لبنان برفض الرضوخ للضغوط الأميركية للتطبيع مع إسرائيل

بيروت - بينما تشهد المنطقة اضطرابات متزايدة على خلفية التطورات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، يواصل لبنان التصدي للضغوط الأميركية المستمرة بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في وقت يُحاول فيه بعض القوى الدولية استغلال حالة الضعف التي يعاني منها حزب الله في لبنان لتحقيق مصالحهم.
وفي هذا السياق، أثارت أنباء عن محادثات أجرتها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس مع الرؤساء اللبنانيين طلبًا للتفاوض السياسي مع إسرائيل، جدلًا واسعًا، خاصة بعد ورود تقارير عن محاولات من جانب المسؤولين الأميركيين باستخدام لغة التهديد لتفعيل هذه المفاوضات.
وتعد هذه الاتصالات من أبرز التطورات التي أُثيرت مؤخرًا حول السياسة الخارجية اللبنانية في مواجهة إسرائيل، ما دفع العديد من القوى السياسية اللبنانية إلى التعبير عن رفضها لهذه الضغوط، مؤكدين على عدم استعدادهم للتخلي عن الثوابت الوطنية المتعلقة بعدم تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وفي تصريح لصحيفة "اللواء"، أكد وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، أن لبنان لم يتخذ بعد أي موقف رسمي بشأن الدعوات الأميركية للبدء في مفاوضات سياسية مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن لبنان لم يشكل بعد أي لجان دبلوماسية لدراسة هذا الموضوع.
وأوضح رجي أن البحث يتركز على ثلاث قضايا أساسية: انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة، إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وتثبيت الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
وأضاف أن لبنان يركز بشكل أساسي على تطبيق اتفاق الهدنة الذي تم توقيعه عام 1949 بين لبنان وإسرائيل، والذي يضمن انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي اللبنانية المحتلة مؤكدا على أن "التطبيع مع إسرائيل غير مطروح".
وشدد على رفض لبنان لأي مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل، وهو موقف يؤكد التزام لبنان بمبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تشترط انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة كشرط أساسي لتحقيق السلام.
وفي سياق الضغوط الأميركية، أفادت مصادر صحفية أن الإدارة الأميركية قدمت إلى لبنان مطالب محددة تتعلق بتوسيع دور الجيش اللبناني في المناطق الحدودية. وتشمل هذه المطالب: تعزيز انتشار الجيش اللبناني شمال نهر الليطاني، الذي يراه الأميركيون غير كافٍ، وتنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشكل كامل، بحيث يشمل نزع السلاح من كامل منطقة الجنوب وليس فقط من القرى الحدودية. كما طالبت الولايات المتحدة بحصر السلاح في يد القوى اللبنانية الرسمية، ما يعني إزالة سلاح المقاومة الذي يعتبره البعض وسيلة دفاع أساسية.
وتُثير هذه المطالب قلقًا في لبنان، حيث تعتبر بعض القوى السياسية أن هذه الإجراءات تهدف إلى إضعاف قدرة لبنان الدفاعية، وتجريده من أي وسائل لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. في هذا السياق، يرى العديد من المسؤولين اللبنانيين أن هذه الضغوط تشكل تهديدًا للأمن الوطني اللبناني، وتتناقض مع حقوق لبنان في حماية سيادته والدفاع عن أرضه.
ولا يستبعد ان تستعمل واشنطن ورقة الضغوط الاقتصادية لإجبار لبنان على المضي في التطبيع واحتواء حزب الله.
وبينما تستمر الضغوط الخارجية على لبنان، يعاني البلد من انقسام داخلي حاد بشأن مسألة سلاح المقاومة. فبينما يرى البعض أن اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 يجب أن يكون مقتصرًا على مناطق جنوب الليطاني، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى توسيع نطاق تفسير القرار بما يخدم مصالحهما، وهو ما يعقد مسألة تنفيذ هذه المطالب.
وفي هذا السياق، يعتبر حزب الله أن سلاح المقاومة يشكل ركيزة أساسية في حماية لبنان من أي تهديدات إسرائيلية. ولهذا، يرفض الحزب أي محاولات لإضعافه أو نزع سلاحه، ويعتبر أن أي اتفاق يتطلب ضمانات دولية تلتزم بها إسرائيل.
من جانبها، تواصل إسرائيل محاولاتها للتوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن تطبيع العلاقات، حيث نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر سياسي إسرائيلي أن تل أبيب مهتمة بالتوصل إلى اتفاق مع لبنان لتطبيع العلاقات في إطار خطة شاملة تشمل دول المنطقة. وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسعى إلى استمرار "الزخم" الذي تم تحقيقه مع بعض دول المنطقة في إطار اتفاقات التطبيع التي تم توقيعها مؤخرًا، بما في ذلك مع دول خليجية.
ويرى مراقبون أن هذه المساعي الإسرائيلية تأتي في وقت حساس، حيث تحاول تل أبيب استغلال الظروف السياسية والأمنية المتغيرة في لبنان لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة على حساب الثوابت اللبنانية المتعلقة بالصراع مع إسرائيل.
رغم الضغوط الإقليمية والدولية، يظل موقف لبنان ثابتًا في رفض التطبيع مع إسرائيل. ويرتكز هذا الموقف على مبادئ لبنان الوطنية التي لا تقبل التنازل عن حقوقه في استعادة أراضيه المحتلة وضمان أمنه السيادي.
كما أن الشعب اللبناني، في غالبيته، يرفض أي نوع من العلاقات الطبيعية مع دولة الاحتلال، في وقت لا يزال فيه الأمل في الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية قائمًا، وهو ما يعزز الموقف اللبناني في وجه هذه الضغوط.
وفي هذا السياق، يبقى لبنان متمسكًا بالمبادرة العربية للسلام لعام 2002، التي تشترط انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة كشرط مسبق للسلام، وهو ما يبقى الخيار الوحيد المطروح من قبل الحكومة اللبنانية، رغم التحديات والضغوط التي يواجهها.