لا حل بيد نظام الجنرالات لأزمة ليبيا

الخطوات الليبية في اتجاه المغرب ضربة قاصمة لظهر سياسات نظام الجنرالات الذي يجد نفسه معزولا عن محيطه ما يجعله يحاول الظهور بمظهر من يستطيع التأثير في تشكيل الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة.
السبت 2024/10/19
اللعب على حبل التوازنات.. إلى متى

أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن الحل في ليبيا لن يكون إلا عن طريق انتخابات، وقد وافقه محمد يونس المنفي على ذلك، بمعنى أن هناك توافقًا تامًا مع موقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، الذي لا يزال يكرّر منذ أكثر من عامين أنه لن يتنازل عن السلطة إلا لسلطة جديدة يختارها الشعب عبر صناديق الاقتراع ووفق مرجعية قانونية ودستورية متفق عليها من قبل جميع الأطراف. بذلك يشير الدبيبة إلى أن الشرط الأساسي هو المصادقة على دستور للبلاد، وقد مهد المنفي لذلك بإصدار قرار إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني في 11 أغسطس، وتعيين مجلس إدارتها في السادس من سبتمبر الماضي، لتكون بديلاً عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في ما يعتبره البعض الأمر الأكثر إلحاحًا وهو تنظيم استفتاء شعبي على مدونة الدستور، وهو ما رفضه مجلس النواب نهائيًا ورأى فيه اعتداء على صلاحياته.

يمكن للبعض أن يقول إن تبون يدعم حكومة الدبيبة التي جاءت عن طريق الحوار الوطني منذ فبراير 2021، وهو أمر لا جدال فيه، ولكن يمكن كذلك القول إن الدبيبة هو الذي يدور في فلك إقليمي تعتبر الجزائر من مكوناته الأساسية إلى جانب تركيا وإيطاليا، كما أن الولايات المتحدة غير بعيدة عنه وهي التي أطلقت حوارًا مع السلطات الجزائرية بخصوص الأوضاع في المنطقة وخاصة ليبيا.

في مارس الماضي، قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن اقترح تعيين نائب وزير الخارجية لشؤون شمال أفريقيا جوشوا هاريس سفيرًا جديدًا لدى الجزائر، خلفًا للسفيرة إليزابيث مور أوبين، التي شغلت هذا المنصب منذ 9 فبراير من عام 2022. كان هاريس قد شغل قبل ذلك ولمدة عشرة أعوام وظيفة نائب رئيس البعثة والقائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا، وهو ما جعله أحد أبرز المتخصصين في الملف الليبي. في يوليو الماضي، قال خلال جلسة استماع أمام الكونغرس إن الجزائر وواشنطن شكلتا لجنة حوار لـ”منع ليبيا من الغرق في الصراع الداخلي”، وهما تعملان “معًا على مستوى مجلس الأمن لتعزيز الأمن الإقليمي، من أجل إنهاء الصراع في السودان، ومنع ليبيا من الانزلاق أكثر في صراعها الداخلي”، مؤكدًا أنهما “تعملان أيضًا على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، التي تستهدفها قوى معادية تستغل نقاط الضعف في المنطقة”، في إشارة إلى التنظيمات المتطرفة التي تهدد الأمن في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بشكل خاص. وفي حديثه عن نفسه، أكد أنه عمل خلال العقد الماضي في السفارة الأميركية في ليبيا “لتمكين الليبيين من استعادة سيادتهم الوطنية”، وأن واشنطن والجزائر “تحافظان على حوار مثمر”.

نظام الجنرالات يسعى إلى الهيمنة الإقليمية ولكن دون تقديم أيّ حل للمشاكل.. وبعد 2011 كان يعتقد أنه قادر على بسط نفوذه في البلد الجار، لكنه اصطدم بصراع الإرادات فقرر التحالف مع أمراء الحرب وقادة الإخوان

أوضح تبون في تصريح صحفي مشترك مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، أنه تم التطرق خلال “هذه المشاورات الأخوية إلى الوضع الحالي في ليبيا والدفع بالعلاقات الثنائية بين الجزائر وليبيا”، وأضاف “خلاصة هذه المحادثات هو أننا اتفقنا على كل شيء وليس هناك أيّ سحابة صيف بيننا وبين الأشقاء الليبيين”. الحقيقة أن سحابة الصيف التي يقصدها الرئيس الجزائري كانت قد تشكلت بالفعل في سماء البلدين بعد الاجتماع الثلاثي بين تبون والمنفي والرئيس التونسي قيس سعيد في تونس في أبريل الماضي، والذي تبرأت طرابلس من أيّ خلفية له قد تكون تستهدف الاتحاد المغاربي أو المملكة المغربية. بعد يومين من قمة تونس، كلف المنفي شقيقه سامي بنقل رسالة إلى الملك محمد السادس أكد من خلالها الجانب الليبي تمسكه بالعلاقات الثنائية وبثوابت الاتحاد المغاربي، وصرّح القائم بأعمال السفارة الليبية بالمغرب السفير أبوبكر إبراهيم الطويل للصحافة أن “هذه الزيارة تندرج في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز اتحاد المغرب العربي من أجل تحقيق تطلعات شعوب المنطقة للمزيد من الاستقرار والازدهار” كما أنها “تأتي لتؤكد تميز العلاقات الأخوية التي تربط بين البلدين وتبرز الدور الفعال الذي يضطلع به المغرب لصالح الاندماج المغاربي”.

لم يكتف المنفي بذلك، وإنما كلف مدير إدارة الخارجية بالمجلس الرئاسي الليبي عماد الفلاح، بالانتقال إلى نواكشوط كمبعوث شخصي إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، يحمل معه رسالة تتضمن تأكيد عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، والتشاور المستمر والوثيق في كل المجالات التي تهم البلدين مع تأكيد تفعيل دور اتحاد المغرب العربي.

تم اعتبار تلك الخطوات الليبية ضربة قاصمة لظهر سياسات نظام الجنرالات الذي يجد نفسه معزولًا عن محيطه، ما يجعله يحاول الظهور بمظهر من يستطيع التأثير في تشكيل الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة. في الوقت الذي كان فيه المنفي في الجزائر، كان رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة في زيارة إلى نواكشوط حاملًا رسالة إلى الرئيس ولد الشيخ الغزواني كانت تتطرق في جانب منها إلى الملف الليبي بعد زيارته يوم 11 أكتوبر الجاري إلى طرابلس بصفته رئيسًا للاتحاد الأفريقي.

كان نظام الجنرالات يهدف إلى تكوين كيان جديد في المنطقة المغاربية من دون الرباط، على أن تنضم إليه جمهورية بوليساريو الوهمية، وقد أدركت موريتانيا حجم الحرج الذي يمكن أن تقع فيه بالنظر إلى علاقاتها التاريخية والتقليدية والمصيرية مع المملكة المغربية، فاعتذرت منذ البداية عن المشاركة في الاجتماع الأول الذي احتضنته العاصمة الجزائرية على هامش قمة الغاز في فبراير الماضي.

سعى الرئيس تبون إلى التأكيد على أن مشروعه ما زال ممكن التحقيق، وقال “نحن على وشك الالتقاء في ليبيا في إطار التشاور الثلاثي عن قرب ونحن في انتظار تحديد موعد من طرف الرئيس المنفي”، رغم أن ستة أشهر مرت على اجتماع تونس بينما كان الاتفاق على أن يتم عقد اجتماع كل ثلاثة أشهر، وهو ما لم يحدث في طرابلس وفق الروزنامة الدورية.

ليس ذلك فحسب، فالسلطات الجزائرية ترغب في تأكيد تحالفها مع طرابلس على حساب بنغازي، ومع حكومة الدبيبة على حساب المنطقة الشرقية وقوات الجيش التي يمتد نفوذها إلى الحدود المشتركة بين البلدين، وهو ما يزعج نظام الجنرالات بقوة لاسيما في ظل التحولات الإستراتيجية والجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء.

الجزائر ترغب في تأكيد تحالفها مع طرابلس على حساب بنغازي، ومع حكومة الدبيبة على حساب المنطقة الشرقية وقوات الجيش التي يمتد نفوذها إلى الحدود المشتركة بين البلدين، وهو ما يزعج نظام الجنرالات بقوة

في التاسع من أكتوبر الجاري، ناقش مدير إدارة الاستخبارات العسكرية بقوات الجيش التابعة لحكومة الوحدة في ليبيا، محمود حمزة التعاون مع الجيش الجزائري في ثلاثة ملفات تتعلق بمكافحة الإرهاب وتأمين الحدود والتدريب. جاء ذلك خلال زيارة إلى الجزائر التقى فيها رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة ومدير إدارة الاستخبارات الجزائرية ومدير جهاز مكافحة الإرهاب.

قال المكتب الإعلامي لـ”اللواء 444″ الذي يتولى حمزة إمرته إن اللقاء ناقش وضع آلية لتبادل المعلومات حول مكافحة الإرهاب والمخدرات، ووضع خطط إستراتيجية لمحاربة التهريب بكافة أنواعه وتأمين الحدود، بالإضافة إلى الاتفاق على آليات التدريب بين البلدين وتبادل الخبرات. وأضاف أن ملف أمن الحدود ومكافحة التهريب تصدّر عديد اللقاءات التي جمعت المسؤولين الجزائريين ونظراءهم بحكومة الوحدة الوطنية خلال الفترة الماضية.

رغم كل ما يتحدث به النظام الجزائري عن عمق العلاقات مع ليبيا، فإن معبر الدبداب الحدودي بين البلدين الواقع بمدينة غدامس لا يزال مغلقًا منذ عشر سنوات، رغم أن تلك المنطقة تخضع لنفوذ حكومة الدبيبة التي من المفترض أنها حليفة الجنرالات. في الرابع من أكتوبر الجاري، بحث وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي مع نظيره الجزائري إبراهيم مراد آفاق التعاون الأمني المشترك بين البلدين، خاصة في مجالات مكافحة المخدرات، وتأمين الحدود، ومكافحة الهجرة غير النظامية، وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة.

كان ذلك على هامش اجتماع وزراء الداخلية لدول مجموعة السبع المنعقد في مدينة ميرابيلا إيكلانو بمقاطعة نابولي الإيطالية، حيث اتفق الجانبان على عقد اجتماعات مصغرة بين الوزارتين الليبية والجزائرية لمناقشة مواضيع تتعلق بالبرامج الأمنية، من ضمنها التدريب.

يسعى نظام الجنرالات إلى الهيمنة الإقليمية ولكن دون تقديم أيّ حل للمشاكل. علاقاته مع ليبيا كان فيها الكثير من التجاذبات في عهد الراحل معمر القذافي، وبعد 2011 كان يعتقد أنه قادر على بسط نفوذه في البلد الجار، لكنه اصطدم بصراع الإرادات فقرر التحالف مع أمراء الحرب وقادة الإخوان، ثم أعلن انحيازه للدور التركي مقابل عدوانيته ضد الدور المصري، وكان دائمًا شريكًا للقطريين في خياراتهم، ثم داعمًا لسياسات الأميركان طالما أنها تستهدف نفوذ موسكو وحليفها الأساسي الجنرال حفتر الذي يعلم جيدًا أن الجزائريين لا يريدون له الخير أبدًا.

واليوم هو يساند بقاء الدبيبة في الحكم إلى أجل غير مسمى لأنه عنصر عرقلة للحل برفضه تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تشرف على تنظيم الانتخابات، ورفضه للانتخابات إن لم تكن وفق دستور جديد. أما المنفي فلديه حسابات مختلفة، وهو قد يسير على حبل التوازنات، ولكنه لا يمكن أن يتحدى المغاربة والمصريين، ولا يمكن أن يكون شريكًا في أيّ لعبة قد تكون لها عواقب وخيمة على بلاده والمنطقة.

9