لا حاجة للأقليات اليهودية في الخليج إلى التواري بعد اتفاقات السلام

يهود البحرين يخرجون من الظل ويؤدون صلواتهم علنا وبحرّية.
الأربعاء 2021/09/15
الأجواء الدينية تشهد تحررا

لم تعد الطائفة اليهودية التي كانت تقيم شعائرها سرا في دول الخليج بحاجة إلى التواري عن الأنظار بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل، حيث أنعش الاتفاق الأجواء الدينية وباتت أكثر تحررا، فصار طعام الكوشر متاحا والاحتفالات بالأعياد اليهودية والصلوات تقام بشكل علني، وحسب رأي أبناء هذه الطائفة تؤسس اتفاقات أبراهام لحقبة جديدة من تاريخ يهود المنطقة.

المنامة – ألقى اتفاق السلام التاريخي بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بظلاله إيجابيّا على الحياة الدينية لليهود في دول الخليج العربي، حيث بث الاتفاق الروح في حياة المجتمعات اليهودية التي لطالما عاشت في الظل خلال حقبة الصراع العربي – الإسرائيلي، لتبدأ أخيرا في ممارسة طقوسها بحرية والظهور إلى العلن.

وللمرة الأولى منذ عقود يؤدي البحريني إبراهيم نونو صلواته اليهودية علنا في كنيس قديم أُعيد تجديده وسط المنامة القديمة، مستفيدا من استئناف علاقات بلاده مع إسرائيل قبل نحو عام.

وتحظى الطائفة اليهودية الصغيرة ذات الجذور العميقة في البحرين بمكانة سياسية واقتصادية مميزة في المملكة الخليجية الصغيرة المجاورة للسعودية.

ورغم ذلك ظل أفرادها لعقود يمارسون طقوسهم الدينية في بيوتهم، وذلك منذ تدمير كنيسهم في بداية النزاع العربي – الإسرائيلي في 1947، إلى أن تغيّر كل شيء مع توقيع اتفاق السلام وتطبيع العلاقات قبل سنة.

ويقول نونو (61 عاما) رئيس الطائفة اليهودية في البحرين، وقد وضع الكيباه السوداء على رأسه، في حديثه لوكالة فرانس برس “الاتفاقات أطلقت كل شيء” بالنّسبة إلى طائفته التي تعد نحو 50 شخصا معظمهم تخطّوا الخمسين عاما.

وأعرب عن سعادته لوجود “كنيس يعمل بشكل كامل ولقدرة اليهود على المجيء إلى الكنيس بشكل منتظم”، مشيرا أيضا إلى تمكّنه من السير بغطاء الرأس اليهودي في الشارع لأول مرة دون أن يشعر بالقلق.

وأُقيمت الشهر الماضي صلاة سبت علنية لليهود في الكنيس المسمى “بيت الوصايا العشر” للمرة الأولى منذ 74 عاما، في تجمّع حضره أفراد من الطائفة المحلية ويهود مغتربون ودبلوماسيون.

وتخلّلها طقس “بار متسفا”، وهو حفل ديني يقام عند بلوغ الطفل اليهودي 13 عاما، العمر الذي يفترض فيه البدء بأداء الفرائض الدينية.

وقال نونو “لم يعد لدينا الآن أي خوف بخصوص تنمية الحياة اليهودية. منذ عام 1947 كنا نتوارى عن الأنظار، أما الآن فلا حاجة إلى التواري. نحن سعداء جدًا بأن نكون في العلن”.

تجديد التاريخ

الكنيس اليهودي {بيت الوصايا العشر} في المنامة
الكنيس اليهودي "يت الوصايا العشر" في المنامة 

يقع الكنيس، وهو مبنى أبيض ذو نوافذ خشبية، في السوق الشعبية وسط المنامة، وقد بلغت تكلفة تجديده 60 ألف دينار بحريني (159 ألف دولار).

في داخله تتراص المقاعد الخشبية المبطنة باللون الأزرق الداكن حول البيما أو منبر الكنيس الذي وضعت عليه كتب دينية بالعبرية والعربية والإنجليزية.

وعُلّق سند ملكية الكنيس الموقّع في عام 1930 على برواز كبير بجوار شاشة عرض كبيرة تنقل بثّا حيا من صلاة السبت في القدس القديمة.

واعتبر رئيس رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية الحاخام إيلي عبادي، الذي أشرف على أول صلاة يهودية في البحرين الشهر الماضي، أنّ عودة الصلوات بمثابة “تجديد لتاريخ اليهود في المنطقة”.

إيلي عبادي: عودة الصلوات بمثابة تجديد لتاريخ اليهود في المنطقة

وقال عبادي “الصلوات اليهودية كانت تصدح علنا في هذه المنطقة منذ أكثر من 2000 عام ولسوء الحظ توقفت في عام 1947”.

وتابع “فُتح الباب. أعتقد أن هناك المزيد من الانفتاح والمزيد من الترحيب والحماس لوجود الجالية اليهودية أو المواطنين اليهود أو التقاليد والثقافة اليهوديتيْن”.

وعلى جدران الكنيس عُلّقت صورة لجاريد كوشنر وهو يسلّم العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة نسخة من التوراة.

إلى جانب البحرين يضم اليمن الغارق في الحرب منذ سنوات طائفة يهودية ضخمة تُقدّر بعشرات الآلاف وتعد من بين الأقدم في العالم.

وقالت نانسي خضوري، عضو مجلس الشورى البحريني، في تصريحات صحافية “بعد توقيع اتفاقات أبراهام بات الكثير من اليهود مهتمين بالسفر إلى المنطقة”، متحدثة عن “حلم بفرص جديدة وحماس للتعلم من اليهود الذين يعيشون في منطقة الخليج”.

ويقر متابعون بأن النظرة إلى الطائفة اليهودية تغيرت مع توقيع اتفاقيات العام الماضي بين إسرائيل والإمارات والبحرين، والتي جلبت الآلاف من السياح ورجال الأعمال الإسرائيليين إلى المنطقة وظهور صناعة وليدة لحفلات الزفاف اليهودية وغيرها من الاحتفالات التي تستهدف الزوار الإسرائيليين.

حاخام شاب ومدرسة

Thumbnail

في تمام الساعة العاشرة من صباح السبت بالتوقيت المحلي (06:00 ت غ) يبدأ إبراهيم بتلاوة الترانيم قبل أن تنضم إليه البحرينية أفيفا، ويردّدان سويا ترانيم أدوناي اليهودية الشهيرة.

وتقول أفيفا (40 عاما) “الله في كل مكان وداخلي، لكن الصلاة في الكنيس تُشعرني أنّ صوتي سيكون مميزا أكثر”.

وتذكّرت صلاتها الأولى في الكنيس الشهر الماضي قائلة “حين أخرجوا التوراة للصلاة ومرّروها علينا لتقبيلها، انهمرت دموعي… كانت لحظة خاصّة جدا”.

وتأمل أفيفا أن يتسنّى للطائفة أن تنمو أكثر وأن تبني مدرسة تابعة للكنيس لتضمن تعليم ابنتها البالغة من العمر عامين مبادئ اليهودية.

ثم يتناول البحرينيان اليهوديان الخبز وعصير العنب بعد قراءة صلوات قصيرة من كتاب في مكتبة الكنيس التي وضع في وسطها مينوراه (شمعدان سباعي) مصنوع من الفضة.

صلاة سبت علنية لليهود أقيمت الشهر الماضي في الكنيس المسمى “بيت الوصايا العشر” بالمنامة، للمرة الأولى منذ 74 عاما

ورغم سعادته الواضحة بإعادة تشغيل الكنيس لا يخفي إبراهيم نونو، الأب لابنين مغتربين والجدّ لطفلين، قلقه حيال مستقبل طائفته.

ويشير إلى الصعوبات التي يواجهها بعض أفراد الطائفة في المجيء إلى الكنيس بسبب تقدّم الكثير منهم في السن ومغادرة الأصغر سنا للبلاد.

ويقول “أبحث عن تمويل لشراء المبنى المجاور من أجل بناء مدرسة للأطفال”، وهو ما سيساعد على تنشئة الأجيال القادمة تنشئة يهودية صحيحة، حسب رأيه.

وأردف نونو “هدفنا الرئيسي راهنا هو إحضار حاخام شاب للبحرين لتنمية حياة اليهود ولقيادة الصلوات أسبوعيا” لأطول فترة زمنية ممكنة.

ويتألف سكان الجالية اليهودية الضئيلة في منطقة الخليج العربي من رعايا أجانب قدموا إلى المنطقة للعمل، على عكس البحرين التي تضم جالية يهودية أصيلة. ويبلغ عدد أعضائها 80 أو نحو ذلك، وهم من نسل يهود عراقيين وصلوا إلى البحرين أواخر القرن التاسع عشر بحثا عن فرص تجاريّة.

وتعد الجالية اليهودية في الإمارات هي الأكبر، حيث يقدر عدد أفرادها بنحو 1000 شخص، وهي أيضًا واحدة من أحدث الجاليات.

وازدهرت المجتمعات اليهودية لعدة قرون في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وتمتع أفرادها لفترات طويلة بالحماية، وشهدت مجتمعاتهم ازدهارا كما كان عليه الحال في الأندلس في العصور الوسطى، حيث عرفوا عصرا ذهبيا من التعايش. واختفت معظم هذه المجتمعات بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، عندما طرد مئات الآلاف من اليهود أو فروا.

Thumbnail
13