لا آمال في انتخاب رئيس جديد للبنان

مرّ شهر منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبنان دون أن ينجح أعضاء مجلس النواب في انتخابه، لتتعمّق أزمات هذا البلد المثخن. ويحذر محللون من تداعيات فراغ رئاسي قد يعيق الإصلاحات التي يطالب بها الغرب لدعم لبنان.
بيروت - قللت مصادر من احتمالية انتخاب رئيس جديد للبنان في الجلسة التي ستعقد الخميس القادم بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما يشير مقربون من الكتل النيابية إلى أن سيناريو الورقة البيضاء الذي أفشل الجلسة الانتخابية الأولى مرشح للتكرار بقوة في ظل غياب توافق بشأن المرشحين.
وأضافت المصادر أن نصاب الـ86 نائبًا لعقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس المقبل الثالث عشر من أكتوبر الجاري مؤمن، مشيرة إلى أن 60 نائبًا سيصوتون بالورقة البيضاء في حال شارك نواب التيار الوطني الحر.
وفي أول جلسة في هذا المسعى الأسبوع قبل الماضي فشل المشرعون في انتخاب رئيس، بعد أن وضعت الأغلبية أوراق الاقتراع بيضاء في الصناديق.
وعبر سياسيون عن قلقهم بشأن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن خليفة للرئيس الحالي ميشال عون الذي تنتهي ولايته في الحادي والثلاثين من أكتوبر الجاري، محذرين من مأزق مؤسسي أكبر وسط أزمة مالية عميقة. ولبنان بلا حكومة تضطلع بكامل مهامها منذ مايو.

طوني عيسى: المجيء برئيس جديد مرتبط باتفاق الحدود البحرية
وحسب الدستور فإن الانتخابات الرئاسية تستوجب حضور ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 128 نائبا، أما الانتخاب فيجب أن يتم بأصوات ثلثي الأعضاء في الدورة الأولى وبالنصف زائد واحد أي 65 نائبا في الدورات التالية. وفي ظل الانقسام في البرلمان وعدم قدرة فريق واحد على حيازة الأكثرية فإنه من الصعب على أي حزب أو تحالف أن يفرض خياره.
وخلا منصب الرئاسة في لبنان عدة مرات منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وخلطت الانتخابات التشريعية الأخيرة في مايو الماضي الأوراق في البرلمان، حيث تراجع عدد مقاعد حزب الله (حليف إيران) وحلفائه لصالح قوى أخرى أبرزها حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وقوى التغيير.
وقال الكاتب والمحلل الصحافي طوني عيسى إنه “لا يمكن الحديث عن وجود طرفين في البرلمان الحالي، بل هناك تنوع وتحالفات”.
وهذا ما ظهر في الجلسة الأولى التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري لانتخاب رئيس للبلاد في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي.
وفي دورة التصويت الأولى بهذه الجلسة توزعت أصوات النواب الحاضرين كالتالي: النائب ميشال معوض حاز على 36 صوتا، ورجل الأعمال سليم إده 11، فيما نال مرشحون آخرون 12، بينما صوّت 63 نائبا بأوراق بيضاء (أبطلوا أصواتهم).
وفي 2016، أنهى انتخاب عون فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا، وحاليا يسود غموض وتخوفات من تكرار مشهد الفراغ في ظل أزمة اقتصادية حادة يعاني منها لبنان منذ أواخر 2019.
واعتبر عيسى أن “وضعية البرلمان لا تسمح لفريق واحد بأن يفرض حاليا رئيسا للجمهورية، لذلك على الأرجح سيتم تأجيل العملية الانتخابية إلى أن تنضج ظروف معينة تسمح بوجود نوع من التوافق على الرئيس المقبل”. ورأى أن “التوافق لن يكون محليا فقط بل خارجيا أيضا”.
واعتبر الخبير الدستوري عادل يمين، أن “الضبابية تعتري المشهد الانتخابي الرئاسي”.
وتابع “من الواضح أنه يستحيل إجراء أي عملية انتخاب من دون حصول شبه توافق، لأن الدستور والعرف يفرضان توافر ثلثي عدد النواب أي 86 من أصل 128 في جميع جلسات ودورات الاقتراع”.
منصب الرئاسة في لبنان خلا عدة مرات منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990
ولا يستحوذ أي فريق سياسي في البرلمان على هذا العدد من النواب، ما يجعل التحالفات ضرورية بين أعضائه للتوافق على رئيس جديد للبلاد.
وتحسبا لحدوث فراغ جديد، كثف السياسيون جهودهم للاتفاق على حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بحيث يمكن أن تنتقل إليها السلطات الرئاسية. ويشغل ميقاتي حاليا منصب رئيس الوزراء بصفة قائم بالأعمال.
وفي الثالث والعشرين من يونيو الماضي، كلّف عون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة بناء على استشارات نيابية نال فيها ميقاتي 54 صوتا. إلا أن هذه الحكومة لم تُبصر النور حتى اليوم، نظرا إلى التعقيدات السياسية في البلاد.
وقال يمين إن المادة 62 من الدستور تنص على أنه “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”.
وأضاف أن “هذا يعني أن الوكيل عن رئيس البلد يكون مجلس الوزراء أي الهيئة المجتمعة بصيغة مجلس الوزراء”. وأشار إلى أن “الحكومة المستقيلة لا تنعقد بصيغة مجلس وزراء إلا نادرا واستثنائيا، لذا لا يمكنها أن تتولى صلاحية رئيس الجمهورية”.

عادل يمين: يستحيل إجراء أي عملية انتخاب من دون توافق
وتابع أن “الدعوة إلى الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء يقوم بها رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة وفق الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور”.
وأردف “في حال كانت الرئاسة شاغرة فلن يكون هناك من مرجع دستوري مختص لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد استثنائيا”.
وأوضح يمين أن “المادة 64 من الدستور تحصر صلاحيات الحكومة المعتبرة مستقيلة في تصريف الأعمال، فلا يمكنها أن تتولى أي مرجع دستوري آخر”.
وأكد أن “تزامن الشغور الرئاسي مع وجود حكومة مستقيلة يعني عدم وجود وكيل عن رئيس الجمهورية، لأن على الوزراء الاكتفاء بتصريف الأعمال في وزاراتهم ورئاسة الحكومة.. ولا تحل الحكومة المستقيلة مكان رئيس الجمهورية بالوكالة”.
وأشارت مصادر مطّلعة على ملفّ الرئاسة إلى أن عون لن يقبل بإنهاء عهده لتستلم الحكومة الحاليّة زمام الأمور في البلاد، كاشفة أن العمل يجري على قدم وساق لتسليم الحكم إلى رئيس جديد أو في حال تعذر ذلك يُعمل على تشكيل حكومة لتقود لبنان في فترة الفراغ الرئاسي.
وربط عيسى بين التوافق على رئيس جديد وبين الاتفاق المرتقب على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية.
واعتبر أن “الجميع، ولاسيما حزب الله، ينتظر الظرف المناسب لاختيار أو تزكية رئيس معين للبلاد، وهذا الأمر ينتظر التطورات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية”.
واعتبر أنه “عندما تنضج هذه التسوية ويتم التوقيع على الاتفاق يتم المجيء برئيس وفق التسوية نفسها التي تمت والمدعومة دوليا”.
ويتنازع لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، وتتوسط واشنطن في مفاوضات غير مباشرة بينهما لتسوية النزاع وترسيم الحدود.