لا خيار سوى مساعدة أفغانستان تحت حكم طالبان

إذا حدث تدهور في جانب قمع حقوق النساء والفتيات والأقليات مع قمع وحشي لكل المعارضين، فهل من الممكن حتى دعم المواطنين الأفغان دون تعزيز حكم طالبان.
السبت 2021/09/11
في مقاطعة طالبان تخل عن محتاجي المساعدة

كيف يمكن مساعدة الشعب الأفغاني من دون مساعدة طالبان؟ هذا هو السؤال الذي يؤرق الدول المانحة ومنظمات الإغاثة منذ سقوط كابول، فمن المؤكد وجود حلول وتجارب مماثلة يمكن استقاؤها من الماضي؛ ولكن لا شيء يبدو مثاليًا.

ومع سيطرة طالبان على كابول، تراجع المانحون عن مساعدة الأفغان، وعلقت ألمانيا والسويد مساعدات التنمية، كما فعل الاتحاد الأوروبي ذات الشيء، بالرغم من إعلانه عن تقديم 200 مليون يورو كمساعدات إنسانية. وفي غضون ذلك، علق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تدفقات المساعدات التي ستخضع مباشرة لسيطرة الحركة المتشددة.

ومنذ عام 2001 وبعد سقوط نظام طالبان الأول أمام الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، قدم المانحون 65 مليار دولار من المساعدات، واستخدموا تلك المساعدات في المطالبة بإصلاحات في الحكم والالتزام بحقوق الإنسان.

وتضمنت المحادثات الأميركية مع طالبان التي بدأت في عام 2018 موضوع التزام الحركة بالسماح بتعليم الفتيات، وحماية حقوق الأقليات العرقية وغيرها من قضايا حقوق الإنسان. ويستمر استخدام المساعدة كعنصر “ترغيب وترهيب” لضمان موافقة طالبان على هذه المسائل الحيوية.

وبالطبع هذه ليست معضلة جديدة، فقد واجهت الجهات المانحة تحديات مماثلة مع الظهور الأول لحكم طالبان، فعزف المانحون عن العمل مع حكومة استبعدت الفتيات والنساء من الحياة المدنية، فضلاً عن اعتبارها دولة راعية للإرهاب، وبالتالي قاموا بتوجيه المساعدات من خلال المنظمات الدولية وغير الحكومية.

ولا يُعد تجاهل النظام السياسي القائم حلاً مثالياً، ففي التسعينات، أُجبرت وكالات مثل اليونيسف وصندوق إنقاذ الطفولة على تعليق عملياتها عندما تعرض عمالها للتهديد، كما أوقفت أنشطتها في الأماكن التي منع فيها مسؤولو طالبان الفتيات من الذهاب إلى المدارس.

وخلال الأسبوع الماضي، رأينا بالفعل تقارير تظهر هجمات موجهة على موظفي الأمم المتحدة المحليين، على الرغم من تأكيدات قادة طالبان بأنهم يستطيعون البقاء والعمل؛ فضلا عن التراجع عن الالتزامات بالسماح للمرأة بالمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

مع سيطرة طالبان على كابول، تراجع المانحون عن مساعدة الأفغان، وعلقت ألمانيا والسويد مساعدات التنمية، كما فعل الاتحاد الأوروبي ذات الشيء، بالرغم من إعلانه عن تقديم 200 مليون يورو كمساعدات إنسانية

ونخلص من ذلك إلى أن الاعتماد على المنظمات الدولية غير الحكومية لا يمكن أن يكون إلا حلاً جزئيًا وغير مستقر لتحدي تلبية الاحتياجات الإنسانية والتنموية المتعددة لأفغانستان.

كما سعت الجهات المانحة إلى التعامل مع أطراف من الحكومة أكثر جدارة بالثقة، أو العمل في مناطق أقل إثارة للجدل من الناحية السياسية. لكن ما مدى احتمالية نجاح تلك المحاولات؟ فالقطاعات التي يرجح أن يرغب المانحون في دعمها – التعليم والصحة وسبل العيش - هي على وجه التحديد المجالات التي تكون فيها سياسة طالبان تجاه المرأة في أسوأ حالاتها. وقلة من الجهات المانحة ستكون على استعداد للعمل مع وزارة التربية والتعليم التي تحث الفتيات على عدم الذهاب إلى المدرسة، أو وزارة الصحة التي تساهم سياساتها في تدهور صحة النساء والفتيات.

وتكمن المعضلة في أن التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على المساعدات، يتطلبان بناء قدرات الدولة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون التعاون مع الدولة نفسها.

وهناك العديد من الأسباب الوجيهة التي تجعل الجهات المانحة راغبة في الابتعاد والنأي بنفسها بعيداً عن النظام الجديد في أفغانستان، ولكن النتيجة الحتمية ستكون تقليل قدرة أي حكومة على تحمل المسؤولية عن سياسة التنمية وتقديم الخدمات على المدى الطويل.

ويُعد جميع ما تم ذكره حتى الآن بمثابة معضلة أمام الجهات المانحة. فكيف يمكنها دعم الملايين الذين هم في أمس الحاجة إلى الدعم والمساعدة من دون خطر دعم (مهما كانت ضمنية) السياسات التي يختلفون معها بشدة؟ وما هي أفضل طريقة لدعم التنمية مع تردد الجهات المانحة في قبول شرعية طالبان؟ وإذا حدث تدهور في جانب قمع حقوق النساء والفتيات والأقليات مع قمع وحشي لكل المعارضين، فهل من الممكن حتى دعم المواطنين الأفغان دون تعزيز حكم طالبان بطريقة ما؟

والآن، بل وأكثر من أي وقت مضى، يتم تذكيرنا بالتحديات الأخلاقية القوية والعصية على الحل التي تواجهها الجهات المانحة في تلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفًا في الحالات التي لا توجد بها دولة، أو عندما تكون الدولة هي المشكلة. ولا يُعد هذا مجرد تنظير، فسيفقد البعض حياته إذا توقفت تلك المساعدات، ولهذا السبب، من المرجح أن يستمر صرف قدر من تلك المساعدات الإنسانية، لا خيار أمام الجهات المانحة.

6