لا شيء يتغير في أزمة المياه بالعراق رغم التقارب مع تركيا

مناطق منكوبة وتحذيرات من صيف صعب ينتظر العراقيين.
الجمعة 2025/04/04
قطاع الزراعة الأكثر تضررا من الأزمة المائية

الآمال التي يعلّقها العراق على تقاربه مع تركيا لحلحلة أزمة المياه تبدو مبالغا فيها، فأنقرة ليست بصدد منح بغداد أي مكاسب ملموسة بشأن تنظيم تقاسم مياه نهري دجلة والفرات وتكتفي بإسداء النصائح لها وعرض مساعدات تقنية عليها في مجال ترشيد الاستهلاك والحّد من الهدر المائي، أما إيران المساهمة في الأزمة فماضية في مشاريعها المائية المتجاوزة على حصص العراق في الروافد المشتركة، وكل ذلك جنبا إلى جنب تفاقم ظاهرة التغير المناخي وتناقص الأمطار.

بغداد- عصفت ملامح أزمة المياه الحادّة التي بدأت تشهدها مناطق عراقية بالآمال التي أذكاها التقارب بين العراق وتركيا المساهمة بشكل رئيسي في تناقص منسوب نهري دجلة والفرات أهم موردين للمياه العذبة في البلاد بتكثيفها إقامة السدود على النهرين خدمة لبرنامجها التنموي الطموح وما يتضمنه من مشاريع زراعية وصناعية شديدة النهم للماء.

وعقدت السلطة المحلية في محافظة ذي قار بجنوب العراق جلسة طارئة للنظر في أزمة المياه الحادّة أعلنت خلالها أحد أقضية المحافظة منطقة منكوبة جرّاء انقطاع الماء عنه بشكل كامل، بينما حذّر خبير في السياسات المائية من صيف عراقي صعب تتكرس خلاله الأزمة وتتعمّق آثارها على حياة السكّان.

رمضان حمزة: الإطلاقات المائية في العراق بشكل عام قليلة ودون المستوى المطلوب

وتطرح مشكلة المياه التي تنامت خلال سنوات قليلة بشكل سريع فاجأ السلطات العراقية جرّاء ظاهرة التغير المناخي وإفراط الجارتين إيران وتركيا في استغلال مياه الروافد المائية المتجهة من أراضيهما صوب الأراضي العراقية، على البلد تحديات كبيرة مؤثرة بشكل مباشر على حياة سكانه وأنماط عيشهم فضلا عن تأثيراتها الخطرة على مسار التنمية الضعيف والمتعثّر أصلا في البلاد.

ويهدّد شح المياه الأمن الغذائي للعراقيين بتأثيره على الإنتاج الزراعي، كما يهدد استقرار بعض المجتمعات المحلية المعتمدة على الرعي والزراعة ويدفع أعدادا من أبنائها إلى النزوح نحو مناطق أخرى وخصوصا باتجاه المدن الكبرى غير المفتقرة بدورها أصلا لمشاكل الاكتظاظ والبطالة وسوء الخدمات.

وعلّقت الحكومة العراقية آمالا كبيرة على تقاربها مع السلطات التركية في مجالات أمنية واقتصادية لتكون أساسا لتليين الموقف التركي من قضية تقاسم مياه نهري دجلة والفرات. وقد تكثّف التواصل بين الجانبين لحلحلة القضية دون أن يكون لذلك أثر ملموس على أرض الواقع حيث ما تزال أزمة المياه قائمة وتتفاقم مع مرور الزمن، ذلك أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما تزال متوقفة عمليا عند إصدارها وعودا لنظيرتها العراقية بإيجاد حلول للمشكلة دون أن تمكّنها من أي إنجازات ملموسة عدا مقترحاتها بأن تشاركها تقنيات ونظم التحكم في المياه وترشيد استهلاكها والحد من هدرها.

وحذّر خبير الإستراتيجيات والسياسات المائية رمضان حمزة من ارتهان العراق في أمنه المائي للمزاج السياسي لجارتيه تركيا وإيران المتحكمتين في المنابع، مشيرا إلى توفر كل المعطيات والظروف المهيئة لصيف صعب في البلاد.

ونقلت عنه وكالة بغداد اليوم الإخبارية قوله إنّ “الإطلاقات المائية في العراق بشكل عام قليلة ودون المستوى المطلوب وخاصة هذا العام وهي شبه جافة بسبب تأخر الأمطار إلى بداية الربيع حيث كانت قليلة الفائدة.” وذكّر بأن “سد دوكان يتم تغذيته من الزاب الأسفل وعليه منشآت إيرانية والرئيس الإيراني زار بحيرة كورميه وأمر بتغذيتها، وذلك على حساب حصة العراق المائية.”

خالد شمال: ملف المياه أصبح سياديا تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء

ويتمسّك العراق بحقوقه القانونية في تقاسم عادل لمياه النهرين، لكنّه لا يجد إلى حدّ الآن سبيلا لفرض تلك الحقوق. وأكدت وزارة الموارد المائية أن الاتفاقية الإطارية بين العراق وتركيا ضمنت حقوق العراق المائية لعشر سنوات.

ووصف المتحدث باسم الوزارة خالد شمال الوضع المائي في العراق بـ”المستقر نتيجة إجراءات الوزارة التي أسهمت في تعزيز القدرة على إدارة المياه.”

لكن حالة الاستقرار التي تحدّث عنها شمال لا تنطبق على مختلف مناطق البلاد التي بدأ بعضها يشهد تحوّلا خطرا في مستوى الأزمة.

وقررت محافظة ذي قار اعتبار قضاء سيد دخيل منطقة منكوبة جراء تفاقم أزمة المياه. وقال المتحدث باسم مجلس المحافظة، أحمد سليم خلال مؤتمر صحفي عقد في مجلس المحافظة إنّه بالنظر لما تمر به محافظة ذي قار وأقضيتها ونواحيها تم عقد جلسة طارئة لمجلس المحافظة وقد خرجت هذه الجلسة بعدة مقررات، من بينها تشكيل غرفة عمليات برئاسة محافظ ذي قار ونائب رئيس مجلس المحافظة، إضافة إلى المدراء العامين في المحافظة، للتواصل مع محافظ واسط المجاورة لغرض الوقوف على الحصص المائية المقررة للمحافظة والتنسيق بشأنها لتقليل آثار الأزمة.

ونقلت وكالة الأنبار الرسمية العراقية عن غزوان عبدالأمير معاون مدير عام هيئة تشغيل الري والبزل في وزارة الموارد المائية قوله إنّ محافظة ذي قار تعاني حاليا من شحة مائية نتيجة تفاقم انتشار نبات الشمبلان في أغلب الجداول إلى جانب قلة التخصيصات المالية لملف المياه في المحافظة.

وأشار ذات المسؤول إلى وجود عوامل أخرى مكرسة لأزمة المياه في ذي قار من بينها ما تشهده المحافظة من تجاوزات كبيرة على الخطة الزراعية حيث بلغت نسبة الزراعة مئتان في المئة من المساحة المقررة “ما أدى إلى زيادة التجاوزات على النواظم وتشغيل المضخات بشكل فوضوي وهو ما ساهم في تعقيد المشكلة.”

وذكّر بأن “الإجراءات المتفق عليها مع مجلس محافظة ذي قار وبالتنسيق مع مدير عام هيئة التشغيل والمسؤولين في وزارة المياه تتضمن تحجير استخدام كل جداول مقدم سدة الكوت وجداول نهر الغراف ضمن محافظة واسط، باستثناء الجداول المرتبطة بمشاريع إسالة المياه، لتأمين وصول كميات كافية من المياه إلى مقدم سد البدعة،” مضيفا أن “الخطة تتضمن كذلك تشغيل محطات الإسالة بطاقتها القصوى بالتزامن مع توفير الآليات اللازمة وبالتعاون بين تشكيلات الوزارة والدوائر الخدمية، لتسليك مجاري الإسالات وإزالة نبات الشمبلان.”

صراعات متوقعة على المياه بين المحافظات والمناطق والعشائر كمظهر على تأثير الأزمة على الاستقرار الهش في العراق

ويعتبر الخلاف بين محافظتي ذي قار وواسط مقدّمة لصراعات متوقّعة على الماء بين المناطق والمحافظات وحتى بين العشائر والعوائل لتكون بذلك لأزمة المياه تبعاتها على الوضع الأمني الهش في العراق وما يتميّز به البلد من انتشار واسع لظاهرة حمل السلاح واستخدامه خارج نطاق الدولة.

وأشار المتحدث باسم وزارة الموارد المائية من جهته إلى وجود حملة وطنية شاملة لرفع التجاوزات على الأنهر والشواطئ وإزالة أحواض الأسماك غير المجازة، موضحا في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية أن “الوزارة نفذت عدة إجراءات لتعزيز تدفق المياه في نهر الفرات من بينها تغذيته مباشرة من نهر دجلة عبر مقدمة سدة سامراء، فضلا عن ضخ المياه من بحيرة الثرثار بواسطة مضخات.”

وعن الجهد الخارجي للوزارة قال شمال إن “الجانب التفاوضي بشأن ملف المياه شهد نقلة نوعية حيث أصبح ملفا سياديا تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء وضمن لجنة تضم ممثلين عن مختلف الوزارات والمؤسسات المعنية،” موضّحا أن التفاوض مع الجانب التركي بشأن ملف المياه مستمر وفق الاتفاقية الإطارية.

3