لا إجابة شافية عن سؤال: ما الهدف الأخلاقي من إعادة نشر البشاعة

أعادت 55 ألف صورة لضحايا قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، خرجت إلى الضوء بعد أن سربها مصور منشق عرف باسم قيصر، الجدل الأخلاقي القديم حول نشر صور المعذبين. وانقسم مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي إلى قسمين؛ بين من يؤكد على ضرورة عدم نشر الصور احتراما لحرمة الأجساد التي لقيت حتفها تحت التعذيب وتعاطفا مع مشاعر أهاليهم وبين مطالب بنشرها على أوسع نطاق لتحقيق العدالة.
دمشق- مني السوريون بصدمة كبيرة وهم يتعرفون على أقارب لهم قتلوا تحت التعذيب، بعد إعادة تداول صور الآلاف من المعتقلين في سجون النظام السوري، سرّبها العسكري المنشق الملقب بـ”القيصر” عام 2014.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وتغريدات لمواطنين سوريين، قالوا فيها إنهم عثروا على صور أقربائهم بين صور الضحايا تحت التعذيب، بعد إعادة نشرها على عدد من المواقع السورية المعنية بحقوق الإنسان.
وحققت الروابط والصفحات التي أعادت نشر الصور عشرات مئات الآلاف من الزيارات، حيث باتت ملاذ العديد من السوريين لمعرفة مصير أقرباء لهم، غيبتهم المعتقلات أو فقدوا منذ سنوات، بينهم شيوخ وأطفال.
ووصل عدد الصور التي سربها “قيصر” من السجون والمعتقلات الأمنية إلى أكثر من 55 ألف صورة.
وتُظهر الصور المتداولة جثث الضحايا وعليها آثار تعذيب وحشية، كالصعق بالكهرباء والضرب المبرح والحرمان من الطعام وتكسير العظام وفقئ الأعين واقتلاع الأظافر وغيرها.
وتأتي إعادة نشر الصور بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في 17 يونيو الجاري. ودخل “قانون قيصر” الأميركي حيز التنفيذ بإعلان واشنطن إنزال عقوبات على 39 شخصا وكيانا مرتبطين بنظام الأسد.
وبموجب العقوبات، بات أي شخص يتعامل مع النظام السوري معرضا للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.
و”قيصر” هو اسم استخدم لإخفاء الهوية الحقيقية لعسكري سوري سرّب صور السجناء الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت في سجون نظام الأسد.
في المقابل امتنع الكثير من أهالي المعتقلين في سجون نظام بشار الأسد عن تقليب ألبومات صور المصور المنشق عن النظام الملقب باسم “قيصر”، التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، ما فتح النقاش حول أخلاق نشر الصور.
وبدأت حسابات أهالي بعض المعتقلين في سجون الأسد بنشر تدوينات “مؤلمة” تحمل صور أولادهم المعتقلين وتاريخ ومكان الاعتقال، منوهين إلى أنهم يمتنعون عن رؤية صور قيصر، خشية رؤية أبنائهم ضمن صور القتلى، معلّلين ذلك ببقاء الأمل لديهم ببقاء أحبتهم على قيد الحياة داخل سجون الأسد.
وكتب أحد السوريين عن أخيه المعتقل “لا أجرؤ على البحث في صور قيصر”. وقال معلق “قضية المعتقلين والشهداء تحت التعذيب مؤثرة عند الجميع لا شك، لكن نشر صورهم له أثر كبير على أهاليهم.. أنا واحد من الناس اللي صرت شايف صورة أبي عند تنين (اثنين) من الأصدقاء وهنن مو عارفين صور مين عم ينشروا. أبي اللي كان طوله قريب من المترين، وكنا نخاف نوقف قدامه، عم نشوف صوره هون وهون وآثار الضرب والكسور ع وجهه واضحة”.
وعلق الأكاديمي السوري أحمد نجيب “الصور المسرّبة من الملقّب قيصر تُظهر كمية الحقد واللؤم والكراهية التي قام بها هولاكو العصر بشار الأسد، وعصابته المجرمة ضدّ أهل السنّة.. تعذيبٌ شديد للمعتقلين مع سمل أعينهم وتحطيم جماجمهم وتكسير فكوكهم”.
وأصدرت “مجموعة ملفات قيصر” بيانا على فيسبوك موجها إلى أهالي الضحايا قالت فيه “ليست لنا أي علاقة بنشر وتداول الصور من حسابات أخرى على المواقع الإلكترونية والصحف”، كما حمّلت كل من ينشر تلك الصور دون الرجوع إليها “كامل المسؤولية القانونية”.
وأوضح البيان أن مجموعة قيصر “تعمل على التواصل مع الأهالي بشكل مباشر من دون النشر في العلن احتراما لخصوصية الضحايا وذويهم ولمشاعرهم”، مؤكّدة أنّه يمكن لأي كان من ذوي المعتقلين التواصل معهم عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للمجموعة.
وعبّر مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبدالغني عبر فيسبوك عن رفضه لنشر الصور عبر صفحات التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي من دون إذن الأهالي وقال:
وقال مغرد:
Magedabdelnour1@
جميعنا كسوريين كنا مشاريع صورة مؤلمة من صور قيصر، كتب الله لنا الشقاء والقهر والحزن أن أبقانا أحياء شاهدين على موت إخواننا بهذه الطريقة الموحشة، لا سامحنا الله إن سامحنا قاتليهم ولا هنأنا الله إن أبقينا الوحوش يهنأون بحياتهم، صور قيصر يجب أن تكون وقودا ونارا لهممنا كي لا تفتر.
وتساءل مغرد:
وقالت مغردة:
Rasha_Rasha000@
أيّ قهر هذا الذي يعيشه أهالي شهداء صور قيصر عندما يشاهدون صور أبنائهم وقد تورمت ونزفت أجسادهم وتقلعت أسنانهم، عبارة “استشهد تحت التعذيب” بمفردها تكفي لآلام بحجم الكون، فما هو الحال مع صور توضح جزءا يسيرا من هذا الجحيم؟ أهالي شهداء التعذيب والمعتقلين، ننحني خجلا وإجلالا لصبركم.
وقال ناشط:
وفي السنوات الماضية توسعت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية ومواقع التواصل الاجتماعي في نشر صور جثث ضحايا الاغتيالات والقتل والحروب والتعذيب، سعيا وراء السبق الصحافي وتحقيق المزيد من الانتشار والجماهيرية، من دون أي ضوابط.
والجدل الواسع يتكرر في كل المناسبات الأول: مؤيد لنشر تلك الصور الصادمة بغض النظر عن محتواها ومدى تأثيرها. ويرى ستيفن باريت أستاذ الاتصال بجامعة “ويستمنستر” في لندن أن الصور في عصر الإنترنت ستصل لا محالة للجمهور.
الثاني: رافض لنشر صور القتلى والجثث والصور الصادمة، ويعتبره من المحرمات الصحافية، لما يمثله من انتهاك لحرمة الموت، وما يسببه من آثار سلبية على مشاعر الجمهور، وأهالي المنشورة صورهم بغض النظر عن القيمة الخبرية للصورة.
الثالث: متوازن يجمع بين الرأيين، فهو يميل إلى نشر الصور الصادمة حتى لا يهدر القيمة الخبرية، مع اتخاذ إجراءات متنوعة تخفف من آثار تلك الصور على الجمهور.