لا شيء اسمه حرب محلية في القرن الأفريقي.. حرب إثيوبيا مرشحة للتوسع

تطفو على سطح الأزمة في إثيوبيا حالة من القلق من أن التأخر في إسكات أصوات المدافع والبنادق سيجعل من مسألة نزع فتيل التوتر بالنسبة للإدارة الأميركية المقبلة، إذا لم يتمكن فريق جو بايدن الانتقالي للسياسة الخارجية من العمل مع مسؤولي دونالد ترامب المنتهية ولايته، مشكلة معقدة، حيث ستبدأ الولايات المتحدة بمواجهة أزمة غير قابلة للحل في القرن الأفريقي من شأنها أن توسع رقعة الحرب أكثر مما هو متوقع.
واشنطن - سيرث فريق السياسة الخارجية القادم في البيت الأبيض صراعا مستعصيا في إثيوبيا، يهدد بإحداث فوضى في شمال شرق أفريقيا وتدمير مؤسسات الاتحاد الأفريقي الهشة من أجل السلام والأمن، وهي أزمة اعتبرها محللون من بين “هدايا الوداع” المسمومة، التي سيتركها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وكما هو الحال في جميع الحروب كانت الحقيقة ضحية في إثيوبيا، ويلقي كلا الجانبين؛ الحكومة تحت قيادة الرئيس آبي أحمد، وقيادة منطقة تيغراي المتمردة التي جاءت منها الطبقة الحاكمة في إثيوبيا حتى تولى آبي السلطة، باللوم على الآخر حول من أطلق الرصاصة الأولى. ولكل منهما تفسيره الخاص لدستور إثيوبيا، والسلطات التي يمنحها للحكومة المركزية ومناطق مثل تيغراي.
ويعتقد أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في الولايات المتحدة، في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أنه مع كل يوم يمر وكل مذبحة للمدنيين وكل هجوم جوي على تيغراي وضربة بطائرة دون طيار، وكل صاروخ أطلقته أتباع تيغراي على مدينة أخرى في إثيوبيا أو في إريتريا المجاورة، تتراكم المظالم ومخاطر الفوضى العنيفة في جميع أنحاء المنطقة وقد تتوسع وتخرج عن السيطرة.
درس تاريخي
هناك درس تاريخي يجب التذكير به، فمنذ أكثر من أربعة عقود، وعدت إدارة جيمي كارتر قبل أن تبدأ عملها بعصر جديد من حقوق الإنسان كمبدأ لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وكانت إثيوبيا واحدة من أولى التحديات التي واجهتها أين أطاح المجلس العسكري بالإمبراطور هيلا سيلاسي وشرع في حملة قمع قاسية.
وبعد أسبوعين من تنصيب كارتر، نظّم الدكتاتور الإثيوبي الجديد، منغستو هيلا مريام، مسيرة حاشدة في ساحة الثورة التي أعيدت تسميتها حديثا في أديس أبابا، وألقى ثلاث زجاجات من سائل أحمر يشبه الدم على الأرض، ووعد بسحق كل أعدائه بهذه الطريقة.
ويشير دي وال إلى أن منغستو أطلق في ذلك اليوم ما يسمى بـ”الإرهاب الأحمر”، وكانت حملة تعذيب وقتل استمرت لمدة سنة وقُتل خلالها عشرات الآلاف من الإثيوبيين ونُفي الملايين.
وفي تلك الأيام لم تفكر الولايات المتحدة في التدخلات العسكرية في أفريقيا، ولم يكن بإمكان كارتر فعل الكثير باستثناء إدانة منغستو ووقف المساعدة العسكرية.
ويتفق المؤرخون على أن كارتر لم يتردد بشأن ما يجب فعله حيال طموحات الدكتاتور الموالي للسوفييت في الصومال المجاورة، الجنرال محمد سياد بري، الذي رعى أحلام ضم منطقة أوغادين الإثيوبية.
وبالنسبة لبري، كانت الاضطرابات في إثيوبيا مغرية، وحشد جيشه للغزو، وبدلا من الإشارة إلى أن مهاجمة إثيوبيا كانت خاطئة، أرسلت إدارة كارتر رسائل مختلطة اعتبرها بري بمثابة ضوء أخضر للغزو. ومع عبور الدبابات الصومالية الحدود، دعت إثيوبيا الاتحاد السوفييتي إلى تقديم المساعدة العسكرية.
وحينها، تراجعت الولايات المتحدة، التي اعتبرت إثيوبيا إلى جانبها خلال الحرب الباردة، وكان من الممكن أن تتدخل لولا الوجود السوفييتي، إذ لم ترغب في بدء الحرب العالمية الثالثة بسبب نزاع إقليمي أفريقي.
وفي واحدة من أكثر الاضطرابات إثارة للدهشة في الحرب الباردة، أصبحت الصومال، التي كانت حليفة الاتحاد السوفييتي جزءا من الكتلة الغربية وتحالفت إثيوبيا مع الاتحاد السوفييتي، لتنتهي الحرب بانتصار الإثيوبيين.
ولكن الجيش الإثيوبي الأكبر في أفريقيا جنوب الصحراء بقي غير قادر على سحق التمردات في أماكن أخرى، مثل إريتريا وتيغراي وأورومو. وكل بضعة أشهر، كان منغستو يعلن هجوما نهائيا واعدا بتدمير الخارجين عن القانون أو قطاع الطرق أو الإرهابيين أو الانفصاليين، ليجد نفسه في 1991 مطرودا من السلطة من طرف المتمردين.
ومن الواضح أن هذا درس بسيط للإدارة الأميركية حيث يسهل أن تبدأ الحروب في إثيوبيا ويصعب إيقافها، ومن الأفضل، بحسب دي وال، وقف العمليات العسكرية قبل أن تتصاعد وتنتشر، خاصة وأن هذا الدرس تكرر بعد سبع سنوات.
الحل بأخف الأضرار

منذ ذلك التاريخ وإثيوبيا تحت حكم المتمردين بقيادة التيغراي، الذين شكلوا حكومة، وكانت إريتريا تحت حكم حلفائهم في حرب التحرير ضد منغستو وكان كل من رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي، والرئيس الإريتري إسياس أفورقي حليفين مقربين لواشنطن.
لكن، تصاعد نزاع حدودي طفيف في مايو 1998 حول بلدة بادم إلى مواجهة عسكرية، وواجهت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية الشابة المعينة حديثا، سوزان رايس، أول تحدّ صعب في منصبها.
وبتعاملها مع الرئيس الرواندي بول كاغامي، كادت رايس أن تنجح في التوصل إلى حل وسط أدى إلى تهدئة الصراع، لكن إسياس رفض النهج في اللحظة الأخيرة واعتقد أنه قد ينتصر في الحرب، رغم أنه قال في ذلك الوقت إن إثيوبيا كانت مستعدة للانهيار مثل يوغوسلافيا.
في النهاية، لم تنجح رايس وكاغامي في منع حرب أصبحت من أكثر الصراعات التقليدية دموية في القارة، وأودت بحياة 80 ألف جندي شاب من الجانبين. لكن اقتراحهما دفع نحو تحقيق مستقل حول من بدأ الحرب ليبقى الوسطاء الأفارقة والأميركيون على حياد.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس حكيما بالحد من أهداف حربه لصد الغزو الإريتري، وعندما انتصر جيشه في ساحة المعركة وكان على وشك اجتياح إريتريا، دعا إلى التوقف.
ولم يغفر إسياس هذا الانتصار والازدراء وحلّت ثمانية عشر سنة من الحرب الباردة بين إثيوبيا وإريتريا حتى وصل رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب الجديد آبي أحمد، إلى أسمرة في 2019 لاحتضان إسياس وإعلان السلام، ولقد كانت واحدة من إصلاحات أطلقها سلف آبي، هايلي مريام ديسالين، وجنى جائزة نوبل للسلام.
لكن إسياس لم يصلح شيئا، وربما كان الأكثر تشددا من أي حاكم أفريقي، فليس لإريتريا دستور، ولا أحزاب سياسية، ولا إعلام مستقل، ورأى إسياس في السلام مع إثيوبيا اتفاقا أمنيا لسحق التيغراي، وإذا تمكن من إقناع الجيش الإثيوبي بتدمير نفسه كما فعل منغستو ذات مرة، فإنه سيحقق هدفين طالما كان يعتز بهما.
ومثل الكثير من دول العالم، أعجبت إدارة ترامب بآبي، لكن، وفي القرن الأفريقي، تكون مؤهلات الإصلاحيين الاشتراكية أو الليبرالية ثانوية أمام مشاعر الكبرياء القومي، وتصبح السذاجة بشأن هذه الحقيقة خطرة عندما يخوض بلد ما الحرب.
وتبقى ظروف الحرب الإثيوبية في تيغراي غير واضحة إذ أن جوانب النزاع القانونية، حول ما إذا كان لتيغراي حق إجراء انتخابات إقليمية دون موافقة الحكومة الفيدرالية، مفتوحة للتفسير في أي من الاتجاهين.
وهناك ثلاثة أطراف محاربة؛ الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا، وجبهة تحرير شعب تيغراي، والإريتريون، وتنطلق الطائرات المسلحة دون طيار التي تقضي على درع تيغراي من القاعدة الجوية الإريترية في عصب.
وتبدو بصمات إسياس منتشرة في جميع أنحاء الحرب، ومن المحتمل أنه يعرف أنه لن يفلت من العقاب في اللحظة التي تعود فيها رايس إلى المنصب في ظل رئاسة بايدن.
ويتضح من المعارك والغارات الجوية والهجمات الصاروخية ومذابح المدنيين أن هذه حرب كبرى، ولن ينتهي الأمر إذا استولى الجيش الإثيوبي على تيغراي وأعلن النصر، إذ سيتحول الأمر إلى حرب عصابات.
وقد تحول آبي إلى الخطاب القومي، وتنشر وسائل الإعلام الإثيوبية خطاب الكراهية المناهض لتيغراي، والذي لن يؤدي إلا إلى تعميق انقسامات المجتمع. وهنا، يجب أن يكون التاريخ هو الفيصل، فحروب إثيوبيا تقتل عشرات الآلاف إن لم يكن الملايين، والمجاعة ممكنة وتبقى الوعود بالنصر السريع مجرّد أوهام.
ويرى المحلل دي وال أن هناك سياسة واحدة معقولة في التعامل مع حرب مثل هذه، وهي افعل كل ما هو ممكن لوقفها من خلال حظر الأسلحة والعقوبات وحظر السفر لأن كلها مناسبة.
ومن المؤكد أن الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة، فإدارة ترامب تتبع حكومة آبي في نهجها ضد المنشقين، وتخوض فرق كاملة المعارك اليومية وتعج المستشفيات بالآلاف من الجنود الجرحى، بينما ستجد إدارة بايدن نفسها في مأزق إذا لم تتحرك سريعا لوقف الحرب الأهلية.
اقرأ أيضاً: آبي أحمد أمام عدة سيناريوهات إذا فشل في السيطرة على تيغراي