لا يمكن الاستهانة بخطط الغاز والنفط المصرية

تعمل مصر على تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة رغم كل الظروف المعاكسة، عبر تطوير البنية التحتية للقطاع، وهذه الخطط لا تقتصر على الغاز فقط، بل تشمل أيضا النفط والطاقة المتجددة، مما يعكس رؤية إستراتيجية طويلة المدى للسلطات في هذا المجال.
القاهرة - ترسم الحكومة المصرية منذ فترة خططا طموحة لمستقبل قطاع الوقود الأحفوري، وتنوي طرح مجموعة من عطاءات وضخ استثمارات جديدة كبرى من أجل تطوير هذه الصناعة لتغطية الطلب المحلي مستقبلا.
ومن المتوقع أن تساعد منشأة بتروكيماوية جديدة بقيمة 7 مليارات دولار واستثمارات كبيرة أخرى في النفط والغاز على تنشيط صناعة الوقود الأحفوري في البلد، الذي لا يزال يتعين عليه استعادة ثقة المستثمرين بعد سنة مالية مخيبة للآمال.
وتعد مصر منتجة رئيسية للوقود الأحفوري في أفريقيا، كما تحتل المرتبة الثانية بين أكبر منتجي الوقود السائل من خارج أوبك بعد أنغولا. وكانت ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا سنة 2022، بعد الجزائر.
ودُعم نمو إنتاج الغاز في مصر بانطلاق الأنشطة عبر العديد من الحقول البحرية الكبيرة على مدى العقد الماضي، بما في ذلك حقل غاز ظهر، الذي تم اكتشافه قبل عشر سنوات.
ولكن التوقعات التي أشارت إليها فيليسيتي برادستوك الكاتبة في منصة “أويل برايس” الأميركية، تظهر أن إنتاج الغاز في مصر سينخفض خلال السنوات القادمة مع نضوج حقل ظهر، وإثر العديد من جهود الاستكشاف الأخيرة غير الناجحة.
ولذلك، تعتزم الحكومة مواصلة استيراد الغاز المسال من الخارج حتى عامي 2029 و2030 لتوفير احتياجاتها، مع تراجع إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 4.3 مليار قدم مكعبة يوميا، إذ تبلغ الاحتياجات اليومية حوالي 6 مليارات قدم وتزيد في فصل الصيف.
ووقّعت القاهرة في فبراير الماضي اتفاقية مع شركة شارد كابيتال البريطانية ومجموعة القحطاني السعودية بهدف بناء مصنع للبتروكيماويات في مدينة العلمين الجديدة شمال غرب البلاد.
وسيشرف على المشروع تحالف مكون من أعضاء من شارد كابيتال ومجموعة القحطاني ورويال ستراتيجيك بارتنرز الإماراتية. ومن المنتظر أن يسجل المشروع بمجرد تشغيله إنتاجا يصل إلى 3.1 مليون طن من ثمانية منتجات بتروكيماوية مختلفة سنويا.
وتحدّث كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، عن خطط لتضمين أحدث التقنيات في تصميم المنشأة لتقليل التأثير البيئي. وأشار إلى أهمية التطوير لزيادة قيمة الموارد الطبيعية.
ومن المتوقع أن يعزز المجمع بشكل كبير من إمكانات التصدير في مصر. كما من المنتظر أن يطوّر هذا العلاقات التي تجمعها بكل من دول الخليج والمملكة المتحدة.
وكشفت وزارة البترول في مارس الماضي عن فرص استثمارية جديدة، بهدف تنمية عمليات الاستكشاف والإنتاج. وتعتزم طرح 7 حقول غير مطورة في المتوسط و6 مناطق استكشاف في خليج السويس والصحراء في الغرب.
ويمكن أن تقدم الشركات العطاءات عبر بوابة مصر للاستكشاف والإنتاج خلال الشهرين المقبلين، إلى حدود الرابع من مايو المقبل.
واختتمت الوزارة مؤخرا عملية تقديم العطاءات لـ13 منطقة استكشاف وحقول ناضجة، بعد تلقي عدة مقترحات تبقى قيد المراجعة حاليا. ويمكن أن تدر الاستثمارات المجمّعة من جولة العطاءات السابقة أكثر من 700 مليون دولار.
وزارة البترول تطرح مشاريع استكشاف
7 حقول غير مطورة في البحر المتوسط
6 مناطق استكشاف في خليج السويس والصحراء
وطُرحت الحقول السبعة غير المطورة من خلال مجموعتين في المناقصة الجديدة. وانقسمت إلى جزئين، الأول يضم حقول أتين وميريت ورحمات، والثاني يضم حقول نوتس وسلامات وساتيس وسالمون.
وفي أواخر يناير، أعلنت وزارة البترول كشفا نفطيا في خليج السويس شرق البلاد، قد يقود إلى مخزون يتجاوز ثمانية ملايين برميل من النفط والمكثفات.
وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الخام إلى 637 ألف برميل يوميا خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في يونيو المقبل.
وتقول برادستوك إن هذه الإستراتيجية تهدف إلى تعزيز كفاءة الاستثمار مع خفض تكاليف الإنتاج وتبسيطه وتسهيل مراحل التطوير والاستخراج.
وتسعى الحكومة إلى تحسين أمن مصر في مجال الطاقة بتوسيعها قطاع النفط والغاز. ومن المتوقع أن تساهم احتياطيات الغاز غير المستكشفة في البحر المتوسط في استقلال البلاد في مجال الطاقة مستقبلا، مع استمرار ارتفاع الطلب المحلي على الطاقة.
وفي حين يرى الرئيس عبدالفتاح السيسي بلده مركزا للإنتاج وإعادة التصدير للأسواق العالمية، أعربت مصر أيضا عن نيتها في تنمية الطاقة المتجددة باعتبارها الدولة المضيفة لمؤتمر المناخ كوب 27 لسنة 2022.
وقبل المؤتمر المذكور، التزمت السلطات برفع حصة الطاقة البديلة إلى 42 في المئة من مزيج الطاقة بحلول العام 2035، ثم عدلت الهدف لاحقا إلى 2030.
وفي يونيو الماضي، أعلن وزير الكهرباء آنذاك محمد شاكر عن هدف جديد يتمثل في حصة الطاقة النظيفة تبلغ 58 في المئة بحلول سنة 2040.
وبعد ذلك عدلت الحكومة هدفها للطاقة المتجددة في أكتوبر، وخفضته إلى 40 في المائة من مزيج الطاقة. وفي ذلك الوقت، أكد وزير البترول بدوي أن الغاز سيظل عنصرا حاسما في استراتيجية الطاقة لسنوات قادمة.
وفي الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الطاقة لحوض المتوسط لسنة 2024، قال بدوي “هذه رسالة لنا لكي نعمل سويا لزيادة الاكتشافات وجذب مزيد من الاستثمار عبر المزايدات التي يتم طرحها للبحث لتحقيق اكتشافات جديدة في منطقة يزخر بالثروات خاصة الغاز.”
وتسعى الحكومة المصرية اليوم إلى استعادة ثقة الشركات الأجنبية بعد أزمة الطاقة في 2024، فبعد الانخفاض الحاد في إنتاج الغاز، اضطرت مصر إلى استيراد شحنات غاز بقيمة مليارات الدولارات لتلبية الطلب المحلي خلال الصيف.
ولجأت وزارة الطاقة إلى تقنين الكهرباء للحفاظ على إمدادات الطاقة مع تناقص احتياطيات الغاز وارتفاع الطلب. وفي خضم أزمة العملة، قدمت دول مثل السعودية وليبيا الدعم لمساعدة البلاد على تمويل وارداتها من الغاز.
وخسر الجنيه 60 في المئة من قيمته بين مارس وسبتمبر 2024 ضمن سياسة تحرير سعر الصرف للحصول على تمويلات من صندوق النقد الدولي. كما ورد أن ديونا تراكمت على مصر، وتقدر بنحو 6 مليارات دولار تتعلق بإمدادات الغاز والوقود.
ويهدف الرئيس السيسي ووزير الطاقة بدوي في الوقت الحالي إلى تأمين استثمارات جديدة من خلال عطاءات النفط والغاز القادمة وطمأنة الشركات العاملة بالفعل في السوق المحلية.