كيف يصل العراق إلى إنتاج 7 ملايين برميل نفط يوميا بل وأكثر

الحكومة مطالبة بإجراء تعديلات واسعة على القوانين لإغراء الشركات.
الجمعة 2025/02/07
نظرة على القطاع من زاوية أخرى

يربط المحللون تطلع العراق نحو زيادة الإنتاج إلى سبعة ملايين برميل يوميا أو أكثر بالعديد من المحددات، من أبرزها الشفافية في عقد الصفقات وتقاسم الأرباح من تطوير الحقول، التي تحتاج إلى تقنيات لا توفرها إلا شركات عملاقة، أملا في القطع مع النمط القديم في إدارة هذه الصناعة.

بغداد - يبدو أن أحد الأشخاص في وزارة النفط العراقية يتذكر أحيانا احتياطيات النفط الهائلة غير المستغلة في البلاد ويخلص إلى فكرة رفع الإنتاج لتعزيز المبيعات.

وورد أن وكيل الوزارة لشؤون التوزيع علي معارج قد أدرك هذا الأمر الأسبوع الماضي، وحدد أن باستطاعة بلده رفع إنتاجه النفطي إلى 7 ملايين برميل يوميا خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويقول المحلل الاقتصادي سايمون واتكينز في تقرير على موقع أويل برايس الأميركي أنه يمكن في الحقيقة أن يصل الإنتاج إلى ما بين 12 و13 مليون برميل يوميا في نفس الإطار الزمني إذا أجري تعديل رئيسي واحد للنهج التشغيلي العراقي الحالي.

وكغيره من المحللين، تدور في ذهن واتكينز تساؤلات بشأن إمكانية تحقيق ذلك، والعقبات التي تحول دون هذه النتائج.

وكان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قد تلقى في 2012 تقريرا سريا يفصل خطة لزيادة إنتاج النفط من 3 ملايين برميل يوميا إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول سنة 2017 في ظل سيناريو “الإنتاج المرتفع.”

وتوقع سيناريو “الإنتاج المتوسط” بلوغ 9 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020. واقتصر سيناريو “الإنتاج المنخفض” على 6 ملايين برميل يوميا بحلول 2025.

سايمون واتكينز: الفشل في تنفيذ برنامج دعم الطاقة أوقف التوسع النفطي
سايمون واتكينز: الفشل في تنفيذ برنامج دعم الطاقة أوقف التوسع النفطي

وكان التقرير الذي يحمل عنوان “الإستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة” ختاما لدراسة شاملة استمرت 18 شهرا بتمويل كبير من البنك الدولي، الذي شارك كبار موظفيه في التحليل.

وجاء الدعم الإضافي من شركة الاستشارات الإدارية الرائدة بوز أند كومباني. وردد تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية بعد سنة تحليلا مماثلا عن إمكانيات إنتاج النفط في العراق.

واعتمد التقريران على افتراض تجاوز الاحتياطيات الفعلية التقديرات السابقة. وتشير التقارير الرسمية إلى أن للعراق 145 مليار برميل من احتياطيات الخام المؤكدة، وهو ما يمثل 18 في المئة من إجمالي احتياطيات الشرق الأوسط وما يمنحه المرتبة الخامسة عالميا.

لكن من المحتمل أن البلد يمتلك كميات أكبر بكثير من النفط. وأعلنت وزارة النفط في أكتوبر 2010، تزامنا مع نشر أرقام الاحتياطيات الرسمية، أن موارد العراق غير المكتشفة يمكن أن تصل إلى 215 مليار برميل.

وذُكر هذا التقدير في دراسة مفصلة صادرة سنة 1997 أجرتها شركة النفط والغاز بترولوغ. والجدير بالذكر أن هذا الرقم لا يشمل المناطق الغنية بالنفط في شمال العراق، أي إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.

وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى استكشاف العديد من مواقع النفط هذه وحفرها قبل السبعينات، عندما فرضت القيود التكنولوجية وانخفاض أسعار النفط معايير أكثر صرامة لما يعتبر بئرا صالحة تجاريا مقارنة بالمعايير اللاحقة.

وتتوقع الوكالة أن إجمالي الموارد القابلة للاستخراج في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، قد يصل إلى 246 مليار برميل تشمل النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي.

وأكد واتكينز أن الأمور بدت على ما يرام، خاصة مع تمتع العراق بواحدة من أقل تكاليف إنتاج النفط في العالم، مثل السعودية وإيران، حيث لا تتجاوز دولارين للبرميل.

وركزت الإستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة ووكالة الطاقة الدولية وغيرها على 3 مجالات رئيسية. أولا، منح الأولوية لتطوير حقول النفط “الأربعة الكبرى” في العراق، وهي غرب القرنة (1 و2)، والرميلة، والزبير، ومجنون.

سمعة العراق في الفساد والافتقار إلى الشفافية وعدم الاستقرار السياسي أدت إلى ردع شركات النفط الغربية الكبرى
سمعة العراق في الفساد والافتقار إلى الشفافية وعدم الاستقرار السياسي أدت إلى ردع شركات النفط الغربية الكبرى

وكانت هذه الحقول حينها تمثل حوالي ثلاثة أرباع إنتاج العراق الإضافي من النفط.

وثانيا، تسريع المشروع المشترك لإمدادات مياه البحر الذي يشمل استخراج مياه الخليج ومعالجتها ثم ضخها عبر خطوط الأنابيب إلى حقول النفط للحفاظ على الضغط في الخزانات، بما يساعد على زيادة إنتاج النفط إلى الحد الأقصى وإطالة عمر الحقول.

ويتطلب تحقيق مستويات أعلى من إنتاج النفط والحفاظ عليها حقن العراق لمياه تعادل نحو اثنين في المئة من متوسط تدفق نهري دجلة والفرات مجتمعين، أو 6 في المئة من متوسط تدفقهما خلال موسم الجفاف.

وثالثا، التأكد من أن البنية التحتية التي تربط الآبار بخطوط الأنابيب الرئيسية تبعت خطة مدروسة، مع ربط الإنفاق المالي الشفاف بأهداف محددة ضمن المشروع.

وشهد العراق إثر هذه التقارير حدثين مهمين سلطا الضوء على التحديات التي يواجهها. واتخذ رئيس الوزراء في البداية الخطوة الصحيحة من خلال محاولته تأمين واحدة من الشركات القليلة على مستوى العالم القادرة على إدارة حجم مشروع إمدادات مياه البحر المهم وتعقيده، وهي شركة إكسون موبيل الأميركية.

وفشلت المفاوضات في 2012، لكن إكسون موبيل وافقت على المشاركة في المشروع بالشراكة مع شركة البترول الوطنية الصينية في 2015. ثم قررت الشركة الأميركية الانسحاب من المشروع في 2018.

وأخبر مصادر داخل وزارة النفط موقع أويل برايس حينها أن مشكلة الشركة كانت خلل توازن هيكل المخاطر والمكافآت الذي حدده الجانب العراقي.

وكان إطار هذا الهيكل العام الذي بُنيت عليه هذه المفاوضات يرتكز على ثلاثة عناصر بالغة الأهمية هي التماسك والأمن والتيسير.

وصُممت لضمان الانتهاء من جميع المرافق المرتبطة بمشروع إمدادات مياه البحر بالكامل وبالتسلسل الصحيح. ولا يقتصر الأمن على سلامة الموظفين الجسدية، بل يشمل الأعمال التجارية والممارسات القانونية الموضحة في الاتفاقية.

145

مليار برميل احتياطيات الخام المؤكدة، أي 18 في المئة من إجمالي احتياطيات الشرق الأوسط

ويضمن التبسيط تقدم الصفقة حسب الاتفاق الأصلي، بغض النظر عن أي تغييرات أو تحولات سياسية مستقبلية في الحكومة العراقية.

وأوضح المصدر أن إكسون موبيل كانت على استعداد لمواصلة العمل ضمن المشروع، ولكن بشرط صياغة محامين توافق عليهم للعقود بطريقة شفافة، وإدارة محاسبين توافق عليهم للحسابات ومراجعتها، وإدارة السلطات العراقية لعملياتها بنفس القدر من الشفافية.

وكشف مصدر قانوني رفيع المستوى في واشنطن حصريا لموقع أويل برايس أن أي اتفاقيات مهمة بين شركات النفط والغاز الأميركية الكبرى والعراق ستتطلب موافقة كاملة من المحامين الأميركيين، مع مراجعة شركات المحاسبة الأميركية لجميع الحسابات المالية.

كما سيكون ذلك مرتبطا بتقييم شركات استشارات المشاريع الأميركية للعمليات التشغيلية، ومعالجة جميع المسائل الأمنية ومراقبتها بشكل مستمر بالتعاون مع المنظمات الأميركية المعنية.

وبحسب واتكينز يمكن أن يوفر مؤشر مدركات الفساد الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية المستقلة غير الحكومية نظرة إضافية على الأسباب التي دفعت إكسون موبيل للتمسك بهذه الضمانات للحفاظ على سمعتها وسمعتها والولايات المتحدة.

وكان العراق يصنف باستمرار بين أسوأ 10 دول من أصل 180 دولة من حيث حجم الفساد ونطاقه.

ووصفته منظمة الشفافية الدولية بأنه من أسوأ الدول أداء في ما يتعلق بمقاييس الفساد والحوكمة، مع تفاقم المشاكل بسبب نقص الخبرة في الإدارة العامة، والقدرة المحدودة على إدارة أموال المساعدات الواردة، والتوترات الطائفية، وعدم كفاية الالتزام السياسي بمبادرات مكافحة الفساد.

العراق كان يصنف باستمرار بين أسوأ 10 دول من أصل 180 دولة من حيث حجم الفساد ونطاقه

كما أشارت المنظمة إلى الاختلاس، والاحتيال، وغسل الأموال، وتهريب النفط، والرشوة المتفشية من ضمن الأسباب التي دفعت البلاد إلى أسفل تصنيفات الفساد العالمي وغذت العنف السياسي وأعاقت الجهود الرامية إلى بناء الدولة وتوفير الخدمات الناجع.

وخلصت إلى أن “التدخل السياسي في هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد، إلى جانب ضعف المجتمع المدني وانعدام الأمن وعدم كفاية الموارد والأطر القانونية غير المكتملة، يحد بشكل كبير من قدرة الحكومة على معالجة مستويات الفساد المتزايدة.”

وتتولى شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال إنيرجيز اليوم زمام المبادرة في المشاركة الغربية في المشروع المشترك لإمدادات مياه البحر في العراق.

وهذا جزء من صفقة أكبر بقيمة 27 مليار دولار تتضمن أربعة أجزاء رئيسية منها إدارة إنتاج حقول النفط والغاز، والعمل على مشاريع للحد من حرق الغاز المصاحب.

ومن المؤكد أن توتال واجهت نفس التحديات الأولية التي واجهتها شركة إكسون موبيل عندما رفضت المضي قدما في الصفقة بعد أن علمت في 2022 أن العراق يخطط لإحياء شركة النفط الوطنية العراقية التي تبددت مصداقيتها منذ فترة طويلة.

وتعتبر الشركة من بين الأكثر فسادا في أي صناعة في جميع أنحاء العالم، وكانت السبب المباشر الذي أنفر توتال إنيرجيز.

ويبدو أن توتال قد أسست سابقة قوية يمكنها من خلالها مواصلة مشروعها ذي المحاور الأربعة مع الرفض الصارم لمثل هذه الممارسات الإشكالية.

ويرى واتكينز أنه إذا تمكن العراق من كبح بعض عاداته التشغيلية مدة مشاريع الشركة الفرنسية، فقد يتحقق جزء كبير من إمكانات إنتاج النفط غير المستغلة.

11