لبنانيون يبتاعون حريتهم بشراء جوازات سفر وإقامات أجنبية

برامج شراء الجنسيات تجذب أثرياء يتحدرون من دول تشهد أزمات أو تفرض عليها عقوبات اقتصادية مثل العراق واليمن وسوريا وأخيرا لبنان.
الاثنين 2022/05/23
البحث عن الإقامات الدائمة يشغل اللبنانيين

بيروت- فقد جاد، اللبناني الذي يعمل مديرا تنفيذيا في دبي، الأمل في إمكانية العودة إلى بلاده جراء الانهيار الاقتصادي وملّ من الانتظار طويلا للحصول على تأشيرات لرحلات عمله، فما كان منه سوى أن دفع 135 ألف دولار لشراء جواز سفر أجنبي.

وبعد شهر واحد، تلقى طردا يحتوي على جوازي سفر له ولزوجته صادرين عن جزيرة سانت كيتس ونيفيس في الكاريبي.

وبات بإمكان جاد وزوجته السفر إلى أكثر من 150 دولة، بينها أوروبا، من دون الحاجة إلى استصدار تأشيرات دخول.

وتعد الوثيقة الجديدة نقلة نوعية في حياة جاد، إذ أن مؤشر هينلي لجوازات السفر صنف جواز السفر اللبناني بين الأسوأ في العالم من ناحية سهولة الحصول على تأشيرات. كما أنه بات من شبه المستحيل اليوم تجديد جواز السفر بسبب نفاد المخزون ونقص التمويل، في بلد يشهد أزمة اقتصادية خانقة منذ خريف العام 2019.

◙ الوثيقة الجديدة تعد نقلة نوعية في حياة الكثير من اللبنانيين
الوثيقة الجديدة تعد نقلة نوعية في حياة الكثير من اللبنانيين

ويقول جاد، الذي طلب عدم استخدام اسم عائلته للحفاظ على خصوصيته “قبل ثلاث سنوات، لم أكن لأتخيل أنه من الممكن أن أشتري جواز سفر. لكن الآن وجراء الوضع في لبنان ولأننا يمكننا تحمل الكلفة، قمنا أخيرا بذلك”.

أزمات اقتصادية

وأطلقت جزيرة سانت كيتس ونيفيس، ولا يتجاوز عدد سكانها 55 ألفا، برنامج بيع جوازات السفر بعد عام واحد فقط من حصولها على الاستقلال في 1983. ويحتل جواز سفرها المرتبة الـ25 على مستوى العالم، وفق مؤشر هينلي الذي يصنف الجوازات بحسب إمكانية الوصول التي توفرها لحامليها.

وتجذب برامج شراء الجنسيات أثرياء يتحدرون من دول تشهد أزمات أو تفرض عليها عقوبات اقتصادية مثل العراق واليمن وسوريا وأخيرا لبنان.

ويسارع لبنانيون كثر اليوم من أصحاب الثروات، وغالبيتهم يعملون أو يستثمرون في دول خليجية أو أفريقية، إلى شراء جوازات سفر أو الحصول على إقامات في دول أجنبية بعدما فقدوا الأمل في خروج لبنان في أي وقت قريب من الانهيار الاقتصادي العاصف.

وتسبب الانهيار بموجة هجرة واسعة. ولأشهر عدة، لم تهدأ الطوابير التي كانت تبدأ بالتشكل عند ساعات الفجر أمام مراكز الأمن العام الذي أعلن الشهر الماضي التوقف عن إصدار جوازات سفر لأن المخزون شارف على الانتهاء.

وطلبات شراء جوازات السفر في ازدياد خاصة إلى جزر الكاريبي لأن باستطاعة الراغبين تحصيلها خلال أشهر قليلة مقابل مبلغ مالي من دون أن يضطروا حتى إلى زيارة بلدهم الجديد.

ويروي جاد أنه حين سافر إلى باريس للمرة الأولى بوثيقته الجديدة “نظر الموظفون في المطار إلى جواز سفري وقالوا لي إني آت من بلد جميل”. وأضاف “لكني في الحقيقة لم أذهب يوما إلى هناك”.

وليس جاد وحده، بل يتسوق أصدقاؤه أيضا لاختيار “جوازات سفر من الجزر”، ومنهم من يبحث في إمكانية الاستثمار في دول أوروبية مثل اليونان والبرتغال مقابل الحصول على إقامة دائمة. وقال جاد “ما يحصل ليس مجرد منحى عام بل إنه الحل”.

وطالما وجد اللبنانيون في دول الخليج خصوصا، ويقارب عددهم 350 ألفا بينهم مئة ألف في الإمارات، أنفسهم عالقين وسط توترات دبلوماسية وسياسية تثير خشيتهم من فقدان أسلوب حياة اعتادوا عليه.

◙ جزيرة سانت كيتس ونيفيس أطلقت برنامج بيع جوازات السفر بعد عام واحد فقط من حصولها على الاستقلال في 1983

وقال رجل الأعمال اللبناني في دبي مارييلي بوحرب (35 عاما) “دفعني كل ذلك إلى التفكير أن هناك مشكلة ولا أريد أن أعرض عملي في الخليج للخطر”.

اشترى مارييلي العام الماضي أربعة جوازات سفر من سانت كيتس له ولزوجته وطفليهما بعدما أغراه عرض بحسم 50 ألف دولار من الكلفة جراء انتشار وباء كوفيد – 19 في الجزيرة، التي تعتمد أساسا على الخدمات السياحية.

وعادة ما يكلف جواز السفر الواحد 150 ألف دولار تُدفع على شكل هبة لصندوق النمو المستدام في بلد نصب أولى إشارات المرور في عاصمته في 2018. وتبيع جزر أخرى في الكاريبي أيضا جوازاتها مثل غرينادا وأنتيغوا وباربودا ودومينيكا.

أما في لبنان، حيث بات أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، فقلة فقط بإمكانها شراء جوازات سفر أجنبية. وخلال العامين الماضيين ازدهر عمل الشركات المتخصصة في تقديم استشارات في مجال جوازات السفر، وكثرت إعلاناتها إن كان عبر لوحات دعائية، حتى داخل المطار، أو رسائل هاتفية.

وفي 2020 حوّل زياد كركجي شركة العقارات التي يملكها إلى شركة “غلوبال باس” لاستشارات جوازات سفر. ويقول “ازدهر عملنا بنسبة لا تقل عن أربعين في المئة بين 2020 و2021”.

وجراء الانهيار الاقتصادي ثم انفجار مرفأ بيروت في 2020، ارتفع بخمسة أضعاف عدد الزبائن اللبنانيين لشركة الاستشارات السويسرية “ليغاسي” التي يعمل فيها خوسيه شارو.

ربع الزبائن

◙ عدد الزبائن اللبنانيين لشركة "ليغاسي" التي يعمل فيها خوسيه شارو ارتفع بخمسة أضعاف منذ حادثة انفجار بيروت
عدد الزبائن اللبنانيين لشركة "ليغاسي" التي يعمل فيها خوسيه شارو ارتفع بخمسة أضعاف منذ حادثة انفجار بيروت

وبات اللبنانيون يشكلون ربع زبائن الشركة، التي يدير شارو فرعها في بيروت. وإن كان الزبون يرغب بحل يتيح له الحصول بسهولة على تأشيرة مستثمر في الولايات المتحدة، وفق شارو، فمن الأفضل الحصول على جنسية جزيرة غرينادا.

أما بالنسبة إلى الراغبين بالتقاعد أو الاستقرار في الخارج، فينصحهم شارو باستثمار حوالي ربع مليون دولار مقابل إقامة دائمة في اليونان أو البرتغال.

ويقول “هذا القطاع سيواصل ازدهاره، لسوء الحظ بالنسبة إلى البلد ولكن لحسن حظنا نحن”. ويضيف أن اللبنانيين يشترون حريتهم.

الانهيار تسبب بموجة هجرة واسعة، ولأشهر عدة، لم تهدأ الطوابير التي كانت تبدأ بالتشكل عند ساعات الفجر

ويعيش لبنان أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة في أعقاب الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990 دون أن تحقق إنجازات بهذا الإسراف في الإنفاق. وأصاب الشلل البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات.

وعجز أصحاب المدخرات عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم الدولارية أو قيل لهم إن الأموال التي يمكنهم السحب منها الآن لم تعد تساوي سوى جزء صغير من قيمتها الأصلية. وانهارت العملة اللبنانية مما دفع قطاعا كبيرا من السكان إلى صفوف الفقراء.

ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة بدأت في عام 2019 عندما انهار النظام المالي تحت وطأة الديون السيادية والطرق غير المستدامة التي كانت تمول بها بينما لم يخرج السياسيون بعد بخطة إنقاذ.

17