة” مع الحكومة والبرلمان هو جوهر كل ما لدى الرئيس من تلك الصلاحيات. سوى أن حزب الله يتمسك برئيس على مقاسه، لأنه يريد أن يضع في قصر بعبدا إمعة جديدة على غرار ميشال عون، ليفصّل الحكومة على مقاسات حزب الله، ويمنحه حق التعطيل، ويغطي على نشاطات دولته الموازية ويخلع الشرعية على سلاحه وأعمال تهريب المخدرات وتجارة المعابر غير الشرعية، وليجعل من تلويحاته ضد إسرائيل سوق دعاية لا ينضب لتجارة بائرة.

العرف، إذا كان ما يزال له أن يستمر، فالرئيس هو “شأن” مسيحي – ماروني. وعندما يجتمع تسعة أعشار المسيحيين حول مرشح واحد، فلا يبقى إلا القليل القليل مما يبرر التطاول على هذا الخيار.

وفي النهاية، فقد يمتثل حزب الله لحقيقة أنه لا يملك أن يُعلي صوته، فيما يخص انتخاب الرئيس، على ما تختاره الأغلبية المسيحية. وبالتالي، فإن تمسكه بترشيح فرنجية، لم يعد له مبرر. وهذا الأخير لا يمثل شيئا في القاعدة المسيحية، وهو ليس أكثر من عضو مسيحي في حزب الله، يخدم أجندته الإيرانية، ويتبع ما يتبعه لجهة الولاء لوليّه الفقيه. ولا يحتاج أن يتبرأ منه البطريرك الماروني، لكي يفهم أن خطاياه السياسية ليس هناك مَنْ يغفرها له.

ما هو أخطر من ذلك، هو قدرة حزب الله على تعطيل الحلول. المسألة هنا، أبعد من مسألة حسابات لعدد النواب الذين يمكنهم ترشيح أزعور.

يحتاج أزعور إلى 65 صوتا. وهذه يمكن أن تتوفر. إن لم يكن بسهولة، فببعض “تقاطعات” يُمليها المتقاطعون على حل لأزمة البلاد. سوى أنها لا تكفل مخرجا من المأزق، حتى ولو تحققت الأغلبية المطلوبة.

حزب الله، يتذرع بـ”الميثاقية” لكي يعقد صفقة بين الحق والباطل. يريد “تسوية” بين الصح والخطأ، تحفظ له نفوذه وسلطته وقدرته على التعطيل. وتحت شعار البحث عن رئيس معتدل، سوف يتعين على أزعور أن يُثبت لحزب الله أنه “معتدل”، بمعنى أن يقدم له تنازلات، تُبقي البلاد تدور في دوائر الشلل.

لبنان ليس في حاجة إلى رئيس معتدل، اقتصاديا على الأقل. قائمة الإصلاحات المطلوبة من جانب صندوق النقد الدولي يتعين أن تُنفذ من دون مساومات. ذلك هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تتوفر للبنان الأموال الكافية لإنعاش اقتصاده وتسوية ديونه وإعادة تنظيم مصارفه وحماية صغار المودعين.

◙ لا يوجد ما يمكن ابتكاره فيما يخص قواعد الإصلاح التي حددها صندوق النقد الدولي. وبدلا من إعادة تكييفها لتأتي على مقاس حزب الفساد، فإن حزب الفساد هو الذي يجب أن يتكيف مع تلك القواعد

قد يمكن للرئيس، ولمن يقف خلفه، أن يساوم على القضايا الأخرى، على الأقل لأنها ليست هي الشغل الشاغل الأول. يمكن لسلاح حزب الله أن يبقى سلاحا للعنتريات. لا توجد مشكلة. وطالما أنه لا يستخدم هذا السلاح لصناعة أزمات أو إثارة حروب، مزيفة كانت أم حقيقية، فإن بقاء هذا السلاح شوكة في خاصرة لبنان، أمر قد يمكن احتماله.

السكين التي غرسها الفساد في بطون الجياع، هي التي يجب أن تُرفع أولا. هذا هو المنطق الصحيح. وهذا مما لا سبيل لـ”الاعتدال” فيه.

للمرة الأولى، منذ وقت بعيد، يُصبح البرنامج التنفيذي للحكومة هو القضية. وهو برنامج واضح، و”فوق سياسي”. أي أنه لم يعد يتعلق بما يقوله هذا الحزب أو ذاك، كما أنه لم يعد يتعلق بهذا الرئيس العتيد أو ذاك للحكومة. إنه يتعلق، لأجل المفارقة، بما تقوله جهات الإنقاذ الدولية.

هذا واقع يتطلب مواجهة، لأنه واقع يرتبط بحقائق لا سبيل للإفلات منها. والمسألة أكبر من مجرد قرض تيسيري يبلغ مليارين أو ثلاثة. إنه مسألة تمويل شامل لإعادة بناء الاقتصاد، وهو ما يتطلب في الحد الأدنى 15 مليار دولار. وما لم تتوفر ضمانات للمجتمع الدولي، بأن هذه الأموال لن تعود لتغرق في مستنقعات الفساد، فإن أحدا لن يجرؤ على تقديمها.

حزب الله لا يعاني ما يعانيه اللبنانيون. هم بالنسبة إليه ليسوا سوى رهينة. وهو يعيش في عالمه الخاص. لديه تمويلات تأتيه من أعمال النهب التي تمارسها ميليشيات الولي الفقيه في العراق، ومن تجارة المخدرات وجمارك المعابر الخاصة، حتى ليبدو منفصلا عن الواقع، بما يكفي لكي يرى الانهيار، فلا يعنيه. ويظل يطلب من الآخرين أن يتقاسموا معه التسويات، لكي يسمح بالإفراج عن الرهينة.

هذا واقع، لا شيء معتدلا فيه. ولا يمكن مواجهته باعتدال.

الالتفاف المسيحي والوطني حول جهاد أزعور يجب أن يقوى لكي يُصبح التفافا من أجل الإصلاح، ومن أجل رفع السكين من بطون الجياع.

8