كيف يمكن مواجهة الأزمة المالية القادمة إلى الجنوب

الإصلاحات السريعة نادرا ما تقدم حلولا مناسبة لدرء الأزمات.
الجمعة 2024/08/23
تحسين المعيشة.. غموض ووقت ضائع

يتفق العديد من الخبراء أن الدول النامية أمام مرحلة مفصلية لمعالجة الاختلال الكبير مع الاقتصادات الغنية من خلال إعادة النظر في نماذجها للتنمية في عصر الأزمات، والتي تبدو متخلفة غالبا بالنظر إلى ارتجال الحكومات وصناع القرار في كيفية مواجهتها رغم اختلاف أساليب الإصلاح المتعلقة بخصوصية كل بلد.

كوالالمبور - يعتبر الحدث مأساة في المرة الأولى ولكنه يتحوّل إلى مهزلة عندما يعيد التاريخ نفسه ثانية، وإذا لم يتعلم صانعو القرار من الأزمات المالية السابقة، فسيجازفون بارتكاب أخطاء كان يمكن تجنبها، وغالبا بعواقب مأساوية لا يمكن الرجوع منها.

وعانى الكثيرون في جميع أنحاء العالم من آثار الأزمة المالية العالمية 2008 – 2009 والركود العظيم، لكن تجارب جل الدول النامية تختلف عن تجارب الشمال العالمي.

وتماشت استجابات الدول النامية المتنوعة مع ظروفها، والقيود التي يواجهها صانعو السياسات، وفهمهم للأحداث والخيارات. ويرى الخبير الاقتصادي الماليزي جومو كوامي سوندارام الذي ألف كتاب “إساءة استخدام الاستثمارات بين بلدان الجنوب” أن رد فعل الجنوب العالمي مختلف تماما.

وكتب في مقالة نشرتها خدمة أنتر برس منتصف أغسطس الجاري يقول “لقد استجابت معظم البلدان النامية بشكل مختلف تماما عن الدول الغنية وبوسائل أكثر محدودية”.

وتضررت البلدان النامية من الأزمة المالية العالمية والركود العظيم الذي تلاها. وقال سوندارام “لقد ضعفت أوضاعها المالية بسبب النمو الفاتر. والأسوأ أن احتياطياتها من النقد الأجنبي وأرصدتها المالية انخفضت مع ارتفاع ديونها السيادية”.

وتدخر معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الدولار. واشترت البلدان القليلة التي تتمتع بفوائض تجارية ضخمة سندات الخزانة الأميركية منذ فترة طويلة.

جومو سوندارام: رد فعل الجنوب العالمي مختلف تماما عن الشمال
جومو سوندارام: رد فعل الجنوب العالمي مختلف تماما عن الشمال

وهذا ما يمول العجز المالي والتجاري وعجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة، بما في ذلك عجز الحرب، وفق سوندارام زميل زائر أول في معهد خزانة للأبحاث.

وتجنب المستثمرون الدوليون، بما في ذلك صناديق التقاعد والصناديق المشتركة وصناديق التحوط، المجازفة في تعرضهم لاقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية في البداية بعد الأزمة المالية العالمية.

وضربت أزمة 2008 النمو في جميع أنحاء العالم من خلال قنوات مختلفة في أوقات متباينة. وتراجع اهتمام المستثمرين مع انخفاض أرباح اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية وآفاقها.

وتدفقت الأموال إلى الجنوب العالمي مع تحقيق المزيد من الأرباح من التمويل الرخيص بفضل “التيسير الكمي”، ولكنها خرجت من الدول النامية، وخاصة الأكثر فقرا، عندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة في مطلع 2022.

وانهارت أسواق العقارات والأسهم التي كانت مدعومة بالائتمان السهل منذ فترة طويلة. وكلما أصبح التمويل أكثر قوة واتساقا، كلما انعكس ذلك سلبا على الاقتصاد الحقيقي.

ولقد انخفضت عائدات صادرات البلدان النامية مع تدفق الأموال إلى الخارج مع تباطؤ النمو، وتدفق رأس المال إلى الخارج عندما كانت الحاجة إليه ماسة بدلا من مساهمته في مواجهة التقلبات الدورية.

وبحسب سوندارام، المساعد السابق للمدير العام في منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من أغسطس 2012 حتى ديسمبر 2015، فإن عواقب هذه الانتكاسات كانت متفاوتة.

وقال “من المؤسف أن العديد ممن كانوا ينبغي أن يكونوا الأفطن اختاروا أن يظلوا غافلين عن مثل هذه المخاطر”.

وعكست معظم الدول الغنية تحرير التجارة السابق بعد أن بلغت العولمة ذروتها في مطلع القرن. وتباطأ النمو مع هذه الأزمة، أي قبل جائحة كوفيد – 19 بوقت طويل.

وتراجعت أسواق الأسهم في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في ظل الأزمة المالية العالمية بعد أن كانت مدعومة في السابق بأموال الاعتدال العظيم السهلة. ويقول سوندارام إن الاضطرابات تضر باقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بشكل أكبر من الدول الغنية.

وتمتلك معظم الأسر الغنية والعديد من الأسر متوسطة الدخل في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية أسهما. واستثمرت العديد من صناديق التقاعد بشكل متزايد في الأسواق المالية خلال العقود الأخيرة.

إصلاح ضروري للدول النامية

  • تمويل الاستثمارات طويلة الأجل يجب أن يكون كافيا وموثوقا
  • معالجة التنظيم المالي للظروف والتحديات الجديدة
  • اعتماد ضوابط لردع تدفقات رأس المال غير المرغوب فيها

وتؤثر الاضطرابات المالية مباشرة على المداخيل والأصول والاقتصاد الحقيقي. والأسوأ أن البنوك توقف الإقراض عندما تكون الحاجة إلى تدخلها ماسة.

وهذا ما يجبر الشركات على خفض الإنفاق الاستثماري واستغلال مدخراتها وأرباحها بدلا من ذلك لتغطية تكاليف التشغيل، مما يساهم في الكثير من الأحيان في تسريح العمال، وفق الخبير الماليزي.

وتُقوّض تلك المشاكل القدرة على سداد الديون مع هبوط أسواق الأسهم، وإفراط الشركات والبنوك في الاستدانة. ويعجل هذا بحدوث مشاكل أخرى.

ويجر هبوط أسعار الأسهم إلى دوامة هبوطية، وتباطؤ الاقتصاد، وزيادة البطالة، وتدهور الأجور الحقيقية وظروف العمل الحكومات إلى الاقتراض للتعويض كلما انخفضت إيراداتها أكثر لتغطية العجز. ويكاد يجزم سوندارام بأن مختلف الاقتصادات تتعامل بطرقها الخاصة مع مثل هذه الآثار مع اختلاف استجابات الحكومات.

وتعتمد الكثير من العوامل على كيفية استجابة الحكومات بسياسات الحماية الاجتماعية والمعاكسة للدورات الاقتصادية. ويُذكر أن إلغاء القيود التنظيمية سابقا وتخفيض الوسائل يؤديان عادة إلى تآكل قدراتها وإمكاناتها.

وشملت الاستجابة السياسية الرسمية للأزمة المالية العالمية التي أقرتها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي تدابير انتقدت هذه الأطراف نفسها حكومات شرق آسيا لاتباعها خلال أزماتها المالية في 1997 – 1998.

وشملت هذه الجهود مطالبة المصارف بالإقراض بأسعار فائدة منخفضة، وتمويل المؤسسات المالية أو “إنقاذها”، وتقييد البيع القصير وغير ذلك من الممارسات المسموح بها سابقا.

وينسى كثيرون أن تفويض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) يبقى أوسع من جل البنوك المركزية الأخرى. ومن المتوقع أن يدعم النمو وتشغيل العمالة الكامل بدلا من توفير الاستقرار المالي من خلال احتواء التضخم.

وتبنت العديد من الدول الغنية سياسات نقدية ومالية جريئة استجابة للركود العظيم. وساعد ذلك انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الإنفاق العام.

وأضرت السياسات المالية والنقدية الأكثر تشددا منذ عام 2022 بالبلدان النامية خاصة، وذلك مع تباطؤ الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية.

ولم تُشجَّع السياسات الفعالة المضادة للدورات الاقتصادية والإصلاحات التنظيمية طويلة الأجل، بل امتثل العديد منها لضغوط السوق وصندوق النقد الدولي لخفض العجز المالي والتضخم.

◙ 4 في المئة متوسط نمو الدول النامية في 2024 وهو أبطأ من 2023، وفق البنك الدولي

وتعلو النداءات الداعية إلى المزيد من التدخل الحكومي والتنظيم خلال الأزمات، لكن السياسات المسايرة للدورات الاقتصادية تعوّض التدابير المعاكسة للدورات الاقتصادية حين يصبح الظرف أقل تهديدا، مثلما حدث في أواخر 2009.

ويرى سوندارام أنه نادرا ما تقدم الإصلاحات السريعة حلولا مناسبة. ولا تمنع الأزمات المستقبلية، التي نادرا ما تشبه الأزمات السابقة. لكن على التدابير أن تعالج المخاطر الحالية والمستقبلية المحتملة، وليس المخاطر السابقة وحدها.

ويعتقد الخبير الماليزي أنه من الضروري أن تعالج الإصلاحات المالية التي تعتمدها البلدان النامية ثلاث مسائل. أولا، يجب أن يكون تمويل الاستثمارات طويلة الأجل كافيا وموثوقا.

ويمكن أن تساعد بنوك التنمية المدارة جيدا، والتي تعتمد أساسا على الموارد الرسمية، في تمويل هذه الاستثمارات. كما يجب تنظيم المصارف التجارية لدعم الاستثمارات المرغوبة.

وثانيا، يجب أن يعالج التنظيم المالي الظروف والتحديات الجديدة، ولكن على الأطر التنظيمية أن تكون معاكسة للدورات الاقتصادية. ويجب أن تنمو احتياطيات رأس المال في أوقات اليسر الاقتصادي لتعزيز الصلابة في مواجهة فترات الركود.

وثالثا، ينبغي أن تسلح البلدان نفسها بضوابط مناسبة لردع تدفقات رأس المال غير المرغوب فيها التي لا تعزز التنمية الاقتصادية أو الاستقرار المالي.

وستشتد الحاجة إلى موارد مالية ثمينة لوقف التدفقات الخارجة المدمرة التي دائما ما تتبع الاضطرابات المالية وللتخفيف من عواقبها.

وبحسب البنك الدولي، من المتوقع أن تنمو الاقتصادات النامية بنسبة 4 في المئة في المتوسط خلال الفترة بين عامي 2024 و2025، وهو أبطأ قليلا مما كانت عليه في عام 2023.

10