لا زواج ثانيا قبل تسوية ديون النفقة في الجزائر

يعول برلمانيون في الجزائر على مشروع قانون جديد من شأنه أن ينصف المطلقات وأبناءهن وذلك بالحد من تلاعب الأزواج بمسألة النفقة. وينص مشروع القانون الجديد على عدم إبرام عقد الزواج الثاني إلا بعد تسوية الأب لديون النفقة المترتبة عليه. وتواجه المطلقات صعوبة في العيش مع أطفالهن نظرا لحرمانهن من حقوقهن المادية نتيجة تحيل أزواجهن عليهن.
الجزائر - اقترح نواب برلمانيون جزائريون، خلال مناقشة مشروع قانون جديد للنفقة، منع إبرام أيّ عقد زواج جديد إلا بعد تسوية الأب لديون النفقة المترتبة عليه، وذلك في خطوة تستهدف إنهاء حالة التلاعب والتحايل المسجلة، أين وجدت أمهات وأطفالهن أنفسهم محرومين من الحق المذكور، بسبب تهرب المعنيين لأسباب مختلفة، فضلا عن رغبة المشرّع في توفير تكفل أفضل بهذه الفئة.
وقد دافع وزير العدل الجزائري عبدالرشيد طبي بقوة لصالح قانون النفقة الجديد لما يتضمنه من مقاصد وأهداف ترمي إلى حماية الأطفال المحضونين والمرأة المطلقة من الضغوط الاجتماعية وتأكيد تكفل الدولة بالجوانب القانونية والاجتماعية لهذا النوع من الفئات الهشة، خاصة في ظل الاستغلال الذي ظهر في بعض الفراغات التشريعية، مما أفرز ضحايا جددا داخل المجتمع.
وفي جلسة للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) خصصت لتقديم ومناقشة مشروع قانون يتضمن تدابير خاصة للحصول على النفقة، أوضح وزير العدل أن "مقاصد القانون واضحة وهي التأكيد على الدور الاجتماعي للدولة طبقا للدستور واحتراما لالتزامات الجزائر الدولية، في ما يتعلق بالتكفل بالفئات الهشة".
وأضاف أن "الدولة أخذت على عاتقها التكفل بدفع النفقة للمطلقات وللأطفال المحضونين في حال ما إذا تعذر على المدين بها (الزوج) ذلك، بحيث جاء القانون ليعالج هذه الإشكالية فقط، أما باقي الإشكاليات المتعلقة بفئات أخرى فتوجد لها حلول وعلاجات في قوانين أخرى، وأن الدستور واضح ويلقي على عاتق الدولة واجب التكفل بالفئات الاجتماعية بشكل عام والفئات الهشة والضعيفة بشكل خاص".
وكانت الجزائر قد أنشأت في عام 2015 ما سمّي بـ”صندوق النفقة” للتكفل بالنساء المطلقات والأطفال المحضونين، وتحصيل النفقة من الأزواج، استجابة لمطالب رفعت من أجل التكفل بالفئة المذكورة، وحمايتها من العجز والحاجة واستمر إلى غاية 2021، حيث ألغي بموجب قانون المالية آنذاك، بدعوى عدم فعاليته إثر ترتب ديون كبيرة عليه بسبب قلة التحصيل الأمر الذي زاد الوضعية تعقيدا.
ولفت وزير العدل في مداخلته إلى أن إسناد الصندوق إلى وزارة العدل بعدما كان مسندا إلى وزارة التضامن الوطني سيمكن موظفي العدالة من تحصيل المبالغ وفق خبراتهم السابقة، حيث أسندت المهمة إلى الأمين العام بالتنسيق مع أمين الخزينة، ليكون بذلك آلية لدفع النفقة واسترجاع أموال الدولة. وراعى النص الجديد مختلف الوضعيات الاجتماعية التي تحول دون الوفاء بدفع حقوق النفقة والإضرار بالمستفيدين منها، على غرار الوفاة أو البطالة أو العجز المادي، الأمر الذي يلزم السلطة العمومية بالتدخل لتغطية حقوق هؤلاء.
وذكر الوزير في هذا الشأن أن "التكفل بالأطفال المحضونين بعد وفاة المدين، سيكون كما هو الشأن في حالة عجز الزوج عن دفع النفقة وفق البنود الأخرى من قانون الأسرة التي تعالج هذه الوضعيات، بما فيها أنه عندما تكون المرأة المطلقة قادرة على الإنفاق على أطفالها، فإن النص يلزم الزوج بدفع النفقة".
وشدد نواب برلمانيون اللهجة تجاه المتقاعسين أو المتلاعبين بدفع النفقة من خلال جملة اقتراحات قدمت لإثراء النص الجديد، جاء على رأسها اقتراح منع الآباء المتهربين من دفع النفقة من إبرام عقد زواج جديد، إلا بعد دفع كافة المستحقات المالية العالقة لدى صندوق النفقة. وبُرر المقترح بما سمّي "المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي تقع على المدين بالنفقة تجاه الأطفال المحضونين أو نفقة المرأة المطلقة" باعتبارها صاحبة حقوق مدينة لمبالغ مالية ناتجة عن حكم قضائي صادر باسم الشعب الجزائري.
ويرى برلمانيون أنه على الدولة تفعيل مسؤوليتها في حماية الطفولة والأسرة في ظل الامتناع عدد من الآباء المطلقين عن تسديد النفقة عمدا ومن دون تفكير في أطفالهم، الأمر الذي يجعل هؤلاء المتهربين يعيدون تجديد حياتهم على أنقاض ومآسي أسرهم السابقة دون أن يدفعوا ما هم مدينون به تجاه الأطفال أو المطلقة أو الدولة.
وأشادت المحامية والمستشارة القانونية خديجة مسلم بقرار الرئيس عبدالمجيد تبون القاضي بمراجعة مشروع هذا القانون بهدف إثرائه، بعدما عرف عدة عراقيل بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة التي تعيق إيجاد آلية قانونية فعالة وناجعة لتسيير الصندوق وتبسيط الإجراءات لتصل النفقة إلى مستحقيها بكرامة وفي أحسن الأحوال، مع تشديد الرقابة لتجنب الاحتيال.
◙ الجزائر أنشأت صندوق النفقة عام 2015 للتكفل بالنساء المطلقات وأطفالهن لكنه ألغي بسبب قلة التحصيل المالي
ولفتت إلى أن "الإجراءات الموجودة سابقا كانت صعبة ومكلفة بالنسبة إلى المرأة المطلقة بسبب الوثائق الموجودة في ملف الاستفادة، وأيضا لجوء الإدارة إلى التحقيق في ملفات المستفيدات ووضعية الحالة المدنية بعد تسجيل حالات من التلاعب والاحتيال حتى أصبح الصندوق دون أثر".
وشددت مسلم على ضرورة تخفيف الإجراءات القانونية باعتماد ملف قاعدي واحد وتجديد شهادتي الحياة والحالة المدنية مع خلق فروع لهذا الصندوق، بما يمكّن المرأة الحاضنة من تحصيل هذه المنحة بصفة أكثر فعالية وأقل كلفة، مع التفكير في إجراءات بديلة لإعانة المطلقة الحاضنة عن طريق توفير منصب شغل أو المساعدة على إنشاء مشروع بهدف الوصول إلى امرأة منتجة يمكنها الاعتماد على نفسها مستقبلا.
وذكر رئيس الغرفة الجهوية للمحضرين القضائيين للوسط (كتاب العدل) فؤاد عيساني أن المحضر القضائي، باعتباره الجهة المنفذة للأحكام، "يواجه عدة مشاكل في تنفيذ الأحكام المتعلقة بقانون النفقة بسبب الإجراءات المعقدة الخاصة بإحالة الملف إلى الجهة المكلفة سابقا (وزارة التضامن)، مما تسبب في تسجيل ملفات عالقة لمدة طويلة تصل إلى 3 سنوات، بالإضافة إلى جهل أغلب المطلقات بهذه الإجراءات والجهة التي يتصلون بها وكذلك الآليات المعقدة لإدراج هذه المنحة في حساب المرأة الحاضنة".