لا نهاية لحرب واشنطن ضد الجهاديين في أفريقيا

استراتيجية أميركية جديدة تحتوي حركة الشباب الصومالية بدل تدميرها.
الاثنين 2020/03/09
جهود بلا نتائج كبرى

توالت الإعلانات الأميركية عن تحقيق انتصارات ضد الجماعات المتطرفة في أفريقيا وخاصة ضد حركة الشباب الصومالية. لكن حتى بإعلان القيادة العسكرية الأميركية الأحد، عن مقتل قيادي كبير بحركة الشباب ويدعى”بشير قرقب”، فإن الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدتها واشنطن في أفريقيا باتت توصف بأنها بلا جدوى.

واشنطن – ما زال إعلان الولايات المتحدة منذ أسابيع عن عزمها رسم استراتيجية جديدة لتنظيم وجودها العسكري في القارة الأفريقية الحبلى بالحركات الجهادية يثير جدلا في الأوسط الأميركية التي تعتقد أن تحركات واشنطن العسكرية خاصة في الصومال بقيت بلا جدوى وبلا فاعلية.

ورغم إعلان القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الأحد، عن مقتل القيادي الكبير في حركة “الشباب” الإسلامية الصومالية بشير محمد محمود، الملقب بـ”بشير قرقب”، فإن ذلك لم يمنع من حدة التشكيكات بشأن الجهود الأميركية.

وكان قرقب عضوا في المجلس التنفيذي لحركة “الشباب” الصومالية منذ نهاية عام 2008، وفق وزارة الخارجية الأميركية وأفريكوم. ويشتبه بتورطه في تدبير الهجوم الذي استهدف قاعدة أميركية في جنوب شرق كينيا بداية يناير وأدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين.

وقال الكولونيل كريستوفر كارنز المسؤول عن العلاقات العامة في قيادة أفريقيا ردا على سؤال عن تقارير صحافية أعلنت مقتل قرقب، إن “الغارة الجوية التي قتلت هذا الإرهابي كانت في 22 فبراير”.

وأضاف “كان بشير محمد محمود قائد عمليات من الدرجة الأولى، كما كان عنصرا مهما في جماعة الشباب منذ أكثر من عقد”.

13 عاما لتقضي الولايات المتحدة على حركة الشباب إذا تمسكت بنهج القضاء على مقاتل أو اثنين يوميا

وكثرت التشكيكات بمدى فاعلية التحركات الأميركية للقضاء على حركة الشباب الصومالية، خاصة بعدما دأب البنتاغون بشكل شبه يومي على الإعلان عن شنّ ضربات جديدة ضد حركة الشباب، دون أن يظهر ذلك تأثيرا على قدرة الجماعة المرتبطة بالقاعدة على زعزعة البلاد في خضمّ ما يبدو “حربا بلا نهاية” تخوضها الولايات المتحدة.

ويرى مراقبون أنه وعلى الرغم من الإعلانات المتتالية عن ضرب حركة الشباب فإن الولايات المتحدة باتت تخوض حربا بلا جدوى لا تلبي تطلعات الرئيس دونالد ترامب.

وفي حين تعتزم واشنطن تقليص حضورها في أفريقيا لتركيز جهودها على منافسيها الاستراتيجيين -الصين وروسيا- على حساب دعم العملية الفرنسية ضد الجهاديين في الساحل الأفريقي مثلا، لا تبدو الحرب ضد حركة الشباب معنية بهذه النية.

وأعلنت واشنطن منذ منتصف شهر فبراير عن خطة أولية لتنظيم وجودها العسكري في أفريقيا، ما أثار القلق من خفض واشنطن عدد قواتها التي تقاتل المتشددين في القارة السمراء.

وقال مسؤولون في البنتاغون إن التعديل الأول سيشهد استبدال جزء من فرقة مشاة تضم نحو 800 جندي بعدد مماثل من المتدربين والمستشارين العسكريين لدعم القوات المحلية في “الدول الأفريقية”.

وأكد قائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال روجر كلوتييه سابقا “الرسالة التي أنقلها إلى شركائي الأفارقة هي أننا لن نغادر”، مضيفا “نحن لا زلنا على التزامنا”.

جزّ العشب

صراع متواصل
صراع متواصل

وتعد هذه الخطوة الأولى للمراجعة الشاملة التي يقوم بها البنتاغون لانتشار القوات الأميركية حول العالم، في محاولة للمواءمة بين هذا الوجود وأولويات الدفاع الأميركية التي تصنّف الصين وروسيا كتهديدين رئيسيين.

وهذا قد يعني خفض انتشار القوات الأميركية المخصصة لمواجهة التهديد الذي يشكله المتطرفون، بما في ذلك في أفريقيا.

وتنشر الولايات المتحدة نحو 6000 جندي في أفريقيا، بينهم 800 في غرب أفريقيا و500 من القوات الخاصة في الصومال، إضافة إلى عدد غير محدد في قاعدة جوية في النيجر.

وتعتمد الولايات المتحدة في عملياتها الميدانية في غرب أفريقيا على القوات الفرنسية بشكل خاص وسائر القوات الأفريقية المختلفة، لكن الاستراتيجية الأميركية تحولت في الغالب إلى “احتواء” الجماعات المتطرفة بدلا من تدميرها. وذكر المفتش العام في البنتاغون في تقرير حديث حول عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية في إفريقيا أن “التهديد الإرهابي في أفريقيا لا يزال مستمرا، وفي العديد من الأماكن لا يزال آخذا في النمو”.

واعتبر قائد قوات المشاة الأميركية في أفريقيا الجنرال روجر كلوتير مؤخرا أن حركة “الشباب تمثل أحد أكبر التهديدات الأكثر جدية في القارة، فهي تطمح لمهاجمة بلدنا”.

وأضاف في مؤتمر عبر الهاتف بالبنتاغون أنه يجب “أن نتعامل جديا مع الخطر الذي تمثله… لهذا نحن نركز عليهم”.

والجمعة، أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان، شنّ ضربة في ضواحي كونيو بارو جنوب الصومال، أدت إلى مقتل عنصر من حركة الشباب.

وهذه الضربة هي العشرون للجيش الأميركي ضد الشباب في الصومال منذ بداية العام، بعد توجيه 64 ضربة عام 2019 و43 عام 2018، وفق إحصاء أجرته منظمة نيو أميركا.

عند سؤاله مؤخرا عن الضربات الأميركية ضد الجماعات الجهادية في ليبيا والصومال، قال وزير الدفاع مارك إسبر إن “هذا ما نسميه جزّ العشب”.

وأضاف “يعني ذلك أنه بين الحين والآخر، يجب القيام بأشياء مشابهة للحفاظ على السيطرة وضمان ألاّ يزيد الخطر ويعاود الظهور”.

وتقول التقديرات إن عدد مقاتلي حركة الشباب يتراوح بين 5 و9 آلاف، وإذا تمسكت الولايات المتحدة بهذا النهج، أي القضاء على مقاتل أو اثنين يوميا، سيتطلب التغلب على الحركة 13 عاما على الأقل. أي أنها ستتحول إلى “حرب بلا نهاية” من الصنف الذي يمقته الرئيس دونالد ترامب. وفي أول تقرير أعلن للرأي العام حول العملية العسكرية

الأميركية في الصومال، نشر في فبراير، ذكّر المفتش العام لوزارة الدفاع غلين فاين بأن مهمة “أفريكوم” هي أن تقوم “في أفق 2021 بإضعاف حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال والجماعات المتطرفة الأخرى في شرق أفريقيا، بحيث تصير عاجزة عن الإضرار بمصالح الولايات المتحدة”.

وأضاف مكتب المفتش العام، وهو هيئة مستقلة في البنتاغون، أنه “رغم الضربات الأميركية المتواصلة والدعم الأميركي للقوات الأفريقية الشريكة، يبدو أن حركة الشباب تمثل تهديدا متصاعدا، وتسعى إلى استهداف الأراضي الأميركية”.

في الأثناء، هاجمت الحركة يوم 5 فبراير قاعدة عسكرية أميركية كينية في جنوب شرق كينيا، قرب الحدود مع الصومال، ما أدى إلى مقتل 3 أميركيين.

ونفذت يوم 28 ديسمبر إحدى أكثر العمليات دموية خلال عقد في الصومال، عبر تفجير بسيارة مفخخة في العاصمة مقديشو أوقع 81 قتيلا.

بلا جدوى

التقديرات تقول إن عدد مقاتلي حركة الشباب يتراوح بين 5 و9 آلاف
التقديرات تقول إن عدد مقاتلي حركة الشباب يتراوح بين 5 و9 آلاف

لدى النواب الأميركيين مخاوف من غياب نتائج ملموسة لهذه الحرب التي تتم عبر الطائرات المسيّرة ومجموعة صغيرة من قوات النخبة في الميدان.

وعند سؤاله نهاية يناير حول الضربات شبه اليومية التي تبدو بلا جدوى، دافع قائد “أفريكوم” الجنرال ستيفن تاونسند عن الاستراتيجية الأميركية، وقال “لا أظن أنها عقيمة”، مضيفا “نسعى لخفض قدراتهم”.

وبالنسبة لكاثرين بيستمان الباحثة في معهد واتسون الذي يحتسب سنويا كلفة الحروب الأميركية “لم تحسن التدخلات العسكرية في الصومال الوضع، بل عززت سيطرة الشباب على السكان”. وأضافت أن حركة الشباب تستفيد من اقتصاد الحرب عبر ابتزاز السكان والسطو على الأموال المتأتية من المساعدات الدولية.

إضافة إلى ذلك، تعتبر منظمة العفو الدولية أن الضربات الأميركية توقع ضحايا مدنيين، حتى إن ادّعى الجيش الأميركي عكس ذلك. وفي تقرير نشر العام الماضي، اتهمت المنظمة الجيش الأميركي بقصف المدنيين والمتطرفين دون تمييز، ما أدى إلى مقتل مزارعين وعمال وحتى أطفال.

وعقب إجراء تحقيق داخلي، اعترف الجيش الأميركي بمسؤوليته عن مقتل امرأة وطفل في الصومال.

7