لا صوت يعلو فوق صوت أردوغان

منصات التواصل الاجتماعي في تركيا تحول إلى ساحة ينفس فيها الأتراك عما يغضبهم ويوجهون انتقادات للحكومة والرئيس أردوغان رغم تعرضهم للمساءلة القضائية.
الثلاثاء 2020/04/14
من يروض "الثور الهائج"

مشروع قانون جديد من المقرر عرضه الأسبوع القادم على البرلمان التركي يسعى إلى ربط سلسلة من إجراءات الرقابة على الإنترنت بحزمة مساعدات اقتصادية، يقول منتقدوه إنه مقدمة لحجب مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد.

أنقرة- اقترحت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشروع قانون يسعى إلى وضع سلسلة من إجراءات الرقابة على الإنترنت مع ربطها بحزمة مساعدات اقتصادية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في اقتصاد تركيا الذي تضرر من أزمة فايروس كورونا.

ووفقا لمشروع القانون الجديد فإن منصات التواصل الاجتماعي هي الكيانات القانونية التي تسمح للمستخدمين بإنشاء أو عرض أو مشاركة البيانات مثل النص والصور والصوت والموقع عبر الإنترنت بغرض التفاعل الاجتماعي، وينص القانون الجديد على أن الموقع سيتحمل مسؤولية أي محتوى غير لائق ينشره المستخدمون على منصاتهم، ويسري القانون على أي منصة بها أكثر من مليون مستخدم في تركيا.

وينص مشروع القانون على أنه “من حق الحكومة التركية تعيين شخص واحد مفوض على الأقل كممثل في تركيا لتسجيل الإخطارات أو الإعلانات أو الطلبات التي ترسلها المؤسسات والجمعيات والهيئات القانونية والإدارية، وأن يكون مـسؤولا عن مشاركة معلومات هوية واتصال الشخص الذي نشر محتوى غير لائق مع المؤسسة”.

كما ينص على أن الشركات التي لا تلتزم بالإجراءات الجديدة قد تتعرض لخفض عرض النطاق الترددي لها إلى النصف بعد 30 يوما بأمر من المحكمة، ثم خفضه بنسبة 95 في المئة إذا استمرت بتجاهل القانون 30 يوما أخرى.

ومشروع القانون المقرر عرضه على البرلمان الأسبوع المقبل، سيطبق على مواقع التواصل الاجتماعي التي يصل إليها أكثر من مليون شخص من تركيا يوميا، مثل تويـتر وفيسبوك وإنستغرام.

يامان آكدنيز: نحن نسير بخطى سريعة صوب دولة من الممكن أن تتم فيها السيطرة الكاملة على الإنترنت
يامان آكدنيز: نحن نسير بخطى سريعة صوب دولة من الممكن أن تتم فيها السيطرة الكاملة على الإنترنت

وفي الوقت الذي تفرض فيه حكومة حزب العدالة والتنمية سيطرتها على وسائل الإعلام المختلفة، مع اختفاء الإعلام المعارض، والزج بالصحافيين في السجون، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة ينفس فيها الأتراك عما يغضبهم ويوجهون انتقادات للحكومة والرئيس، رغم تعرضهم للمساءلة القضائية.

وتخضع الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي في تركيا لرقابة مشددة، ويمكن أن تودي على سبيل المثال تغريدة على موقع تويتر بصاحبها إلى السجن بتهم أبرزها “إهانة الرئيس.

وشهدت تركيا 66691 تحقيقا قضائيا بتهمة “إهانة الرئيس” منذ انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2014، حتى أبريل 2019. ونتج عن التحقيقات محاكمة 12305
شخص.

وصرح أوزغور أكتوتون رئيس رابطة خريجي علم الاجتماع، لصحيفة بيرغون التركية بأنه على الرغم من أن تركيا “مجتمع من المخبرين” منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، فإنهَ “من المدهش مدى تفشي استخدام البلاغات بشأن كل مسألة”.

وتُعتبر “إهانة الرئيس” جريمة وفقًا للمادة 299 من قانون العقوبات التركي الذي اعتُمد في عام 1926. وإذا أُدين شخص بتلك التهمة، يُعاقب بالسجن لمدة يمكن أن تصل إلى أربع سنوات – وقد تزيد هذه المدة إذا كانت الإهانة علنية.

ويقول مراقبون إن استخدام أردوغان للمادة 299 من قانون العقوبات التركي كأداة لتخويف معارضيه تكتيك فعَّال للغاية: فإذا كان بمقدوره أن يزج شخصيات بارزة في السجن.

وكشفت وزارة الداخلية أن الأسابيع الثلاثة الأخيرة، شهدت مراجعة أكثر من 3500 حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم التعرف على 616 مشتبها به، واعتُقل 229 شخصا بسبب منشوراتهم “الاستفزازية” على تلك المواقع. لكن معلقين يقولون إن عدد المعتقلين يتجاوز ألفي شخص.

وقوبلت هذه الخطوة بانتقادات شديدة لأن مثل هذه الإجراءات من شأنها تمهيد الطريق أمام النظام لفرض الوصاية على الإعلام الاجتماعي.

وفي حديث مع صحيفة “ديلي صباح” قال يمان أكدينيز، خبير الإنترنت والأستاذ في جامعة إسطنبول بيلغي، إنه إذا لم تعين شركات مثل يوتيوب وتويتر ممثلين لها، فستتحول نتيجة الإجراءات الجديدة بالتدريج إلى شركات محظورة في تركيا.

وأضاف “وفي حال قيام هذه المنصات بتعيين ممثلين لها في تركيا، فستتم مراقبة عمليات حظر الوصول وإغلاق الحسابات وإزالة المحتوى عن كثب”.

ويقول جون لوبوك منسق العلاقات العامة في منظمة ويكيبيديا في مقال نشر في موقع “أحوال”، “من المثير للاهتمام أن الحكومة التركية تهدف إلى إنهاء سياسة إخفاء الهوية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يشبه بالفعل إلى حد كبير ما حاولت الحكومات الغربية وفشلت في فعله، لأن إخفاء الهوية كان دائما جزءا أساسيا من قوانين الإنترنت، ومن غير الواقعي توقع أن تقوم جميع مواقع التواصل الاجتماعي بتطبيق أنظمة لتأكيد هوية مستخدميها”.

ويضيف أن “إنشاء قاعدة بيانات تربط حسابات وسائل التواصل الاجتماعي بالهويات الرسمية سيكون مفيدا جدا للزعماء الاستبداديين مثل أردوغان”.

وكانت تقارير الشفافية التي نشرها موقع تويتر أكدت أن تركيا هي الدولة التي أصدرت معظم طلبات حجب المحتوى في عام 2019، بإجمالي 6 آلاف طلب، ومنحت الموافقة على نسبة 5 في المئة منها فقط.

نظام أردوغان يستهداف حرية الرأي والتعبير
 نظام أردوغان يستهداف حرية الرأي والتعبير

والقانون الجديد هو في جزء منه رد على عدم قدرة الحكومة التركية على فرض رقابة على المحتوى على مواقع الويب التي لا تتخذ من تركيا مقرا رئيسيا لها، مما يعني أنها لا تستطيع ممارسة ضغوط قانونية محلية على فرض الامتثال للرقابة.

وعن الهدف من وراء هذا القانون، قال المحامي التركي وخبير حقوق الإنترنت يامان آكدنيز إن “الهدف الرئيسي من القانون هو وضع شبكة الإنترنت تحت سيطرة هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (BTK) تحت شعار رنان هو المصلحة العامة”.

وأوضح آكدنيز أن “الحكومة في تركيا أظهرت من خلال هذا القانون المقترح نيتها في التدخل بمحتويات جميع شبكات التواصل الاجتماعي”.

وتابع “كما أن هذه الشبكات إذا لم تعين ممثلين لها، وتخطر السلطات التركية بهم، فإن السلطات المعنية ستقوم بحجب الوصول إلى تلك المواقع مع الوقت، وهذا هو الواضح من مشروع القانون”.

وأضاف خبير حقوق الإنترنت “نحن نسير بخطى سريعة صوب دولة تركية من الممكن أن تتم فيها السيطرة الكاملة على الإنترنت، وهذا ما يسعى إليه النظام الشمولي”.

وهذه التعديلات المرتقبة أثارت حفيظة المعارضة التركية داخل البرلمان، والتي شددت على ضرورة عدم استهداف حرية الرأي والتعبير، مشيرة إلى أن توقيت مثل هذه القوانين غير مناسب في ظل فايروس كورونا.

القانون الجديد هو في جزء منه رد على عدم قدرة الحكومة التركية على فرض رقابة على المحتوى على مواقع الويب التي لا تتخذ من تركيا مقرا رئيسيا لها

وشدد الصحافي والنائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري أوتكو تشاكير أوزر على أن “نظام أردوغان يستهداف حرية الرأي والتعبير”. وأشار إلى أن “المواد التي أدرجت ضمن هذا القانون تسعى لتشديد الرقابة والوصاية على مواقع التواصل الاجتماعي”.

وتابع “قانون مواقع التواصل الاجتماعي مؤشر على أن الحكومة ليست لديها أي نوايا صادقة بخصوص الديمقراطية والحريات، وإنه من غير المقبول في مثل هذه الأيام أن يتم الزج بكل المنتقدين للنظام في السجون بمثل هذه القوانين”.

وقال النائب البرلماني عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض ساروهان أولوتش إن “نظام أردوغان يسعى من وراء مثل هذه القوانين لمعرفة جميع ما يتبادله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا من معلومات”.

وأضاف “عند النظر لمشروع القانون، نرة بوضوح ما يخطط له النظام الاستبدادي، إخراس الجميع.. لا أحد يتحدث، لا أحد ينتقد. وإلا العقاب أو الرقابة”.

وتواصل تركيا تراجعها في مؤشر الحريات، لتحتل المركز الثاني بين أكثر دول العالم تدهورا خلال السنوات العشر الأخيرة، بحسب أحدث نسخة من التقييم السنوي للحريات الأساسية الخاص بـ2020 والصادر عن منظمة “فريدوم هاوس” الحقوقية الأميركية.

19