لا تحبيني بطريقتك
الحب أجمل إحساس في الكون، هذا ما لا يختلف عليه اثنان، ولكن كيف نمارس فعل الحب. هذا ما لا يتفق عليه اثنان. لماذا نحب بطريقتنا، نقلق، نشتاق، نخشى على من نحب من نسمة الهواء إذا عبرت مسرعة فأطرفت جفنيه، نحب بطريقتنا نحن دون أن نسأل أنفسنا: هل هذه الطريقة موصل جيد لمشاعرنا؟، هل تتناسب مع الطرف الآخر أم لا؟، هل من الممكن أن نؤذي من نحب، نجرح كبرياءه، ننال من كرامته، نشوه صورة يحاول دائماً الإبقاء عليها شفافة نقية؟ نؤذي من نحب دون أن نشعر، فقط لأننا نفقد القدرة على إيصال مشاعرنا بطريقة صحيحة أو حتى مرضية للطرف الآخر.
نرمين جارتي الجميلة تعشق زوجها مهندس الاتصالات بجنون، تراه النموذج الأمثل للرجولة، تنظر له كآلهة حب تتجسد في صورة إنسان، ولكنها لا تجد سبلاً جيدة لضبط إيقاع هذا الحب، تلاحقه باتصالات دائمة بكل الوسائل التكنولوجية المتاحة، والويل كل الويل له إن لم ينتبه للرد الآني على مكالماتها، الإجابة على كل الأسئلة “الخانقة له”، بداية من، أين أنت؟، لماذا لا ترد سريعاً؟، كما لو كان تأخره بالرد جريمة يعاقب عليها القانون، ثم تتوالى الأسئلة عن الزملاء ومع من يجلس وماذا تفعلون، هل تناول طعامه أم لا؟ تفاصيل كثيرة تراها ضرورة ويراها الزوج قمة الإغراق في الملل والتضييق عليه، نزع الستائر عن خصوصيات لا تضر.
غالباً ما تقع نرمين فريسة لألاعيب إبليس، كرة يتقاذفها كيفما شاء، يعلو بها لقمة الحب فيتجرعان معاً كأس السعادة، تطعمه لذة العشق والهوى بملعقة الظنون والهواجس، تفسر كل تصرف حنون، كلمة غزل، لمسة اشتياق، قبلة مجنونة بتفسيرات وتأويلات شتى لا تصب أبداً في مصلحة أحد إلا هذا الإبليس الماكر الذي سيطر عليها وأحكم سيطرته. يأخذها للشك في تصرفاته جملة وتفصيلاً. تعامله كطفل رضيع يحتاج إلى فرض وصاية وربما الحجر الكامل.
من منا لا يشعر يوما ما بحاجته إلى آخر يتقاسمان لوعات العمر، ونسمات تجود بها صباحات جديدة، ولكننا بالطبع لا نريد قيداً ولو كان من ذهب. قد تبدو الزوجة الشابة للوهلة الأولى عاشقة مجنونة أو مراهقة تجدد مراهقتها مع كل شمس، تأبى النضوج تقف على عتبات العقل بأقدام مترددة.
والزوج يرفض هذا الحب الساجن لذاته، لا يريد التمحور حول أحد حتى ولو كان أقرب الناس إلى قلبه، لهذا يصدمها، يهزم قلبها العابث معه دائماً، يهجرها لعل الحزن ينضج بعضاً من نفسها، ونار الفراق تسكب على عقلها شيئاً من الحكمة، دون جدوى.
أعلم أن عقول الرجال لا تشبه عقول النساء، وكذلك قلوبهم لا تقوى على مناطحة قلوبهن، ولكن بالحب قد نخسر أعز الأحباب. نقسو على الحب فندخله معنا راغماً قفص الاتهام، على الرغم من كوننا المذنبين في حقه. نحب بمعايير ذاتية قد لا تتفق مع من نحب دون أن نكلف أنفسنا عناء الاستماع لمشاعر قد تكتب لها حماقاتنا شهادة وفاة.