لا أثر للفلسطينيين في أكبر أزمة سياسية تشهدها إسرائيل

رام الله (الضفة الغربية) - مع استمرار الاحتجاجات الجماهيرية المعارضة لمسّ حكومة بنيامين نتنياهو بالقضاء، لم يفكّر سوى القليل في تأثير تحوّل إسرائيل إلى دولة استبدادية تدعمها الأحزاب العنصرية والساسة الفاشيون على الفلسطينيين. وفيما تظاهر الإسرائيليون لإجبار نتنياهو وحلفائه على التراجع ظل الفلسطينيون يتابعون المشهد وكأنه لا يعنيهم في القوت الذي كان يفترض منهم استثماره لإظهار شرعية مطالبتهم في مواجهة حكومة إسرائيلية يسيطر عليها اليمين.
وتجمّع مئات الآلاف من المتظاهرين عبر شوارع تل أبيب والقدس ومدن وبلدات إسرائيلية أخرى خلال الأسابيع الـ12 الماضية للتعبير عن غضبهم ممّا اعتبروه مساعي حكومة نتنياهو لإنهاء استقلال المحكمة العليا وتوجيه ضربة قاتلة إلى قلب ديمقراطية إسرائيل.
ووصفت وسائل الإعلام الغربية الاضطرابات والاحتجاجات التي اجتاحت البلاد على أنها نتيجة لمحاولة الحكومة تنفيذ ما وصفه الإعلام الغربي بـ”إصلاحات قضائية”. لكن العبارات كانت أكثر صراحة في إسرائيل. وكتبت هآرتس عن “انقلاب قضائي.. مصمم لاستبدال الديمقراطية النسبية بديتاتورية كاملة”، حتى أن المنافذ الإعلامية المحافظة مثل “التايمز أوف إسرائيل” تحدّثت عن عدوان رئيس الوزراء الهادف “لاقتلاع الديمقراطية”.
لكن تغطية وسائل الإعلام الدولية والصحافة الإسرائيلية نادرا ما ذكرت تأثير محاولة نتنياهو الانقلابية على الفلسطينيين.
وفقا لمشروع الإصلاح سيكون بمقدور البرلمان مستقبلا نقض قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، ومنح السياسيين نفوذا أكبر في تعيين القضاة
وأصبحت ديمقراطية إسرائيل محلّ تدقيق مع تعدد المتطرفين الذين أحاط نتنياهو بهم نفسه في محاولاته لتجنب المحاكم وعقوبة سجن محتملة بتهمة الاحتيال وخيانة الأمانة. وكان من هؤلاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يصف نفسه بالفاشي، ووزير الأمن القومي الديماغوجي العنصري إيتمار بن غفير صاحب خطط زيادة تصاريح حمل السلاح.
وشجع بن غفير وابن نتنياهو يائير المستوطنين اليمينيين المتطرفين على مواجهة المتظاهرين المناهضين للحكومة حتى مع خروج الأحداث عن نطاق السيطرة مع إقالة نتنياهو لوزير دفاعه يوآف غالانت من منصبه يوم الأحد لدعوته إلى “وقف فوري ومؤقت” للجهود المصممة لكبح القضاء.
وغرد بن غفير قبل أيام “توقف اليمين اليوم عن الجلوس بهدوء على الهامش. عادة ما يكون اليمين غير مبال بالاحتجاجات وينشط في صناديق الاقتراع. لكن هذه هي النتيجة عندما يريدون إلغاء تصويتنا، عندما يحاولون سرقة نتائج الانتخابات منا، عندما يخبروننا أننا ناخبون من الدرجة الثانية”.
ثم وافق رئيس الوزراء على تأجيل التشريع بعد صمت دام قرابة 24 ساعة واحتجاجات حاشدة تندد بإقالة وزير الدفاع. وكان الثمن الذي دفعه مقابل التأخير هو منح وزير الأمن الحق في تشكيل الحرس الوطني وقيادته. ويبعث هذا المقارنات مع قمصان كتيبة العاصفة البنية (الجناح شبه العسكري للحزب النازي) والقمصان السوداء الموالية لبينيتو موسوليني (الجناح شبه العسكري للحزب الوطني الفاشي). وليس هذا غير ملائم نظرا لسجل بن غفير في التحريض على العنف ضد الفلسطينيين. لكن لنتنياهو سجل طويل من خيانة الحلفاء والتراجع عن الوعود مما يقوّض حتمية حصول وزيره على قوته شبه العسكرية.

وغرّدت الصحافية والناشط الحقوقية نور عودة أن “نتنياهو توصّل إلى حل وسط للبقاء في السلطة ونزع فتيل الاحتجاجات من خلال رمي الفلسطينيين إلى الذئاب: السماح للمستوطن الإرهابي بن غفير بتشكيل ميليشيا في الضفة الغربية المحتلة. إن الدم الفلسطيني هو كل ما تتطلبه حماية “الديمقراطية الإسرائيلية..”.
وردت الناشطة السياسية الفلسطينية حنان عشراوي على تغريدة عودة قائلة إن “هذا النمط مألوف في السياسة الإسرائيلية. يأتي حل الخلافات على حساب الفلسطينيين، بينما تنال القوى العنصرية المتطرفة تنازلات جوهرية مقابل تأخيرات رمزية”.
ويشير موقع عرب دايجست إلى أن المفارقة مريرة للفلسطينيين ومواطني إسرائيل العرب، حيث فشل المتظاهرون اليهود في ربط الهجوم على ديمقراطيتهم بما فعلته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدى عقود لتحقيق تجريد منهجي لحقوق العرب، وسرقة أراضيهم وتدمير قابلية نجاح حل الدولتين. لم يتم الاعتراف بإمكانية وجود أرضية مشتركة بين الإسرائيليين العلمانيين والفلسطينيين الليبراليين الملتزمين بالدعوة السلمية لنيل حقوقهم، ناهيك عن تحقيقها.
ويبرز للفلسطينيين استمرار معاناتهم من هجمات المستوطنين وعمليات القتل المستهدف التي يشنّها الجيش الإسرائيلي والاستيلاء غير القانوني على أراضيهم وهدم منازلهم بغض النظر عن نتيجة الأزمة السياسية الإسرائيلية. وتضاعف شعورهم بالغضب والخوف والعزلة برد السياسيين الغربيين الذين يتحدثون عن التهديدات التي تتعرض لها حقوق الديمقراطية الإسرائيلية دون ذكر حقوق الفلسطينيين التي تنتهك باستمرار.

ويبقى الاثنان مرتبطين ارتباطا وثيقا. ويعني فشل المحتجين الإسرائيليين والسياسيين ووسائل الإعلام الغربية في الاعتراف بهذه الحقيقة الواضحة استمرار انزلاق إسرائيل نحو الاستبداد. وستعاني إسرائيل الليبرالية بينما سيواصل الفلسطينيون دفع الثمن الباهظ.
وخرج نحو 30 ألف متظاهر في مسيرة في وسط مدينة تل أبيب مساء الخميس، وأغلقوا طريقا سريعا في كلا الاتجاهين، بحسب القناة 12 التليفزيونية.
وشق بعضهم طريقه وسط حواجز الشرطة واشتبكوا مع قوات الأمن. كما أطلق البعض الألعاب النارية.
ولوح أنصار نتنياهو بأعلام حزب الليكود في الشارع. وردد البعض شعارات مثل “الشعب يطالب بإصلاح قضائي”، بينما أشار آخرون إلى نتنياهو على أنه “ملك إسرائيل”.
وتحت ضغط الاضطرابات الداخلية وعبارات القلق والرفض في واشنطن، أرجأ نتنياهو يوم الاثنين التعديلات للسماح بإجراء مفاوضات بشأن حل وسط بين ائتلافه الديني القومي وأحزاب المعارضة.
ووفقا لمشروع الإصلاح سيكون بمقدور البرلمان مستقبلا نقض قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، ومنح السياسيين نفوذا أكبر في تعيين القضاة. ويرى منتقدون أن هذا يمثل تهديدا لمبدأ الفصل الديمقراطي بين السلطات. كما يخشون من أن الإصلاحات قد تسمح لنتنياهو بالإفلات من إدانته في محاكمته بالفساد.