لا أحد يحاسب قتلة الصحافيين لا وقت الحرب ولا زمن السلم

لندن - لم يُحاسب أحد على 86 في المئة من جرائم قتل الصحافيين خلال السنوات العشر الماضية، وفقًا لمؤشر الإفلات من العقاب العالمي الصادر عن لجنة حماية الصحافيين. ويعد الصحافيون الذين يغطون من مناطق الصراع "أعين العالم وآذانه"، إذ أنهم يعرّضون حياتهم للخطر لتقديم وقائع ما يحدث على الأرض. كما تخدم تقاريرهم الإعلامية الدقيقة والنزيهة مصلحة عامة أساسية؛ حيث يمكن أن يكون للتقارير والصور والأخبار من الميدان تأثير حاسم على تطور النزاعات المسلحة ونتائجها.
وغالبًا ما تتم عرقلة العمل الصحفي عمدًا في النزاعات المسلحة. ويواجه الإعلاميون المنع من الوصول، والرقابة، ويعانون من المضايقات، فضلاً عن الاحتجاز التعسفي والهجمات الوحشية. ففي مناطق الحروب، قُتل أو جُرح عدد من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، وفي بعض الأحيان تم استهدافهم بشكل متعمد، أثناء توثيق حقيقة الفظائع. وفي هذا السياق، أعلنت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، مساء الثلاثاء، ارتفاع عدد الصحافيين والإعلاميين القتلى جراء الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي إلى 38.
وقالت النقابة في بيان على منصة فيسبوك “منذ 7 أكتوبر 2023 استشهد 25 صحافياً فلسطينياً و13 من العاملين في قطاع الإعلام، نتيجة القصف". وأردفت “إضافة إلى قصف منازل ما لا يقل عن 35 صحافياً واستشهاد عشرات من أفراد عائلاتهم من ضمنهم الاستهداف المتعمد لعائلة الصحافي وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة، الذي نتج عنه قتل زوجته، واثنين من أبنائه، وحفيده الأصغر".
وأضافت “هذه الأفعال الشنيعة امتداد لسياسة ممنهجة لاستهداف وقتل الصحافيين الفلسطينيين، قتل الجيش الإسرائيلي 55 صحافياً فلسطينياً منذ عام 2000 وحتى السابع من أكتوبر 2023، بمن فيهم الشهيدة الصحافية شيرين أبوعاقلة في مايو 2022".
وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إنها رفعت دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب ارتكبت بحق صحافيين خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وجاء في بيان نشرته المنظمة غير الحكومية التي تدافع عن حرية الصحافة، أن الصحافيين الضحايا قضوا أو أصيبوا في هجمات ترقى إلى جرائم حرب. كما أوضحت أن حجم الجرائم الدولية التي ترتكب بحق الصحافيين، خاصة في غزة، وخطورتها وطبيعتها المتكررة، أمر يستدعي إعطاء الأولوية لإجراء تحقيق من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وتتناول الدعوى القضائية التي رفعتها مراسلون بلا حدود لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الثلاثاء، تفاصيل بشأن مقتل 9 صحافيين وإصابة 2 آخرين، أثناء تأدية مهامهم منذ السابع من أكتوبر الماضي في غزة. وأشار البيان إلى أن إسرائيل دمّرت مباني بشكل كلي أو جزئي لأكثر من 50 وسيلة إعلام في غزة التي تتعرض لغارات إسرائيلية عنيفة منذ 27 يوما.
وقال كريستوف ديلوار الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود “إننا ندعو إلى ذلك (التحقيق) منذ عام 2018، في حين تظهر الأحداث المأساوية الحالية مدى إلحاح الحاجة إلى تحرك المحكمة الجنائية الدولية”. وهذه هي الشكوى الثالثة التي تقدمها مراسلون بلا حدود إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب ضد الصحافيين الفلسطينيين في غزة منذ عام 2018.
وتفيد إحصاءات مرصد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) لقتلى الصحافيين منذ العام 2006 أن 37 في المئة من قتلى صحافيي العالم قضوا في الدول العربية لتتصدر المنطقة العالم.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الصحافيين يؤدون دورا حيويا في المجتمع، حيث يدعمون الديمقراطية ويمكِّنون لها ويُخضعون السلطة للمساءلة، ووجودهم ضروري للمؤسسات القوية والخاضعة للمساءلة ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، داعيًا جميع الدول إلى منع العنف ضد الصحافيين، وتوفير بيئة آمنة لهم للقيام بعملهم، وتقديم أولئك الذين يرتكبون جرائم ضدهم إلى العدالة، وضمان دعم الضحايا والناجين.
وأضاف غوتيريش، في رسالته بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، أن هذه الوظيفة المهمة تعرض الصحافيين للخطر، فالتزامهم بالتحقيق وكشف الحقيقة يعني أنهم غالبا ما يستهدفون بالهجوم والاحتجاز غير القانوني بل والموت.
◙ حجم الجرائم الدولية التي ترتكب بحق الصحافيين، خاصة في غزة أمر يستدعي إعطاء الأولوية لإجراء تحقيق من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية
وأعرب غوتيريش عن شعوره بانزعاج بالغ من أرقام الإحصائيات، ومن تصاعد التهديدات بكل أنواعها ضد الصحافيين، وقال غوتيريش “إننا في حاجة إلى ضمانات أفضل للدفاع عن الصحافيين الذين يبقوننا على دراية بما يجرى”. كما أعرب عن “امتنانه اليوم وكل يوم، للصحافيين وجميع الإعلاميين الذين يخاطرون بصحتهم وحياتهم لإبقائنا على اطّلاع، وإبقاء الحقيقة حية”.
ووفقا لما ذكرته اليونسكو فقد قتل في عام 2022 ما لا يقل عن 88 صحافيا بسبب قيامهم بعملهم، وهو عدد أكبر بكثير مما كان في السنوات السابقة، والصراع الحالي في إسرائيل والأرض الفلسطينية يُوقع خسائر مروعة في صفوف الصحافيين. ومع ذلك، فإن مناطق الحرب ليست الأماكن الوحيدة التي يتعرض فيها الصحافيون للهجوم؛ حيث يواجهون في جميع أنحاء العالم تهديدات متزايدة في عملهم، وهم ضحايا جرائم الكراهية، والمضايقات عبر الإنترنت، والاستهداف ببرامج التجسس، وحتى القتل.
ويبيِّن تقرير اليونسكو أيضاً عدم وجود مكان آمن بالنسبة إلى الصحافيين؛ ففي عامَي 2020 و2021، قُتل 117 صحافياً لمجرد كونهم صحافيين، وقُتل من بينهم 91 صحافياً أي ما يعادل 78 في المئة خارج أوقات عملهم، سواء كانوا في منازلهم أو في سياراتهم أو في الشارع من دون أن يكونوا في مهمة معينة. وقُتل عدة صحافيين أمام أعين أفراد أسرتهم، بما في ذلك أمام أطفالهم. ويُعد العدد المتزايد من التهديدات الجسدية والقانونية وعبر الإنترنت التي يتعرض لها الصحافيون وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام على مدى السنوات الماضية، اتجاهًا مثيرًا للقلق.