لا رئيس للبنان مع إخفاق البرلمان للمرة الثالثة

بيروت - أخفق البرلمان اللبناني للمرة الثالثة الخميس في انتخاب رئيس جديد، مما جعل البلاد أقرب إلى شبح حدوث فراغ في أعلى منصب مسيحي في الحكومة وأزمة أوسع في شرعية الدولة.
وحضر 119 برلمانيا من أصل 128 نائبا الجلسة العامة لمدة نصف ساعة الخميس، وتتطلب قواعد الانتخابات نصابا بثلثي أعضاء البرلمان المنقسم سياسيا، مما يعني أنه لا يمكن لأي حزب أو تحالف أن يفرض خياره.
وتكرر سيناريو تغلب الورقة البيضاء للمرة الثالثة على جميع المرشحين، ما يعني استمرار عدم التوافق بين القوى اللبنانية على مرشح يستطيع حصد الأغلبية.
وأظهر فرز بطاقات التصويت وجود 55 ورقة بيضاء، بينما حصل السياسي المسيحي ميشال معوض على دعم 42، وحملت الأصوات الباقية شعارات سياسية كان من بينها "دكتاتور عادل".
وكان من المفترض أن تعقد جولة ثانية لعدم حصول أي مرشح على 65 صوتا، لكن الجلسة فقدت النصاب القانوني، بعد انسحاب العديد من النواب من القاعة، ما دفع برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رفعها وتحديد الجلسة القادمة في الرابع والعشرين من أكتوبر.
وبعد الجلسة، رأى عضو تكتل "اللقاء الديمقراطي" النائب هادي أبوالحسن أن "هناك مجموعة تمعن في منع الوصول إلى صوت وازن للمعارضة، وهذا شيء غير صحّي وغير مفيد، ويتلاقى مع إرادة التعطيل"، وتوجّه إلى زملائه "بما يسمى المعارضة"، داعيا إلى "التلاقي على مرشح واحد، فالسياسة لا تدار بالإرباك ولا بقلّة الخبرة ولا بالنكد السياسي".
وأشار إلى أنّه "عندما زارنا مجموعة النواب الـ13 تلاقينا على النقاط الأساسية، وطلبنا منهم أن نذهب إلى الأسماء، لكن لديهم تخبطا وضياعا في الأسماء".
وحسب الدستور اللبناني، فإن الانتخابات الرئاسية تستوجب حضور ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 128 نائبا، أما الانتخاب فيجب أن يتم بأصوات ثلثي الأعضاء في الدورة الأولى وبالنصف زائد واحد، أي 65 نائبا، في الدورات التالية.
وفي ظل الانقسام في البرلمان وعدم قدرة فريق واحد على حيازة الأكثرية، فإن من الصعب على أي حزب أو تحالف أن يفرض خياره.
وخلطت الانتخابات التشريعية الأخيرة في مايو الماضي الأوراق في البرلمان، حيث تراجع عدد مقاعد حزب الله (حليف إيران) وحلفائه لصالح قوى أخرى، أبرزها حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وقوى التغيير.
وعكست سلسلة المواقف الرئاسية لفريق السلطة حالة من الضبابية والغموض، حيث رفع حزب الله، الذي لم يعلن مرشحه للرئاسة حتى اللحظة، "فيتو رئاسيا".
وشدد النائب حسن عزالدين عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله، على أنه "لا يمكن إيصال رئيس معاد للمقاومة".
وفي وقت سابق، أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن "هناك صفة يجب أن تكون في رئيس الجمهورية القادم، ونحن معنيون بالتفكير بها ونضعها على الطاولة، وهي رئيس جمهورية يقر ويحترم ويعترف بدور المقاومة في حماية السيادة الوطنية".
ويقول مراقبون إن الفيتو الرئاسي الذي رفعه حزب الله ومواصفاته للرئيس القادم يدفع إلى التعطيل، ومنع انتخاب رئيس (صنع في لبنان)، إضافة إلى جر البلاد إلى المحور الإيراني، بعيدا عن عمقه العربي.
وكان من بين المواقف الرئاسية لحلفاء حزب الله، ما أعلنه النائب آلان عون عضو تكتل "لبنان القوي" الذي حضر الجلسة، وأكد على "تصويت التكتل بورقة بيضاء، بانتظار إنضاج التسوية".
وشدد في حديث إذاعي على أنه لا "يمكن إنجاز الاستحقاق الدستوري دون التواصل والحوار بين الكتل النيابية، لأنّ لا أحد منها يملك الأكثرية الكافية لفرض شروطه".
وقال النائب جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر (الفريق السياسي لميشال عون)، مؤخرا "نحن لن نقبل برئيس لا يتمتع بحيثية شعبية ونيابية، أو ليس مدعوما من كتلة نيابية وازنة شعبيا ومسيحيا بالتحديد، ونرفض تعيين رئيس من الخارج".
وفي 2016، أنهى انتخاب عون فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا، وحاليا يسود غموض وتخوفات من تكرار مشهد الفراغ في ظل أزمة اقتصادية حادة يعاني منها لبنان منذ أواخر 2019.
وسبق أن شغر منصب الرئيس عدة مرات منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. وتوقعا لفراغ آخر كثف السياسيون جهودهم للاتفاق على حكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء السني المكلف نجيب ميقاتي، الذي يشغل حاليا منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال، إذ يمكن أن تنتقل السلطات الرئاسية إلى الحكومة الجديدة.
ويشهد لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، حيث خسرت معه العملة المحلية نحو 95 في المئة من قيمتها، بينما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتا على 1507 ليرات مقابل الدولار.
كما ترافقت تلك الأزمة مع شلل سياسي حال حتى الآن دون اتخاذ تدابير تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان، الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر.