لا بوادر لفك الارتباط بين السلطة والجيش في الجزائر

تسمية الجنرال سعيد شنقريحة على رأس قوات الجيش بالنيابة وعدم ضم الحكومة الجديدة لنائب وزير الدفاع الوطني يثير الاستفهام حول مسألة التوازنات داخل المؤسسة.
الثلاثاء 2020/03/17
ترقب حذر لمرحلة ما بعد قايد صالح

الجزائر - تشهد الجزائر الثلاثاء، تنصيب الجنرال عمار عثامنية، قائدا للقوات البرية، بعد أشهر من شغور المنصب، إثر تكليف قائده السابق الجنرال سعيد شنقريحة، بمهام قيادة أركان الجيش، ليكون بذلك أول تحريك للمياه الراكدة في المؤسسة العسكرية خلال الأشهر الأخيرة.

وكان بيان للرئاسة الجزائرية، قد تحدث عن ترقية الجنرال عمار عثامنية إلى قيادة القوات البرية، التي تمثل العصب الحقيقي للمؤسسة العسكرية الجزائرية، كونها تشكل نحو 80 في المئة من التعداد البشري المنتسب للمؤسسة، فضلا عن تعيين الجنرال نورالدين حمبلي قائدا للناحية العسكرية الخامسة.

ولا يزال الغموض يخيم على دور ومكانة المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي الجديد بالجزائر، بعد انتخاب عبدالمجيد تبون، رئيسا للبلاد في انتخابات الثاني عشر ديسمبر الماضي، ورحيل الرجل القوي في المؤسسة والقائد السابق للجيش الجنرال أحمد قايد صالح.

وتبقى تسمية الجنرال سعيد شنقريحة على رأس قوات الجيش بالنيابة، وعدم ضم الحكومة الجديدة لنائب وزير الدفاع الوطني، كما دأبت عليه التقاليد في الحكومات السابقة، يثير الاستفهام ويحيل المتابعين إلى مسألة التوازنات داخل المؤسسة، ودورها في المشهد السياسي الجديد.

ورغم أن الرئيس الجديد، يبقى يوصف من طرف المحتجين في الشارع الجزائري، بكونه مرشح العسكر، وأنه يمثل الواجهة المدنية للمؤسسة العسكرية، إلا أن التلكؤ في ملء المناصب الحساسة ببعض المواقع، أثار شكوك حول حقيقة الانسجام والطموح لخلافة الجنرال أحمد قايد صالح.

ويعتبر منصب قائد القوات البرية الموقع الثاني في المؤسسة النافذة في البلاد، ولذلك يشكل تعيين الجنرال عمار عثامنية، بداية لترتيب الأوراق في انتظار من تؤول إليه مهمة قيادة الأركان، بين إعطاء الصفة النهائية للقائد الحالي الجنرال سعيد شنقريحة، أو استقدام ضابط جديد لشغل المنصب.

عودة غير معلنة للضباط المعروفين بعدائهم للإسلاميين ولأي تقارب بينهم وبين السلطة

وتأتي هذه الترتيبات في سياق تنامي أخطار أمنية في الحدود الشرقية الجنوبية والجنوبية، بسبب الوضع المتدهور في ليبيا والساحل الصحراوي، حيث يتنامى نشاط الجماعات الجهادية، التي تحافظ على جيوبها حتى في شمال البلاد، حيث نفذت عملية تفجيرية مؤخرا أودت بحياة 5 جنود بمحافظة عين الدفلى غربي العاصمة.

وكان الرئيس تبون، قد ألحق الجنرال المتقاعد عبدالسلام مجاهد، كمستشار أمني في رئاسة الجمهورية، وهو ما أثار استغراب المتابعين، على اعتبار أن الرجل محسوب على عشرية الحرب الأهلية، وعلى صقور العسكر آنذاك وعلى رأسهم الجنرال المسجون، المدير السابق لجهاز الاستخبارات محمد مدين (توفيق).

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن عودة غير معلنة للضباط الذين يشتبه في دورهم خلال العشرية الدموية، ويحسبون على الصقور المعروفين بعدائهم للإسلاميين ولأي تقارب بينهم وبين السلطة، وفقا للخط السياسي الذي انتهجه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، في إطار مشروعه لما يعرف بـ”المصالحة الوطنية”.

ويلفت هؤلاء، إلى أن بقاء قائد سلاح الحرس الجمهوري الجنرال بن علي بن علي 85 عاما حيز الخدمة، وهو الحامل الوحيد الآن لرتبة فريق بعد رحيل قايد صالح وتقاعد وسجن الجنرال “توفيق”، قد يعيق الترتيبات المنشودة داخل المؤسسة، باعتباره المؤهل الوحيد لشغل منصب قائد الأركان، وهو لا يحظى بالإجماع بسبب عامل السن، وعدم الانسجام مع كبار الضباط الآخرين.

ويبقى وضع جهاز الاستخبارات خارجا عن التقاليد السابقة للمؤسسة، فبعد الإطاحة بالجنرال عثمان طرطاق “بشير”، وسجنه إلى جانب الجنرال توفيق وسعيد بوتفليقة، بالسجن العسكري بتهمة التآمر على أمن وقيادة العسكر، تم تسمية قائد لكل دائرة (الأمن الداخلي، الخارجي، والاتصالات)، على علاقة مباشرة بقائد الأركان، بعدما كان في السابق يشرف عليها عثمان طرطاق، كمنسق عام تابع لرئاسة الجمهورية.

وكان الجنرال الراحل قايد صالح، قد سارع بعد تنحية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في أبريل الماضي، إلى استعادة جهاز الاستخبارات من الرئاسة وإلحاقه بأركان الجيش، بعدما ظل لعقود كاملة بقيادة الجنرال توفيق يتمتع باستقلالية عن قيادة الأركان ويتعاطى مباشرة مع رئيس البلاد.

ويشكل شعار “دولة مدنية وليست عسكرية”، المرفوعة في الاحتجاجات السياسية المشتعلة في البلاد منذ أكثر من عام، أحد مفاصل الصراع المزمن بين المؤسسات والنخب الحاكمة في الجزائر منذ سنوات ثورة التحرير (1954- 1962)، ولذلك يعتبر العسكر أكبر المنزعجين من تنامي الأصوات الداعية لتحييد العسكر عن الشأن السياسي.

ولأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة رفعت شعارات صريحة مناهضة لضباط كبار في المؤسسة العسكرية، كاسرة بذلك العلاقة المتجذرة بين الشارع وبين المؤسسة والمستمدة من حقبة حرب التحرير، وزعزعت بشكل غير مسبوق الثقة المتداولة بين الطرفين، تحت ضغط تنامي التيار الداعي لتحييد الجيش عن النفوذ السياسي والاكتفاء بالمهام الدستورية.

4