لا تظلموا اللاعبين.. هم أيضا موظفون

هي أزمة راتب إذن قبل أن تكون أزمة وباء انتشر وفعل فعلته بين الأمم. ولكي لا يصبح الراتب مقدّسا مستقبلا إلى هذا الحد من الضروري أن يُسوّى بين الجميع دون تفرقة.
السبت 2020/04/11
لاعبو الدوري الإنكليزي رفضوا خفض رواتبهم

لاعب كرة القدم مثله مثل أي شخص هو موظف يخضع إلى حتمية راتب يتقاضاه مع نهاية كل شهر. مهما كان انتماؤه إلى أي نادٍ في العالم، فإنه محكوم بأجر محدد قبل أن يكون نجما على الميدان. المسألة على بساطتها، ربما، يمكن فهمها أكثر قياسا بالقيمة المالية التي يحصل عليها الأخير وحجم المسؤوليات المطالب بأن يغطيها شهريا.

صحيح أن صيغة هذه المعادلة تختلف من لاعب إلى آخر وبحسب الفريق الذي ينتمي إليه هذا النجم أو ذاك والدوري الذي ينشط فيه. صحيح أيضا أن هناك فرقا شاسعا وتباينا كبيرا في القيمة المالية للنجوم عبر العالم. لكن هذا لا يمنع من وضع الجميع في سلة واحدة، سلة الراتب الشهري المليء بالرُوتين المنغّص بكم هائل من الفواتير والمصاريف اليومية وغيرها من الأمور التي ترتّبت عليها حياتنا نحن بني البشر.

لا ضيْر في أن يكون الراتب مغريا أحيانا ويفوق التوقعات لبعض النجوم. لكنهم قلة قليلة. نعم قلة فقط من تفوق رواتبهم الخيال وتتجاوز ثرواتهم التوقعات ينشطون في أعتى الدوريات العالمية ولهم أن يسعدوا بما ملكت أرجلهم من فنيات ليكونوا كذلك. فيما الطامة الكبرى، خصوصا عربيا، “فعنْ المعاش لا تسأل!”.

القضية في الأساس حيّرتها أزمة وباء كورونا وعرّت ما يعيشه اللاعبون في هذه الفترة من مضايقات من أجل خفض رواتبهم. رغم أن جميع الدوريات في أوروبا سارت في هذا الخيار ووافق لاعبوها على قرار خفض رواتبهم عملا بمقولة أنه في “ساعة الأزمات تُظهر المعادن النفيسة من الصدئة”. لكن ذلك لا يمنع من وجود تململ كبير أبداه اللاعبون قبل القبول بهذا القرار لا بل إن البعض منهم سار فيه مسيرا لا مخيّرا اقتداء ربما بمثل تونسي متجذّر “شنقة مع الجماعة خلاعة”. فيما لا تزال المسألة تثير جدلا واسعا في أعتى الدوريات وأكثرها حماسة. الدوري الإنجليزي الممتاز وما يحمله من صخب وشدّ كبير لجمهور واسع والذي تمنّع لاعبوه عن السير على خطى رفقائهم في إسبانيا المصابة بالوباء أو إيطاليا المنكوبة جراء أهوال الكارثة أو ألمانيا التي كانت أو السائرين في هذا المنحى.

أما عربيا فإن الدور آت على جل الدوريات للسير في هذا النهج فيما لو امتدت فترة وقف النشاط أطول واستحالت العودة إلى الميادين في وقت قريب، رغم أن هناك من سار في هذا القرار في بعض الدوريات التي بدأت فعليا في مطالبة لاعبيها بخفض رواتبهم ومنها الدوري التونسي.

بعيدا عن لغة العاطفة وأثرها على النفوس، فإن الأزمة التي تمر بها كرة القدم في مختلف أنحاء العالم تتطلب تكاتفا جماعيا لتذليل العقبات والخروج بأخف الأضرار الممكنة. يلوح هذا الكلام أكثر واقعية عندما يتعلق الأمر بتبرعات ومبادرات خاصة وحملات تضامن وومضات إعلانية للتوعية بخطر الوباء يقدمها لاعبون كبار عبر شاشات التلفزيون. لكن عندما يتعلق الأمر بالراتب، فذلك شيء محرّم لا يمكن النقاش بشأنه أو حتى مجرد التفكير في اقتطاع جزء منه. ربما يُفهم من هذا الكلام أنه لا يوجد تحرك من اللاعبين أو الأندية في هذا المسار. هذا مؤكد وموثق حتى بالأرقام وبنسب الاقتطاع في كل دوري، لكن الأساس في الأزمة يتعلق بضرورة البحث عمّا وراءها من إكراهات تساوي بين لاعب ينشط في هذا الدوري أو ذاك الذي يخوض أول مغامرة له في تلك البطولة. ورغم الفرق الشاسع بينهما وضعتهما هذه المحنة أمام خيار التنازل طوعا عن جزء من حقوقهما للنهوض والعودة من جديد إلى النشاط.

هي أزمة راتب إذن قبل أن تكون أزمة وباء انتشر وفعل فعلته بين الأمم. لكي لا يصبح الراتب مقدّسا مستقبلا إلى هذا الحد من الضروري أن يُسوّى بين الجميع دون تفرقة. هذه المهمة موكولة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” ليراجع الحسابات ويعيد فتح الدفاتر. فاللاعبون موظفون قبل أن يكونوا لاعبين.

22