لبنان أمام خيارين بعد فشل جلسة الأربعاء: مرشح توافقي أو إطالة أمد الفراغ الرئاسي

نبيه بري يتنصل من المسؤولية ويدعو إلى حوار غير مشروط.
الخميس 2023/06/15
الأمور تسير وفق إيقاع باسيل

عمد حزب الله وحليفته حركة أمل كما هو متوقع إلى الانسحاب من الدور الثاني لعملية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، والذي كان يمكن أن يفرز فوز مرشح الكتل المسيحية جهاد أزعور. ويفتح فشل الجلسة الباب أمام البحث عن مرشح ثالث، وإلى حين حصول ذلك يبقى الفراغ في لبنان سيد الموقف.

بيروت - تقول أوساط سياسية لبنانية إن فشل جلسة الأربعاء لانتخاب رئيس جديد للبلاد كان متوقعا، مشيرة إلى أن اللبنانيين اليوم أمام خيارين بين إيجاد "مرشح توافقي"، أو استمرار حالة الفراغ الرئاسي إلى أمد غير منظور. وتوضح الأوساط أن مسألة التوصل إلى توافق بشأن هذا المرشح لن تكون بالمهمة السهلة، في ظل الصراع الدائر بين مشروعين متضادين: الأول مشروع “السيادة” والثاني مشروع "الممانعة".

وتلفت الأوساط إلى أن الوضع قد يختلف في حال قرر حزب الله التخلي عن دعم مرشحه سليمان فرنجية، وفتح حوار مع التيار الوطني الحر، بشأن صفقة مرشح جديد، وهو الأمر الذي لطالما سعى إليه زعيم التيار جبران باسيل، والذي قاده بالأساس إلى دعم خيار أزعور.

وتوضح الأوساط أن تصريحات الثنائي الشيعي التي أعقبت الجلسة الفاشلة، تشي بهذا التوجه. وعطل حزب الله وحلفاؤه محاولة منافسيه انتخاب المسؤول في صندوق النقد الدولي الوزير الأسبق جهاد أزعور، بمقاطعة الجولة الثانية من العملية الانتخابية، حيث كانت له إمكانية الفوز والوصول بذلك إلى قصر بعبدا.

وكان أزعور فاز بتأييد 59 صوتا من أصل 128 نائبا في البرلمان في تصويت أوّلي، أي أقل من الثلثين المطلوبين للفوز في الجولة الأولى. وحصل سليمان فرنجية المدعوم من حزب الله وحليفته حركة أمل على 51 صوتا في الجولة الأولى. وما أن بدأ احتساب الأصوات، حتى انسحب عدد من النواب وعلى رأسهم كتلتا حزب الله وحليفته حركة أمل، التي يتزعمها نبيه بري، ليطيحوا بنصاب الدورة الثانية، في سياسة اتبعوها خلال الجلسات الماضية.

كريم بيطار: الانقسام الحاد يمكن أن يمهّد لمفاوضات حول حلّ الرجل الثالث
كريم بيطار: الانقسام الحاد يمكن أن يمهّد لمفاوضات حول حلّ الرجل الثالث

وتنصّ المادة التاسعة والأربعون من الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة، أي 65 نائباً، في دورات الاقتراع التي تلي، أما نصاب انعقاد الجلسة بكافة دوراتها، والذي يصرّ عليه رئيس المجلس بري، فيتمثل بـ86 نائباً، الأمر الذي يجعل تعطيله متاحا أمام القوى المتنافسة.

ومع هذه النتيجة لم يعد لدى لبنان أي احتمال فوري لشغل منصب الرئاسة الذي ظل شاغرا منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون المتحالف مع حزب الله في أكتوبر الماضي. ويرى متابعون أن الفراغ  الرئاسي سيظل سيد الموقف طيلة الأسابيع إن لم يكن الأشهر المقبلة، إلى حين التوصل إلى تفاهم بين الفرقاء، وهو أمر لن يتحقق دون وجود ضغط دولي حقيقي. وعمد نبيه بري رئيس مجلس النواب والذي يتزعم حركة أمل إلى التنصل من المسؤولية حيال عملية عرقلة انعقاد الجولة الثانية.

وقال بعد انتهاء الجلسة “كفى رمياً بكرة المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك في إطالة أمد الفراغ، ولنعترف جميعاً بأن الإمعان بهذا السلوك والدوران في هذه الحلقة المفرغة، وانتهاج سياسة الإنكار، لن نصل إلى النتيجة المرجوة التي يتطلع إليها اللبنانيون والأشقاء العرب والأصدقاء في كل أنحاء العالم، الذين ينتظرون منّا أداءً وسلوكاً يليق بلبنان وبمستوى التحديات والمخاطر التي تهدده". وأضاف بري "بداية البدايات لذلك هي الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك لن يتحقق إلا بالتوافق وسلوك طريق الحوار، ثم الحوار، ثم الحوار".

وحدّد مواصفات هذا الحوار بأن "يكون من دون شروط، لا يلغي حق أحد في الترشح، وتتقاطع فيه إرادات الجميع حول رؤية مشتركة لكيفية إنجاز هذا الاستحقاق من دون إقصاء، أو عزل، أو تحدٍّ، أو تخوين، وأن يكون تحت سقف الدستور يحافظ على الميثاقية والشراكة”. وتابع “آن الأوان لكي يمتلك الجميع الجرأة والشجاعة من أجل لبنان بسلوك هذا الطريق، فهل نحن فاعلون؟".

من جهته قال نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله علي دعموش، في بيان، إن "كل السيناريوهات المحتملة لجلسة انتخاب الرئيس لن تؤدي إلى نتيجة"، مشيرا إلى أن "ما يؤدي إلى النتيجة المطلوبة له طريق وحيد هو الحوار والتفاهم والتوافق على مرشح جامع، يلمّ اللبنانيين، ويكون قادراً على معالجة الملفات التي تهمّهم، ومنفتحا على الجميع في الداخل والخارج".

في المقابل، قال النائب سامي الجميل رئيس كتلة الكتائب الداعمة لأزعور، للصحافيين “ما حصل اليوم انتفاضة حقيقية لنواب لبنان ليقولوا لا لعمليات الفرض والتهديد ومحاولات الايحاء بأن القرار الرئاسي موجود في مكان واحد في لبنان”، في إشارة إلى حزب الله. وارتفعت أسهم أزعور الذي انضم الى صندوق النقد الدولي عام 2017 وشغل منصب وزير المالية اللبناني بين 2005 و2008، في الأسابيع الأخيرة إثر اتصالات مكثفة انتهت بإعلان كتل رئيسية ونواب معارضين لفرنجية تأييدهم لترشيحه.

وإثر ذلك، أعلن النائب ميشال معوّض الذي كان أول من خاض السباق الرئاسي، تراجعه عن ترشحه لصالح أزعور. ويعدّ حزب القوات اللبنانية ولديه كتلة برلمانية مسيحية وازنة، والتيار الوطني الحر الحليف المسيحي الأبرز لحزب الله والرافض لوصول فرنجية، وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، من أبرز داعمي أزعور. وبعد دعم ترشيحه، تنحّى أزعور مؤقتاً عن مهامه كمدير لقسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد. وقال في أول تعليق له إنه “ليس تحدياً لأحد”، في رد على حزب الله الذي وصف عدد من نوابه أزعور بمرشح "المواجهة" و"التحدي".

◙ الفراغ الرئاسي سيظل سيد الموقف في لبنان إلى حين التوصل إلى تفاهم بين الفرقاء وهو أمر لن يتحقق دون وجود ضغط دولي حقيقي

وكان رئيس كتلة حزب الله النائب محمّد رعد اعتبر أن من يدعمون ترشيح أزعور، من دون تسميته، "يستخدمونه فقط لمنع أن يصل مرشّح المقاومة”، في إشارة إلى فرنجية. وقال الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار "بغياب ضغط دولي كبير وتسوية حول مرشح، قد يتطلب الأمر أشهراً عدّة قبل انتخاب رئيس”. وعنونت صحيفة "الأخبار" المحلية، المقربة من حزب الله، صفحتها الأولى بكلمة “الفراغ".

وبينما يبدو الملف اللبناني غائباً عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكاً لتسريع انتخاب رئيس. ومن المتوقع أن يصل إلى بيروت قريبا وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان الذي عيّنته باريس مبعوثا خاصاً إلى لبنان، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية. وكانت وزارة الخارجية الفرنسية دعت الأربعاء إلى أخذ الجلسة "على محمل الجد واغتنام الفرصة التي توفرها للخروج من الأزمة".  من جهته، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر “نعتقد أنّه طالما لم يتمّ انتخاب رئيس، فيجب على البرلمان الاستمرار إلى حين إنجاز المهمّة".

ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، ويشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي. ويمكن للانقسام الحاد بين القوى السياسية أن يمهّد الطريق وفق بيطار "أمام مفاوضات ستصل في نهاية الأمر إلى حلّ الرجل الثالث، وانتخابات يمكن أن تُعدّ مسبقاً على غرار معظم الانتخابات السابقة في تاريخ لبنان".

2