لا أوهام لدى سكان نينوى بشأن مساهمة الانتخابات المحلية في التعافي من آثار حقبة داعش

الموصل (العراق) - على الرغم ممّا تحمله الانتخابات المحلية المقرّر أن تجري الاثنين في العراق، من رمزية خاصة لمحافظة نينوى الواقعة بشمال البلاد، كونها الأولى من نوعها بعد الحرب ضدّ تنظيم داعش والتي دارت أكثر حلقاتها دموية في المحافظة وداخل مركزها مدينة الموصل، إلاّ أنّ أهالي نينوى المنتمين إلى أعراق وديانات مختلفة لا يعلّقون الكثير من الآمال على المناسبة الانتخابية التي يعلمون أنّ مدارها الأساسي يتمثّل في صراع الأشخاص والقوى السياسية على مقدرات المحافظة وخصوصا أموال إعادة إعمار وترميم البنى التحتية المدمّرة بشدّة جرّاء الحرب.
وتؤكّد هذه القناعةَ الشعبيةَ المسبقةَ نتائجُ رصد قام به معهد واشنطن للسلام في نينوى وتظهر أنّ المرشحين للانتخابات المحلّية في المحافظة يواجهون جمهورا انتخابيا لا يثق بهم، مثلما لا يثق بمؤسسات الدولة العراقية على وجه العموم.
ويتوقّع أهالي نينوى، وبغض النظر عن الوجوه التي ستدفع بها صناديق الاقتراع إلى تصدّر واجهة الحكم المحلّي في محافظتهم، أن تستمر التوازنات التي يعرفها الأهالي جيّدا والتي تقوم على تقاسم السلطة ومراكز القرار الهامّة وما تتيحه من مكاسب مادية، في نطاق عملية تخادم وتبادل محكم للأدوار جعل الفساد في المحافظة خلال فترة ما بعد الحرب على داعش يتحول إلى ما يشبه المؤسسة شديدة الفاعلية في نهب الأموال المخصصة لإعادة الإعمار.
المرشحون للانتخابات المحلّية في نينوى يواجهون جمهورا انتخابيا لا يثق بهم مثلما لا يثق بمؤسسات الدولة العراقية ككل
واستنادا إلى ذلك لا يتوقّع الأهالي أن يختلف المشهد السياسي والإداري في نينوى في فترة الحكومة المحلية المنتخبة، عنه في فترة الحكومة المعينة.
وعانت نينوى بشكل استثنائي خلال حرب تنظيم داعش الذي كان قد احتل مدينة الموصل واتخذها عاصمة لخلافته المزعومة، وتطلب إخراجه منها استخدام قدر كبير من القوة النارية التي أوقعت خسائر بشرية كبيرة وأحدثت دمارا هائلا في مرافق المدينة الخاصّة والعامّة.
وشاركت في تلك الحرب الفصائل الشيعية المنتمية إلى الحشد الشعبي والتي لم تغادر المحافظة بعد نهاية القتال بل أوجدت لها فيها حضورا أمنيا واقتصاديا من خلال فتحها العديد من المكاتب الاقتصادية التابعة لها والتي تتحكّم من خلالها في مشاريع إعادة الإعمار وتستخدمها في ابتزاز التجار وأصحاب رؤوس الأموال.
ولا يرى سكان الموصل وسائر مناطق نينوى كيف يمكن لأيّ حكومة محلية، حتى لو كانت منتخبة، أن تتصرّف إزاء مصالح الميليشيات التي توسّعت وامتدت بشكل كبير وتشابكت مع مصالح العديد من الأطراف في المحافظة.
وورد في تقرير معهد واشنطن أنّ نينوى التي تعتبر موطنا لمجموعات سكانية غير متجانسة عاشت بمناسبة الانتخابات المحلية حالة فريدة من القلق بسبب كثرة المتنافسين وتنافرهم الشديد. ويتوزّع هؤلاء المتنافسون على الحزبين السياسيين الكرديين المهيمنين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى جانب عدد كبير من الجماعات السياسية السنية بعضها جديد على الساحة، وبالإضافة إلى فصائل الحشد الشعبي المستندة إلى قوتها السياسية ونفوذها في الحكومة المركزية، فضلا عن قوتّها المالية في نينوى بالذات حيث تنتشر مكاتبها الاقتصادية.
كذلك يتأثر الصراع على السلطة السياسية في نينوى بوجود الكثير من أراضيها ضمن المناطق المتنازع عليها بين السلطات الاتحادية العراقية وسلطات إقليم كردستان وهو عامل يزيد من المخاطر السياسية للانتخابات المقبلة.
ويبلغ عدد مقاعد مجلس محافظة نينوى تسعة وعشرين مقعدا ثلاثة منها مخصصة للأقليات، وتلعب العوامل العرقية والطائفية دورا في التنافس عليه. ومن بين الذين يسعون إلى الفوز بقيادة مجلس المحافظة قائمة مرتبطة بنجم الجبوري محافظ نينوى المستقيل مؤخرا والممنوع شخصيا من خوض الانتخابات بسبب شموله بإجراءات اجتثاث حزب البعث، وقائمة ائتلافية يرأسها نائب الرئيس العراقي السابق أسامة النجيفي، وقائمة تحالف العزم برئاسة محمد نوري وأحمد الجبوري، وممثلين لحزب تقدم المرتبط برئيس البرلمان المعزول مؤخرا محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان له تقليديا نفوذ كبير في المحافظة، لاسيما في المناطق المتنازع عليها، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهما الحزبان الكرديان الرئيسيان اللذان يتنافسان في الانتخابات حيث يسعيان إلى إعادة تأكيد نفوذهما في جميع أنحاء نينوى. ويتنافس الإطار التنسيقي الجامع لأبرز القوى السياسية الشيعية أيضا على مقاعد في نينوى من خلال تحالفين رئيسيين ومرشحي الأقليات الذين يتنافسون على قوائم مختلفة مرتبطة بأحزاب أكبر.
ولا تعتبر كثرة هؤلاء اللاعبين مظهر قوةّ وثراء للمشهد الانتخابي في نينوى بقدر ما تعتبر مظهرا على التشتت السياسي واشتداد التنافس على مقدّراتها والذي قد يفضي في الأخير إلى لعبة المحاصصة المعتمدة في الحياة السياسية ككل في العراق والتي تتحوّل دائما إلى تقاسم صريح للمكاسب والنفوذ بما ينجم عن ذلك من استشراء للفساد على قاعدة أن الجميع شركاء فيه ولا يملك أيّ طرف ترف المزايدة على بقية الأطراف.
وعلى ضوء هذه المعطيات لا يبدو أنّ الانتخابات في نينوى قادرة على إعادة بناء الثقة بين السكّان والقيادة المحلية التي ستنبثق عن عملية الاقتراع.
ويبقى على السلطات المحلية إذا رغبت في تغيير طبيعة العلاقة مع السكان أن تضع بصمة فعلية على أرض الواقع يكون لها تأثير ملموس على معيشهم اليومي من خلال توفير الخدمات الأساسية وتحسين مستوى الأمن وإيجاد الوظائف وموارد الرزق، بالإضافة إلى معالجة الملف الأهم بشكل جذري وهو ملف الفساد.
وفي ظلّ المعطيات المتوفّرة على أرض الواقع في محافظة نينوى، فإنّ كل ذلك يبدو بعيد المنال وهو ما يدركه سكان المحافظة أنفسهم والذين لا يتوقّع أن يكون لهم إقبال كبير على مراكز الاقتراع لعدم إيمانهم بقدرة الصناديق على تغيير الواقع المعقّد بمعطياته السياسية والاقتصادية والأمنية والعرقية والطائفية شديدة التداخل.