لا خيار أمام الولايات المتّحدة سوى تعزيز التحالف مع أوروبا في مواجهة روسيا والصين

جو بايدن أمام تحدي إصلاح الأخطاء الاستراتيجية للإدارات الأميركية السابقة.
الجمعة 2022/01/14
شركاء وليسوا تابعين

يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن تحدي إصلاح الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية التي ارتكبتها الحكومات الأميركية السابقة تجاه الحلفاء الأوروبيين في مسعى لمواجهة النفوذ المتنامي لكلّ من روسيا والصين، إذ يجمع محللون أنه من دون الاعتماد على الحلفاء التقليديين لا يمكن للولايات المتحدة كسب الرهان.

واشنطن - تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وخصميها اللدودين روسيا والصين على عدة ساحات دولية بداية من أوكرانيا وصولا إلى بحر الصين الجنوبي وهونغ كونغ وخلافات التكنولوجيا والاقتصاد، إلا أن محللين يؤكدون أنه ليس باستطاعة واشنطن مواجهة بكين وموسكو منفردة.

ومع تزايد التوترات الناجمة عن السياسات التي تنتهجها الصين وروسيا في مناطق مختلفة، يتأكد أكثر من أي وقت مضى مدى أهمية التحالف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وضرورة تعزيز وتجديد هذا التحالف.

وفي ظل حشد أحد أكبر تمركزات القوات العسكرية الروسية منذ الحرب العالمية الثانية على الحدود مع أوكرانيا، أصبح من المهم أن يتم التراجع وإعادة النظر في المبادئ الاستراتيجية الأساسية لهذا العصر الجيوسياسي الجديد.

وقال الباحثان باري بافل نائب رئيس المجلس الأطلسي ومدير مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، وجيفري سيمينو مساعد مدير مبادرة الاستراتيجية العالمية بالمركز، إن تنافس القوى العظمى يتواصل بشكل قوي، حيث تقدم الصين مجموعة تتنامى سريعا من التحديات الدولية كما تصعد روسيا تهديدها الأمني إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

ولم يحدث منذ الحرب العالمية أن واجهت الولايات المتحدة إمكانية خوض حرب كبيرة مع قوتين عظميين قاريتين. ويتعين فهم هذه الحقيقة، حيث كان هناك جدل كبير في الولايات المتحدة ومجتمعات أمنية وطنية أوروبية بشأن قضايا مهمة ولكن بسيطة نسبيا، لكن الجدل لم يكن كافيا بشأن كيفية التعامل مع هؤلاء المتحدين الكبار.

وأوضح بافل وسيمينو أن الطريقة الوحيدة لتجاوز هذه التحديات هي تعزيز وضبط تحالفات أميركا، خاصة التحالف الحيوي بين أوروبا وأميركا الشمالية.

باري بافل: على واشنطن السعي بجدّ إلى إعادة بناء الثقة مع حلفائها

ومن أجل التنافس مع قوة صينية عظمى تحت حكم الرئيس شي جين بينغ ونظام روسي قومي يرغبان في إعادة رسم خارطة أوروبا، تحتاج الشراكة بين الولايات المتحدة وأوروبا إلى أن تكون شراكة أوثق من أي وقت مضى.

وواجهت العلاقات عبر الأطلسي مشكلات كبيرة خلال السنوات العديدة الماضية، مما تسبب في إضعاف أهم الشراكات الجيوسياسية خلال العقود السبعة الماضية. وارتكبت الولايات المتحدة أخطاء استراتيجية وتكتيكية مهمة في إدارة التحالف خلال الأعوام الخمسة الماضية وخلال حكم إدارتين.

وقد أضر انتقاد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب المتكرر العلني والقوي لأقرب حلفاء الولايات المتحدة بشدة بتحالفاتها، حيث وضع مسافة جيوسياسية بين الحكومات وقلص إحساس الشعوب المتحالفة بالقيم المشتركة والثقة في الاعتماد على الولايات المتحدة.

ومؤخرا، ارتكبت إدارة الرئيس جو بايدن خطأين تلقائيين تمثلا في عدم إجراء مشاورات في الوقت المناسب مع الحلفاء في ما يتعلق بالانسحاب من أفغانستان، وشراكة التكنولوجيا الدفاعية الجديدة مع أستراليا والمملكة المتحدة.

وتسبب هذان الخطآن معا في تنامي إحساس بعدم الثقة في أوروبا إزاء القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة ومدى التزامها بالأولويات والمصالح الدولية المتبادلة.

ويقول المحللان إنه يتعين على الولايات المتحدة السعي بجد لإعادة بناء هذه الثقة مع حلفائها لكي تحقق أهداف أمنها القومي.

وأشار بافل وسيمينو إلى أنه على الرغم من صعوبات الأعوام الأخيرة، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها الأوروبيين هم أكثر الدول المتشابهة في التفكير في العالم، حيث هناك سبب مشترك عميق وقائم منذ مدة طويلة لحماية القيم المشتركة الموجودة في قلب مجتمعاتهم، مع دفع المصالح المشتركة إلى الأمام في الوقت نفسه.

وتجد الولايات المتحدة وأوروبا نفسيهما الآن غارقتين في خضم عصر جديد يتسم بالتنافس بين القوى العظمى، حيث تشكل الصين تحديا أكبر من روسيا بسبب حجمها وثقلها الاقتصادي.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتعت بفترة من الهيمنة الأحادية قبل عقدين من الزمن، لم تعد تتمتع بنفس وضع القوة المهيمنة، ولذلك فهي لا تستطيع مواجهة التحدي الصيني بفاعلية بمفردها.

وعلى المستوى الاستراتيجي، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها -بجانب الحلفاء الديمقراطيين والشركاء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ- أن يعملوا معا لتطوير مسار مشترك للمضي قدما وإجراء مشاورات متكررة ووثيقة بشكل منتظم بشأن التحديات التي تشكلها الصين وروسيا.

ولتحقيق هذا الهدف، اقترح فرانكلين كرامر الباحث بالمجلس الأطلسي تأسيس مجلس تنسيق عبر الأطلسي لتسهيل المحادثات المنتظمة.

وأضاف الباحثان الأميركيان أنه على الرغم من أن التحدي الصيني يمتد إلى العديد من المجالات، سيكون تحقيق الفوز في التنافس طويل المدى أو خسارته في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي حيث تكمن المحركات الأساسية للقوة العالمية.

Thumbnail

واعتبرا أن العلاقة القوية المتجددة عبر الأطلسي مهمة تماما لمنع بكين من الهيمنة على تكنولوجيات رئيسية والاقتصاد العالمي خلال العقود القادمة.

وفي المجالات المهمة للتنافس بين القوى العظمى، يتمتع الاتحاد الأوروبي بتأثير هائل نتيجة لثقله الاقتصادي النسبي وحقيقة أنه قوة عظمى تنظيمية، بما في ذلك مبادئ ومعايير التكنولوجيا.

وهكذا فإن نهجا منسقا بقوة عبر الأطلسي للتعامل مع الصين هو السبيل الوحيد لكي تتمكن القوى الديمقراطية الرائدة من الانتصار في تنافس القوى العظمى.

ويعد مجلس التجارة والتكنولوجيا الجديد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خطوة جديدة صوب تحقيق هذا الهدف، حيث يهدف إلى تحقيق الازدهار على جانبي الأطلسي وتعزيز القيم الديمقراطية وتقوية العلاقات التجارية ودعم تطوير تكنولوجيات ناشئة.

وعلى الصعيد العسكري، يتعين على الحليفين أن يكونا أكثر وضوحا مع بعضهما البعض بشأن تقسيم ذكي للعمل في المنطقتين، ويجب أن يعتمد مثل هذا الإطار على القدرات التي تحتل الأولوية المطلوبة في كل مسرح.

ويتطلب تعزيز الردع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بشكل أكثر أهمية إظهار القدرات الجوية والبحرية الكبيرة في جداول زمنية قصيرة نسبيا، في حين أن التهديد العسكري الروسي يستدعي قدرات أرضية وجوية كبيرة.

وهكذا يجب أن تكون أوروبا هي الأولوية الإقليمية الأولى للجيش الأميركي، بالإضافة إلى قدرات القوات الجوية الأميركية القوية، في حين تحتاج منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى نشر معظم عناصر القوات الأميركية البحرية والجوية.

5