لا خيارات أمام الجزائر إلا المزيد من استيراد القمح

الجزائر - طرح الديوان الجزائري المهني للحبوب مناقصة دولية لشراء قمح الطحين مع طلب شحنه في فترات مختلفة بين منتصف نوفمبر ونهاية ديسمبر المقبلين من مناشئ التوريد الرئيسية.
وقال متعاملون أوروبيون الاثنين لوكالة رويترز إن “الديوان طرح أيضا ممارسة لشراء الشعير مع شحنات في نوفمبر وديسمبر”.
وأضافوا أن الموعد النهائي لتقديم العروض في الممارستين هو الثلاثاء، لكنهم لم يذكروا الكميات المطلوبة أو سعر الطن الذي ستشتري به الجزائر الطلبيات.
وتعد الجزائر كغيرها من بلدان المغربي العربي من أهم مشتري القمح على مستوى العالم، حيث دأبت بالفعل منذ سنوات على شراء كميات كبيرة من الخارج بعدما ترك الاحتباس الحراري آثارا قاسية على المنتجين.
وبغض النظر عن الجفاف وتأثيراته على الزراعة، فإن لجوء البلد إلى المزيد من الاستيراد يعطي دليلا على ضيق خيارات الحكومة لاسيما وأن المسؤولين منذ 2019 ما فتئوا يؤكدون أنهم سيستغلون المساحات المهملة لزيادة المحاصيل دون أن يحرزوا تقدما يذكر.
25
في المئة نسبة تقلص حصاد الموسم الحالي قياسا بالموسم السابق الذي بلغ 3.5 مليون طن
ويقول خبراء إن اللافت للانتباه هو أن بلدا مثل الجزائر يفترض أن فيه مساحات زراعية شاسعة على بعد مرمى حجر من فرنسا، التي تعد من أكبر منتجي القمح في العالم، عاجز عن زراعة أراضيه بما يكفي احتياجات سكانه.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب في البلاد أكثر من 3.3 مليون هكتار، منها نحو 450 ألف هكتار فقط مسقية، ولكن الجفاف قلص المساحة المزروعة هذا الموسم بواقع 20 في المئة.
وتشتد حاجة البلد النفطي إلى تأمين الإمدادات بشكل مستدام مع استغلال فرصة انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية وذلك مقارنة بالمستوى القياسي في العام الماضي، مما قد يقلّص قدرا من تأثير منغصات الجفاف.
وتجمع أوساط الزراعة المحلية على أن بلدهم أمام حتمية اعتماد إستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لسد العجز في إنتاج الحبوب، والذي تفاقم خلال السنوات القليلة الماضية، وزادت من تعقيداته الأزمة في شرق أوروبا.
وتصطدم خطط الحكومة للحفاظ على الأمن الغذائي واستدامته بعراقيل كثيرة تعيق بناء قدراتها ورفع جاهزيتها لمواجهة التحديات المتزايدة مثل زيادة الدعم وتطوير الأنظمة الزراعية التي يبدو أنها لم تتغير لعقود.
وعلى مدار سنوات وحتى قبل بروز مشكلة تغير المناخ شكل ملف الحبوب صداعا مزمنا للحكومات المتعاقبة من خلال إنتاج محلي لا يسد الطلب، وارتفاع كبير ومتواتر في فاتورة الاستيراد.
وتشير التقديرات إلى أن واردات الجزائر، البالغ تعداد سكانها 40 مليون نسمة، من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه الصلب واللين تتجاوز السبعة ملايين طن، ويشكل الاستيراد ما نسبته بالمتوسط 75 في المئة من الاستهلاك.
وفي المقابل يبلغ الإنتاج المحلي في المتوسط 3.1 مليون طن فقط، وأنتج البلد في الموسم الماضي نحو 3.5 مليون طن من القمح، لكن إنتاج الموسم الحالي تراجع بواقع 25 في المئة.
وتظهر الأرقام الرسمية أن الجزائر، التي تعد من أكبر مستوردي القمح في العالم، خصوصا اللين الذي يوجه لإنتاج الطحين لصناعة الخبز، تدفع ما يقدر بنحو 2.8 مليار دولار سنويا لجلب أطنان القمح التي يذهب جزء منها إلى التخزين.
وكان وزير الفلاحة عبدالحفيظ هني قد ذكر في وقت سابق هذا العام أن إنتاج القمح الصلب يغطي 95 في المئة من احتياجات البلاد من هذه المادة.
واردات الجزائر من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه الصلب واللين تتجاوز السبعة ملايين طن ويشكل الاستيراد ما نسبته بالمتوسط 75 في المئة من الاستهلاك
وبحسب وزارة الزراعة الأميركية تستهلك الجزائر في المتوسط سنويا بين نحو 9 إلى 12 مليون طن من القمح بنوعيه اللين والصلب، وغالبية القمح اللين مستورد خاصة فرنسا وبكميات محدودة من كندا.
وفي مارس الماضي كشفت السلطات عن محاولات جديدة لسد الفجوة الكبيرة بين إنتاج القمح والاستيراد، والتي يبدو أنها خطوة ليست لتأمين غذاء البلد العضو في أوبك ولكن للحفاظ على دولارات النفط والغاز.
وقال الرئيس عبدالمجيد تبون حينها إنه “ينبغي على البلاد أن تزيد إنتاجها من القمح إلى المثلين بهدف الحد من الاعتماد على الواردات على أن يتحقق ذلك جزئيا عن طريق رفع إنتاجية الفدان الواحد إلى ثلاثة أطنان بدلا من طنين حاليا”.
وأشار إلى أن الاضطرابات في أسواق الحبوب العالمية أظهرت أنه “لا يمكن لأي دولة أن تكون مستقلة حقا إلا إذا أنتجت قمحها”.
ورفعت الحكومة مع بداية 2023 رهانا صعبا يتمثل في ضمان الأمن الغذائي وحددت سقفا زمنيا لا يتعدى 18 شهرا لتحقيق ذلك، رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بنجاح خطتها في ظل استمرار ارتفاع التضخم وفقدان السيطرة على أسعار المواد الغذائية.
وبحسب التقديرات يعمل قرابة 600 ألف مستثمر في قطاع إنتاج الحبوب في مساحة تعادل 41 في المئة فقط من المساحات المخصصة للزراعة.