كيف يعقد انخفاض أسعار النفط أجندة السعودية الاقتصادية

الحكومة والصندوق السيادي يحتاجان إلى المزيد من الديون لتعويض تقلص إيرادات تجارة الخام.
الأربعاء 2025/04/09
سد العجز ليس أمرا سهلا

تواجه السعودية، التي ترتبط ثروتها ارتباطا وثيقا بإيرادات بيع النفط الخام، ضغوطا متزايدة لزيادة الديون أو خفض الإنفاق في أعقاب انخفاض أسعار الخام على عكس تطلعاتها مع شركائها في أوبك+، مما يُعقّد خطط تمويل أجندتها الطموحة لتنويع اقتصادها، بحسب المحللين.

الرياض - تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات، وسط مخاوف من أن تؤثر الحرب التجارية التي أطلق شرارتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على النمو العالمي، وبعد قرار مفاجئ من بعض أعضاء أوبك+، بما في ذلك السعودية، بزيادة الإنتاج.

ويهدد الوضع القائم بفقدان عشرات المليارات من الدولارات هذا العام من إيرادات البلد الخليجي، أكبر منتج في منظمة أوبك، إلى جانب الانخفاض المُخطط له في أرباح شركة أرامكو، عملاق الطاقة الحكومي.

ويُقدّر صندوق النقد الدولي وخبراء اقتصاديون أن الرياض بحاجة إلى أسعار نفط تتجاوز 90 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها. وقد انخفضت أسعار خام برنت القياسي إلى ما دون 65 دولارا هذا الأسبوع.

وعلاوة على ذلك، خفضت السعودية سعر نفطها بأكبر قدر منذ أكثر من عامين، بعد أيام فقط على إعلان تحالف أوبك+ عن زيادة غير متوقعة في الإنتاج. وستقوم أرامكو بخفض سعر خامها العربي الخفيف للمشترين الرئيسيين في آسيا بمقدار 2.3 دولار للبرميل في شهر مايو.

وبينما تموّل الحكومة برنامجها الإصلاحي الطموح “رؤية 2030” من الميزانية، فإنها تحتاج إلى الإنفاق على مشاريع بنية تحتية ضخمة مرتبطة بالبرنامج، الذي يهدف إلى تخليص الاقتصاد من “إدمانه النفطي” المزعوم.

كارين يونغ: الحكومة قد تعتمد على التمويل بالديون وتؤجل التعاقدات
كارين يونغ: الحكومة قد تعتمد على التمويل بالديون وتؤجل التعاقدات

ويعتمد صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي)، الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، والذي يُدير الأجندة الاقتصادية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جزئيا على النفط، بما في ذلك من خلال أسهمه في أرامكو.

وصرحت كارين يونغ، الباحثة البارزة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، في إشارة إلى عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري “من المرجح أن تعتمد السعودية على التمويل بالديون.”

وقالت أيضا “ستضطر (السعودية) إلى تأجيل أو تقليص بعض عقود التعاقد المخطط لها نظرا لأن عام 2024 كان بالفعل يعاني من عجز مزدوج.”

وقبل إعلان الرسوم الجمركية الأميركية، أكدت يونغ أن المحللين توقعوا ارتفاع الدين العام السعودي بمقدار 100 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة. وقد قفز بنسبة 16 في المئة ليصل إلى أكثر من 324 مليار دولار في عام 2024، وفقا للأرقام الرسمية.

ومن المتوقع كذلك أن تنخفض أرباح أرامكو بمقدار الثلث هذا العام، مما يعني أن الحكومة وصندوق الثروة سيحصلان على نحو 32 مليار دولار و6 مليارات دولار أقل، على التوالي، وفقا لحسابات رويترز.

وشكّل النفط 62 في المئة من إيرادات الحكومة العام الماضي. ولم تتوقع الرياض إيرادات النفط هذا العام، لكنها توقعت في ميزانيتها لعام 2025، التي صدرت في نوفمبر، انخفاضا بنسبة 3.7 في المئة في إجمالي الإيرادات.

ومن المرجح أيضا أن يسعى صندوق الثروة إلى الحصول على تمويل إضافي، وفقا لمحللين. وكان محافظ الصندوق ياسر الرميان قد صرّح العام الماضي بأنه يعتزم زيادة استثماراته السنوية إلى 70 مليار دولار بين عامي 2025 و2030، من 40 و50 مليار دولار.

90 دولارا للبرميل أو أكثر هو ما تحتاجه الحكومة لتحقيق التوازن المالي وفق صندوق النقد الدولي

وكانت السعودية من بين أكبر مُصدري سندات الدين في الأسواق الناشئة العام الماضي، وقد جمعت الحكومة بالفعل 14.4 مليار دولار من السندات هذا العام.

وجمع صندوق الثروة، الذي اقترض 24.8 مليار دولار العام الماضي عبر سندات وقروض، بالفعل 11 مليار دولار منذ بداية العام الحالي. كما جمعت عدة شركات أخرى مرتبطة بالدولة مليارات الدولارات من الديون لتسيير شؤونها وترتيب أعمالها.

واستثمر الصندوق مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد المحلي في مختلف المجالات، من شركة لإنتاج ألبان الإبل إلى مشروع نيوم، المدينة المستقبلية العملاقة في الصحراء، وأيضا في قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والرياضة والنقل وغيرها.

وتشمل المشاريع المقبلة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية المقررة في عام 2029، التي من المقرر أن تتميز بثلوج صناعية وبحيرة مياه عذبة اصطناعية، وكأس العالم 2034، التي سيتم بناء 11 ملعبا جديدا لها، وتجديد ملاعب أخرى.

نيل كويليام: السعودية ستعيد ترتيب أولويات تنفيذ المشاريع الكبرى
نيل كويليام: السعودية ستعيد ترتيب أولويات تنفيذ المشاريع الكبرى

وصرح متحدث باسم وزارة المالية بأن الوزارة تعيد ضبط أولويات الإنفاق وترتيبها لضمان قدرة الاقتصاد، بما في ذلك القطاع الخاص، على مواكبة التطورات وتجنب “التضخم الاقتصادي المفرط”.

وأضاف المتحدث، الذي لم تذكر وكالة رويترز اسمه، “نُقيّم التطورات الأخيرة، ونقف على أهبة الاستعداد لاتخاذ أي قرارات سياسية لازمة لضمان بقاء وضعنا المالي قويا.” وتابع “نحن واثقون من أن معظم أهداف رؤيتنا إما تم تحقيقها أو أنها على المسار الصحيح، وسنتمكن من تحقيق النجاح في الفعاليات الرئيسية التي نستضيفها.”

ويتزامن انخفاض أسعار النفط مع إعادة ترتيب الموازين الجيوسياسية، إذ يُحدث ترامب تغييرا جذريا في النظام الاقتصادي العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية.

وضغط ترامب على أوبك، وعلى السعودية، التي تقود المنظمة فعليا، لخفض أسعار النفط، وحثّها على استثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يزور الرئيس الأميركي كلا من السعودية وقطر والإمارات في أول زيارة خارجية له خلال ولايته الحالية في مايو المقبل.

وقال نيل كويليام، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، إن انخفاض أسعار النفط “سيؤدي على الأرجح إلى إعادة ترتيب أولويات المشاريع الكبرى، والمزيد من الترشيد، ومراجعة الجداول الزمنية للتسليم، وتقليص القوى العاملة في المشاريع.”

ومع ذلك، من المرجح أن ترى الحكومة أن المخاطر قصيرة الأجل لانخفاض أسعار النفط تستحق المنافع طويلة الأجل، وفقا لكويليام، مشيرا إلى أن السعودية تتمتع بنسبة دين منخفضة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وثقة من المقرضين.

ورفعت وكالة ستاندرد آند بورز الجدارة الائتمانية للسعودية إلى أي+ من أي الشهر الماضي، لكنها ذكرت أن تحركات أسعار النفط غير المواتية وزيادة الاستثمارات الممولة بالديون من بين العوامل التي قد تخفض هذا التصنيف.

 

اقرأ أيضا:

الشراكة الإستراتيجية مفتاح السعودية لتنمية معادنها النادرة

11