كيف يراهن بشار الأسد على التغيير لإبقاء الحال على ما هو عليه

الأسد بدأ إصلاحا شاملا للأدوات التي يستخدمها من أجل السيطرة على الدولة لتعزيز كفاءة النظام ومناشدة "حل عربي" للأزمة السورية.
السبت 2024/08/31
تغيير في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وداخل حزب البعث

دمشق – لا تلقى عبارة “انتقال” الترحيب في دمشق لأنها مرادفة لـ”تغيير النظام”، ومنع الروس اعتمادها في عملية صياغة قرار مجلس الأمن رقم 2254. لكن الكلمة استعادت بعض جاذبيتها في الآونة الأخيرة بدمشق، وأصبح الرئيس السوري بشار الأسد هو الذي يقود طريق استخدامها من جديد.

وقال الرئيس السوري لصحافيين، بعد الإدلاء بصوته في انتخابات مجلس الشعب في 15 يوليو، “كنا نتحدث عن أن الاستحقاق الانتخابي هو استحقاق دستوري، وكان الصراع صراع الحرب وصراع الدستور. الحفاظ على الدستور الذي يمثل جوهر الدولة. الآن أصبح هذا الموضوع خلفنا. اليوم نحن في مرحلة انتقالية ترتبط برؤى، حول دور الدولة ومؤسسات الدولة بشكل عام والسياسات بشكل عام والتوجهات”.

وتزامن هذا البيان مع تغيير في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وداخل حزب البعث، وفي الشركات المملوكة للدولة من أجل تهيئة النظام لمرحلة جديدة.

التغييرات في الأجهزة الأمنية تقررت استجابة لطلب من السعودية، التي تريد أن ترى إصلاحات لضمان الدعم المالي

ويعتبر مالك العبدة، في تقرير له بموقع سيريا إن ترانزيشن (سوريا في طور الانتقال)، أن هذه التغييرات مجتمعة تظهر أن الأسد على ما يبدو مستعد لتقديمه إلى الخليجيين عن طريق الإصلاحات؛ انتقال شكلي وجمالي، وليس انتقالا بالمعنى الصحيح.

وأعلنت وسائل الإعلام السورية في يناير 2024 عن تغييرات في القيادة العليا للأجهزة الأمنية. وتقررت إقالة اللواء علي مملوك من رئاسة مكتب الأمن الوطني، مع تعيين اللواء كفاح ملحم خلفا له. ويتمتع ملحم بجميع أوراق الاعتماد المطلوبة لهذا المنصب، فهو من كبار ضباط المخابرات وصديق قديم لباسل، الأخ الأكبر لبشار الأسد الذي توفي في 1994. كما أنه علوي وينتمي إلى عشيرة الكلبيَّة التي ينتمي إليها الأسد.

وانتشرت عدة تقارير في مارس تشير إلى أن ملحم أمر بدمج المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية في كيان يسمى “مخابرات الجيش والقوات المسلحة”. لكن مصادر في دمشق أكدت أن الاندماج لم يحدث رسميا بعد، وأنه لا يزال قيد الدراسة. ولا ترقى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية إلى مستوى الإصلاح.

ويعتقد العبدة، وهو محلل سياسي متخصص في الشأن السوري، أن التغييرات في هيكل الأجهزة الأمنية وأفرادها تقررت استجابة لطلب من السعودية، التي تريد أن ترى إصلاحات كافية لضمان علاقات أفضل ودعم مالي لسوريا.

opo

وأجرى النظام عدة تغييرات مهمة في الجيش تزامنا مع التطورات التي شهدتها الأجهزة الأمنية، وشملت الموظفين إضافة إلى إصلاح كلي لعملية التجنيد والخدمة الاحتياطية، والمراسيم التشريعية المختلفة بشأن التجنيد وإضفاء الطابع المهني على الجيش.

لكن تكوين الجيش الطائفي لا يزال يشكل عقبة كبيرة أمام الإصلاح الحقيقي. وكان 92 في المئة، من بين 24 من كبار الضباط الذين تقررت ترقيتهم، من العلويين. ويثبت هذا استمرارا للسياسة التي بدأها حافظ الأسد بالاعتماد على الطائفة والولاء بدلا من الكفاءة معيارا أساسيا للترقيات في الجيش.

وأعاد حزب البعث في مؤتمره العام خلال مطلع مايو انتخاب الأسد أمينا عاما. كما انتخب لجنة مركزية جديدة ووسع عدد مقاعده من 80 إلى 125 مقعدا، كانت 45 منها مخصصة لمن عيّنهم الأسد نفسه. واستُبعدت شخصيات مهمة مثل علي مملوك وبثينة شعبان ولونا الشبل (قبل وفاتها). وشهدت القيادة المركزية (المكتب السياسي) عملية تطهير كانت أكثر شمولا، مع ترقية مجموعة جديدة تماما من أعضاء الحزب. وقيل إن المؤتمر كان نقطة انطلاق لـ”إصلاح” الحزب و”تصحيح مساره”، وهو ما تحدث عنه الأسد كثيرا.

92

في المئة، من بين 24 من كبار الضباط الذين تقررت ترقيتهم، من العلويين

وكان حزب البعث الشريك الأصغر للجيش والأجهزة الأمنية تاريخيا، من حيث ممارسة السلطة الفعلية. لكنه أثبت كونه أداة مفيدة لاستمالة النخب وتنظيمها.

وعمل النظام على تجديد الإدارة. وشملت الهيئات الجديدة التي أمكن إنشاؤها منذ بداية 2024 هيئة عامة لإدارة وحماية أملاك الدولة. كما تقرر دمج العديد من الشركات العامة. وتشمل الكيانات الجديدة الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء (عمران)، والشركة العامة للصناعات النسيجية، والشركة العامة للصناعات الغذائية.

وتواصل إصلاح القوانين ولوائح حوكمة الشركات المساهمة والشركات العامة. وقد تكون هذه مقدمة لخصخصة واسعة النطاق في المستقبل، نظرا إلى الصعوبات المالية الحالية التي تواجه الشركات التي تملكها الدولة والحاجة إلى سداد 50 مليار دولار من الديون لإيران. ويمكن أن يمنح أي بيع لأصول الدولة إلى دول الخليج فرصا استثمارية في اقتصاد ما بعد الصراع. وقد يجذب بيع قطاعات الطاقة والبناء والصناعات الخفيفة، رغم العقوبات، نوعا من المستثمرين الخليجيين الذين يحتاجهم الأسد.

ويخلص العبدة إلى أن الأسد بدأ إصلاحا شاملا للأدوات التي يستخدمها من أجل السيطرة على الدولة لتعزيز كفاءة النظام ومناشدة “حل عربي” للأزمة السورية، وهو حل من المرجح أن يمنح الأولوية للفرص الاقتصادية دون المس بمصالح النظام الأساسية.

1