لا الرئاسة ولا الحوار، حزب الله منشغل بالاستيلاء على الأراضي

بيروت- يسود في لبنان اعتقاد أن هناك انشغالا عاما بمشكلة الفراغ الرئاسي والحوار من أجل إيجاد مخرج للأزمة، إلا أن حزب الله يبدو منشغلا بقضية أخرى هي الاستيلاء على الأراضي في مناطق التماس الطائفي، وذلك في محاولة لتمديد نفوذه وفرض واقع جغرافي جديد.
وكانت جريمة قتل أودت بحياة شابين من بلدة بشري في منطقة “القرنة السوداء” قد لفتت الانتباه إلى سلسلة من محاولات الاستيلاء على أراض، يتبع بعضها البطريركية المارونية بينما يتبع بعضها الآخر أهالي بلدات مثل بشري وبلدية العاقورة وتنورين وغيرها، وذلك على الرغم من أن أهالي تلك البلدات يمتلكون وثائق تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي.
وتقول مصادر محلية إن “حزب الله يتصرف كقوة أمر واقع ويختلق نزاعات عقارية، في محاولة لضرب القانون العقاري الخاص بجبل لبنان التاريخي القديم، أي الممتد من جزين مرورا بجبل لبنان الإداري الحالي ووصولا إلى أقضية الشمال المسيحي الأربعة وهي البترون والكورة وبشري وزغرتا”.
والقرنة السوداء التابعة لقضاء بشري (مسيحي) في قضاء الضنية (سني) واحدة من المناطق الساخنة التي يحاول حزب الله أن يحول ملكيتها إلى بلدة بقاعصفرين (وهي بلدة على خط التماس مع القضاءين الآخرين، وتابعة لمحافظة البقاع الخاضعة لحزب الله)، وأدت المواجهة فيها إلى مقتل شابين من أسرة آل طوق وهما هيثم ومالك حاولا منع عناصر تابعة لحزب الله من ادعاء ملكية الأرض.
◙ الحزب يخوض معركة طويلة الأمد من أجل توسيع أراضي البلدات التي تقع تحت سيطرته على حساب البلدات المسيحية
وأعرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس الأحد عن تألمه للحادثة وقال إنه يعوّل على الجيش في فرض الأمن لصالح الجميع. ودعا أهالي بشري إلى ضبط النفس، ووضع ملف الخلاف المزمن في منطقة قرنة السوداء في عهدة القضاء.
وقالت كتلة “تجدد” في البرلمان إن “اللبنانيين فُجعوا بالجريمة البشعة التي أودت بحياة الشابين، في تكرار للحوادث المشبوهة التي تشهدها المنطقة منذ سنوات وإلى اليوم”. ورأت الكتلة أنّ “مسؤولية الدولة كبيرة لتحقيق العدالة، وبسرعة، كما أن مسؤوليتها تكمن في إيجاد حل عادل للنزاع العقاري، يرضي جميع الأطراف، ويقطع الطريق على أرباب الفتنة”.
وشدد رئيس اتحاد بلديات بشري ورئيس بلدية بقاعكفرا إيلي مخلوف على أن “الاعتداء الذي حصل في القرنة السوداء يؤكد أنه حين لا تكون الدولة حازمة في فرض هيبتها والفصل في الخلافات، تترك الأمر للمعتدين الذين يظنون أنفسهم أقوى من الدولة نتيجة الحمايات السياسية”.
ونفى حزب الله أن تكون له أي صلة بالحادثة، وقال إنه “سيعمل على ضبط الوضع تخوفا من تدحرج الأمور التي قد تنعكس سلبا على الاستقرار في الكثير من المناطق اللبنانية”. ولكن السوابق تشير إلى أن الحزب يخوض معركة طويلة الأمد من أجل توسيع أراضي البلدات التي تقع تحت سيطرته على حساب البلدات المسيحية في الشمال والجنوب على حد السواء.
وبخصوص القرنة السوداء أيضا ذكرت مصادر محلية أن مسؤول حزب الله في الشمال محمد صالح حثّ النائب فيصل كرامي على فعل كل ما في وسعه بغية إعطاء ملكية القرنة السوداء لبلدية بقاعصفرين، وذلك على الرغم من أن الأهالي في بشري يمتلكون صكوكا تثبت ملكيتهم للأراضي والأملاك والمشاعات أبًا عن جد، معززة بقوانين وأحكام قضائية.
واللافت في هذه الأرض أنها منطقة تماس مسيحية – سنية ويعتبرها الأهالي أرضا للعيش المشترك. وفي دلالة على ذلك يُذكر أن النائبة ستريدا جعجع حازت أكبر عدد من أصوات أهالي الضنية في انتخابات عام 2005 بينما تحصل النائب جهاد الصمد في انتخابات لاحقة على أكبر عدد من أصوات ناخبي بشري.
والقرنة السوداء هي أعلى قمة في بلاد الشام وتقع في جبل المكمل في قضاء الضنية. ويبلغ ارتفاع القمة عن سطح البحر 3093 م.
وقد نشب فيها النزاع عام 2019 عندما باشر عناصر من حزب الله العمل حول بركة للمياه في نقطة معروفة باسم “حقل سمارة” المتاخم للقرنة السوداء.
وفي مثال آخر على محاولات التمدد امتنع حزب الله، الذي يسيطر على الضاحية الجنوبية لبيروت، عن إعادة أملاك تابعة للبطريركية المارونية هناك، وذلك على الرغم من وجود “ورقة تفاهم” بينه وبين التيار الوطني الحرّ تتضمن قبول الحزب بإعادتها.
ويحاول أهالي اليمونة، الخاضعة لسيطرة الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، السيطرة على مشاعات عائدة إلى بلدية العاقورة. وقد نجحوا في فرض الأمر الواقع على أرض تبلغ مساحتها 11 مليون متر مربع وتعود إلى أهالي تنورين.
وما زالت البطريركية المارونية تخوض نزاعا مع حزب الله على أراضي منطقة لاسا في بلدة جبيل تعود ملكيتها إلى البطريركية، وهو نزاع لم يتمّ حله.
ويقول المراقبون إن خارطة التمدد التي يحاول حزب الله فرضها على الأراضي المشاع التابعة لبلديات مسيحية أو سنية، تكشف عن مخطط أخطر من مجرد النزاع على قطع من الأراضي، ذلك لأنه نزاع على توسيع مناطق نفوذ الدولة الموازية التي يحكمها الحزب بالسلاح، ويفرض إرادته فيها بالقوة، لأجل استخدامها في مشاريعه الخاصة.