كيف نكتب للطفل

ذكرت إحدى الباحثات في حلقة دراسية عن الطفولة أنه “لا حضارة بغير كتابة، ولمّا كانت القراءة هي الوجه الآخر للكتابة، وهي أهم ثمرات الحضارة على الإطلاق، فإن غرسها كعادة عند الإنسان منذ الطفولة المبكرة من أهم الأعمال المؤدية إلى ازدهار الحضارة ومواصلة التقدم”. ومن هنا نرغب في أن نناقش بعض الأفكار الأساسية حول لماذا وكيف نكتب للطفل، وما هي أدواتنا لتحقيق ذلك؟
إن قراءة الكتب بالنسبة إلى الأطفال أصبحت مهمة صعبة في عالم طغى عليه احتلال تقني أسر عقول الأطفال والكبار على حدّ سواء، فأصبحت الإنترنت وما تحتويه من ألعاب ومواد تعليمية مختلفة تجذب الطفل بعيدا عن الكتاب، وهو انعكاس طبيعي لتقصير تتحمل مسؤوليته عدة مؤسسات، كالبيت والمدرسة وأجهزة الإعلام.
وقد ذكرت في مقال قديم لي بـ”العرب” تحدثت فيه عن القراءة والطفل أن “أطفالنا يتعلمون في المدرسة طرق القراءة السليمة ضمن منهج اللغة العربية، لكن الحقيقة أن المدارس لا تهتم بتدريبهم على قراءة ألوان عدّة من المواد، في الآداب والفنون والأحياء والفيزياء والرياضيات بطرق أدبية مبسطة تحببهم في القراءة، فكتاب المطالعة الذي تتشارك فيه كل مناهج التعليم العربي لا يكفي لبناء عقل الطفل في عالم حركته سريعة تفوق حدود إدراكنا”.
وبداية، فإن على المعلم أن يتقن طرق تنمية الوعي القرائي عند الأطفال قبل أن يبدأ معهم رحلة تعلقهم بالقراءة. كذلك ضرورة إجراء بحوث ميدانية حول طبيعة قراءات الطفل، لنعرف ماذا نكتب له، وتوجيهنا له إلى أفضل السبل التي تحقق الهدف. والأمر لا يقتصر فقط على تدريب المعلم والاهتمام بالبحث الميداني، وإنما ضرورة الحرص على خلق فئة متخصصة من أمناء المكتبات لتقديم الخدمات المكتبية للطفل بطرق احترافية مبتكرة، بحيث نضمن استمرار عادة القراءة معه طوال الحياة.
وعلى أمين المكتبة الحرص على إتاحة جميع الفرص للأطفال لزيادة نمو أفكارهم وتوسيع خيالهم وضمان مشاركاتهم في كافة الفعاليات، مما يغرس فيهم الروح الإيجابية التي تجعلهم حينما ينتهون من مراحل دراستهم المختلفة أفرادا متفاعلين لا يرهبون الحياة، دعمتهم قراءات ترسخت في وجدانهم. كذلك تدريب الكبار من المتعاملين مع الطفل عن قرب، كالمدرسين في المراحل التعليمية الأولى، والآباء قبل سن المدرسة، إلخ.
وعلى المعني بالكتابة للطفل مراعاة عدة معايير قبل أن يبدأ، ذكرها الخبراء في أكثر من محفل؛ فعليه أن يراعي البيئة المحيطة بأحداث قصته، واختيار طبائع الشخصيات بدقة، لأن الطفل سوف يتأثر ويقلد، فضلا عن مراعاة طرق كشف الشخصيات عن نفسها، وتطورها مع الأحداث بشكل يتناسب مع عقل طفل في مراحل عمرية مختلفة.
أيضا عليه أن يتقن الحبكة الروائية التي تناسب عقله، وأخيرا أسلوب الكتابة والاعتماد على التشويق ومفردات الجذب… فليس كل كاتب، حتى ولو كان يتمتع باحتراف الكتابة، يستطيع الكتابة لطفل، فتبسيط التعبيرات ليس هو الأساس، وإنما مراعاة كل العوامل التي ذكرناها، وأكثر، بكل دقة، فالكتابة للطفل “ورطة وفخ” يقع فيهما الكثير من الكتّاب دون دراية بآليات الكتابة له. وعلى المؤسسات الثقافية المختلفة القيام بعدة فعاليات تهدف إلى خلق جيل من المواهب في مجال الكتابة للطفل، بتدريب الكتّاب وصقل مواهبهم الأدبية بالاستعانة بأساتذة وخبراء في مجال الكتابة للطفل، وذلك ضمن برامج تعقد بانتظام.
وأخيرا، أن نكتب للطفل يعني أن نؤسس لأجيال ثقافة تليق بها، وتعليما مستمرا، وموسوعية في التفكير وعدم توقف نموّه الذهني والثقافي والتعليمي، وحماية المجتمع بأكمله من الردّة إلى الأمية والتطرف.